احتلمت في ليلة باردة فتيممت وصلّيت

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي ذكرته رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه عدد من العلماء، وفيه دروس عظيمة وفقه دقيق.

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● احتلمتُ: أي خرج مني المني أثناء النوم، وهو يوجب الغسل.
● في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل: غزوة ذات السلاسل من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت في جو شديد البرودة.
● أشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلك: خفت إن اغتسلت بالماء البارد أن أموت أو أمرض مرضاً شديداً.
● فتيممتُ: أي أبدلت الغسل بالتيمم، وهو مسح الوجه واليدين بالتراب الطاهر.
● صليت بأصحابي الصبح: أي أممتهم في صلاة الصبح.
● وأنت جنب؟: استفهام تعجب وتنبيه على خطورة الصلاة في حالة الجنابة بدون طهارة.

---

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه أصابته جنابة في ليلة شديدة البرودة أثناء غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فخاف من الاغتسال بالماء البارد لما فيه من خطر على صحته أو حياته، فعدل إلى التيمم وصلى بأصحابه صلاة الصبح. فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، استفهم منه تعجباً: "أصليت بالناس وأنت على غير طهارة؟"، فأخبره عمرو بالسبب الذي منعه من الاغتسال، واستدل على فعله بقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن ضحك ولم ينكر عليه ذلك، مما يدل على إقراره لهذا الفعل والاستدلال.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- جواز التيمم للجنب عند الخوف من استخدام الماء: وهذا من رحمة الله تعالى وتيسيره على عباده، حيث شرع التيمم بدلاً عن الوضوء والغسل عند العجز عن استخدام الماء لمرض أو خوف ضرر.
2- مراعاة الظروف الطارئة في تطبيق الأحكام: الفقه الحقيقي هو فهم مقاصد الشريعة وتطبيقها وفق الظروف، دون تشدد أو تفريط.
3- حسن فهم النصوص والاستدلال بها: حيث فهم عمرو بن العاص رضي الله عنه من الآية الكريمة النهي عن إلحاق الضرر بالنفس، واستنباط جواز التيمم عند الخوف.
4- الاجتهاد في موارد النص: وهذا يدل على أن الصحابة كانوا يفقهون مقاصد الشريعة، ويجتهدون في تطبيقها.
5- التيسير ورفع الحرج في الشريعة الإسلامية: من أعظم مقاصد الشريعة التيسير على العباد وعدم تكليفهم ما لا يطيقون.
6- إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للاجتهاد الصحيح: حيث ضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر على عمرو، مما يدل على صحة ما فعل.
7- جواز الإمامة للمتيمم: إذا كان التيمم مشروعاً، فلا بأس أن يؤم المتيمم المقتدين المتوضئين.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في باب "التيمم" و"الضرورات تبيح المحظورات".
- يستفاد منه أن الخوف من المرض أو الضرر المعتبر شرعاً يُبيح التيمم.
- فيه دليل على فقه الصحابة وحسن استنباطهم من النصوص.
- ضحك النبي صلى الله عليه وسلم هنا يدل على الاستحسان والرضا، وهو أحد أنواع تقرير النبي صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.