جبريل نزل فصلّى فصلى رسول الله ﷺ

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أما بعد، فإن الحديث الذي طلبت شرحه حديث عظيم، يبين أهمية المحافظة على أوقات الصلاة، وأن تحديد أوقاتها توقيفي من عند الله تعالى، لا مجال للرأي فيه. وإليك الشرح الوافي لهذا الحديث وفق الكتب المعتمدة عند أهل السنة والجماعة، مع بيان فوائده ودروسه.

---

نص الحديث:

عن ابن شهاب، أن عمر بن عبد العزيز أخرَّ الصلاة يومًا، فدخل عليه عروة بن الزبير، فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يومًا وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلَّى، فصلى رسول اللَّه ﷺ. ثم صلَّى، فصلَّى رسول اللَّه ﷺ. ثم صلّى، فصلَّى رسول اللَّه ﷺ. ثم صلّى، فصلى رسول اللَّه ﷺ. ثم صلَّى فصلَّى رسول اللَّه ﷺ، ثم قال «بهذا أمرتُ». فقال عمر بن عبد العزيز: اعلَمْ ما تُحدِّثُ به يا عروةُ، أو إنّ جبريل هو الذي أقام لرسول اللَّه ﷺ وقت الصلاة؟ قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري يُحدث عن أبيه.
(رواه الإمام مسلم في صحيحه، والإمام البخاري في صحيحه بمعناه)

---

1. شرح المفردات:

● أخر الصلاة: تأخير إقامة الصلاة عن وقتها المحدد.
● جبريل نزل: أي نزل جبريل عليه السلام من عند الله تعالى ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم أوقات الصلوات.
● فصلى، فصلى رسول الله: أي صلى جبريل عليه السلام إمامًا بالنبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الأول ليعلمه أوقات الصلوات، وفي اليوم الثاني صلى النبي صلى الله عليه وسلم إمامًا بجبريل في نفس الأوقات لتثبيتها.
● بهذا أمرت: أي بهذه الأوقات والصفة في الصلاة أمرني ربي.
● أقام وقت الصلاة: بين وحدد الوقت الشرعي للصلاة.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا الحديث أن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أخر صلاة الظهر (أو غيرها) عن وقتها الأول، فأنكر عليه عروة بن الزبير - رحمه الله - وأخبره بقصة سابقة حدثت مع المغيرة بن شعبة حين كان واليًا على الكوفة، حيث أخر الصلاة، فأنكر عليه أبو مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - موضحًا له أن أوقات الصلوات الخمس محددة بتوقيف من الله تعالى، لا يجوز تأخيرها عن وقتها.
وذلك بأن جبريل عليه السلام نزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه أوقات الصلوات العملية، فصلى به جبريل في اليوم الأول في أول وقت كل صلاة، وفي اليوم الثاني صلى النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الأوقات التي صلى فيها جبريل في اليوم الأول، مما يدل على أن الأوقات محددة بحدود واضحة، وأن الصلاة في أول الوقت أفضل.
فلما سمع عمر بن عبد العزيز هذا الحديث، استفهم من عروة بن الزبير للتأكد من صحة الحديث ودقته، فأكد له عروة أن بشير بن أبي مسعود يرويه عن أبيه (أبو مسعود الأنصاري)، مما يدل على حرص السلف على التثبت في نقل الأحاديث.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- وجوب المحافظة على أوقات الصلاة: الحديث يدل على أن للصلاة أوقاتًا محددة شرعًا، لا يجوز تعديها أو تأخير الصلاة عنها بلا عذر شرعي.
2- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: موقف أبي مسعود الأنصاري من المغيرة بن شعبة، وموقف عروة بن الزبير من عمر بن عبد العزيز، يدل على وجوب إنكار المنكر على كل أحد، ولو كان واليًا أو خليفة، بالحكمة والموعظة الحسنة.
3- التوقيفية في أوقات الصلاة: الأوقات الشرعية للصلوات الخمس توقيفية، بمعنى أنها محددة من قبل الشرع، وليست مجالًا للاجتهاد البشري أو التغيير.
4- فضل الصلاة في أول الوقت: تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة في الأوقات التي صلى فيها جبريل يدل على استحباب الصلاة في أول وقتها.
5- حرص السلف على التثبت في رواية الحديث: استفهام عمر بن عبد العزيز من عروة: "اعلم ما تحدث به" يدل على حرصهم على دقة النقل وصحة الرواية.
6- مكانة الصحابة والعلماء: الحديث يظهر مكانة الصحابة مثل أبي مسعود الأنصاري في العلم والشجاعة في الحق، ومكانة التابعين مثل عروة بن الزبير في النصح والتوجيه.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في باب أوقات الصلوات، وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب "صلاة المسافرين وقصرها"، والبخاري في كتاب "مواقيت الصلاة".
- القصة التي ذكرها أبو مسعود الأنصاري عن نزول جبريل لتحديد أوقات الصلاة مروية في الصحيحين بلفظ: "أن جبريل عليه السلام أمَّ النبي صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس في يومين ليعلمه أوقاتها".
- يستفاد من الحديث أن تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر منكرٌ يجب إنكاره، وهو من كبائر الذنوب إذا كان متعمدًا.
- عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - كان من الخلفاء الراشدين والعلماء العادلين، وقبوله للنصح دليل على تواضعه وحرصه على اتباع السنة.

أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحافظين على الصلوات في أوقاتها، وأن يوفقنا لاتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على