الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
الحديث الذي طلبت شرحه هو حديث عظيم في بيان رحمة الله تعالى بهذه الأمة ويسر دينها، حيث سأقوم بشرحه على النحو التالي:
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في سننه، والدارمي، وغيرهم من أئمة الحديث، وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الجامع.

### ثانياً. شرح مفردات الحديث
* الصعيد: هو التراب الطاهر، أو وجه الأرض من تراب أو حجر أو رمل. وهو ما يصعد عليه القدم، أي يُطَأ.
* وُضوءُ المسلم: أي ما يتوضأ به ويقوم مقام الماء في التطهير.
* عشرَ سنين: العشر هنا ليست للحد والحصر، بل هي للكثرة والمبالغة، أي ولو طال الزمن جداً ولم يجد الماء.
* فليتقِّ الله: أي فليخش الله ويطبقه على الجلد كما أمر.
* وليمسّه بشره: (بِشَرَّه) أي جلده. والمعنى: فليجعل الماء يلامس جلده ويتحقق وصوله إليه في غسل الأعضاء أو مسحها في الوضوء أو الغسل.

### ثالثاً. المعنى الإجمالي للحديث
يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن حكم عظيم من أحكام الدين، وهو أن التيمم بالترب الطاهر يصلح أن يكون بديلاً شرعياً عن الوضوء بالماء للمسلم إذا لم يجد الماء، أو كان وجوده يسبب له ضرراً.
ولا يشترط لمشروعية التيمم مدة معينة، فلو امتدت مدة عدم وجود الماء إلى عشر سنوات -وهي مدة طويلة جداً يُراد بها المبالغة في بيان طول المدة- فإنه يبقى على حكم التيمم إلى أن يجد الماء.
ثم ينتقل الحديث إلى بيان الحكم عند وجود الماء بعد العدم، فيأمر النبي صلى الله عليه وسلم من وجد الماء بعد أن كان متيمماً أن يتقي الله بأداء الفريضة على الوجه الأكمل الذي شرعه الله، وهو استعمال الماء، وأن يتحرى وصول الماء إلى جميع أعضاء وضوئه أو غسله (أي يمس الماء بشرته وجلده)، فلا يقتصر على التيمم مع قدرته على استعمال الماء.
ويختم الحديث بالحكمة من هذا الأمر، وهي أن استعمال الماء عند القدرة عليه خير للمكلف وأعظم أجراً عند الله تعالى، لأنه امتثال للأصل الذي شرعه الله.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفَوائد العِلمية
1- يسر الشريعة الإسلامية وسماحتها: حيث رفع الله الحرج عن هذه الأمة، فجعل لها بديلاً طاهراً عن الماء عند العجز عن استعماله، تكريماً لها وتيسيراً عليها.
2- مشروعية التيمم: الحديث دليل صريح على مشروعية التيمم عند فقد الماء أو العجز عن استعماله لمرض أو غيره.
3- عدم انقطاع حكم التيمم بمرور الزمن: طالما أن العذر قائم (فقدان الماء أو الضرر من استعماله)، فحكم التيمم ساري المفعول، ولو لسنوات طويلة.
4- وجوب الرجوع إلى الأصل عند زوال العذر: فمن وجد الماء بعد العدم يجب عليه أن يتوضأ به، ولا يجوز له أن يبقى على تيممه، لأن التيمم رخصة للعذر، فإذا زال العذر زالت الرخصة.
5- إخلاص النية وإتقان العبادة: قوله: "فليتق الله" تذكير بأن العبادة لله، فيجب إتقانها وعدم التهاون فيها، فاستعمال الماء عند القدرة هو من تقوى الله.
6- بيان فضل الماء واستعماله: حيث جعله النبي صلى الله عليه وسلم "خيراً"، لأنه الطهارة الكاملة التي شرعها الله ابتداء.

---

خامساً:

معلومات إضافية مفيدة
* التيمم يكون بضرب الكفين على الأرض الطاهرة (تراب أو حجر أو رمل) ثم مسح الوجه والكفين بهما.
* يشترط لصحة التيمم وجود العذر الشرعي، كفقد الماء، أو الخوف من استعماله لمرض أو برد شديد، أو عدم القدرة على الوصول إليه.
* إذا تيمم الشخص لصلاة ثم وجد الماء بعد دخول وقت الصلاة التي صلىها، فلا إعادة عليه، لأن صلاته صحيحة. أما إذا وجده قبل الصلاة، فيجب عليه استعمال الماء وإعادة الصلاة إذا كان قد صلى بالتيمم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ملاحظة: هذا الشرح مبني على فهم أهل السنة والجماعة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.