فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني

حديث: فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني

عن جابر بن عبد اللَّه، أنّه سمع النبيّ ﷺ يقول وهو يحدِّث عن فتْرة الوحي: «فبينا أنا أمْشي، سمعتُ صوتًا من السّماء فرفعتُ بصري قِبل السّماء، فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السّماء والأرض، فجئثتُ منه حتى هَويتُ إلى الأرض، فجئتُ أهلي فقلت: زمِّلوني زَمِّلوني، فأنزل اللَّه تعالى: أيها ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾.

متفق عليه: رواه البخاريّ في بدء الخلق (٣٢٢٨)، ومسلم في الإيمان (١٦١: ٢٥٦) كلاهما من حديث الليث بن سعد، قال: حدثني عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب، قال: سمعتُ أبا سلمة ابن عبد الرحمن، يقول: أخبرني جابر بن عبد اللَّه، فذكر الحديث، واللفظ للبخاريّ.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يزيدنا وإياك فهماً لسنة نبيه ﷺ.
هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، يصف لنا لحظة فارقة في تاريخ البشرية، وهي بداية نزول الوحي بعد انقطاعه، واستئناف دعوة النبي ﷺ. وفيما يلي شرحه وافياً:

أولاً. شرح المفردات:

● فَتْرَة الوحي: الانقطاع المؤقت لنزول جبريل عليه السلام بالوحي على النبي ﷺ بعد أول ما نزل عليه في غار حراء.
● فرفعت بصري: أي نظرت.
● قِبل السماء: نحو السماء.
● الملك الذي جاءني بحراء: هو جبريل عليه السلام.
● قاعد على كرسي بين السماء والأرض: جالس على عرش أو منصة في منتصف المسافة بين السماء والأرض، في مشهد مهيب.
● فجئثت: ففزعت وارتعت وخفت خوفاً شديداً، حتى هويت إلى الأرض: سقطت منها.
● زمِّلوني: التفتُّفوني وغطوني بالثياب (من الزميل، وهو الرداء أو اللحاف).

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يصف النبي ﷺ في هذا الحديث حاله بعد فترة انقطاع الوحي التي أعقبت نزول أول آيات القرآن في غار حراء. فبينما هو يمشي، سمع صوتاً من السماء، فنظر إلى أعلى فإذا بجبريل عليه السلام جالس على كرسي في منظر عظيم ومخيف بين السماء والأرض. ففزع النبي ﷺ من هذا المنظر المهيب حتى سقط على الأرض من شدة الخوف والرهبة. ثم ذهب إلى بيته طالباً من أهله أن يغطوه ويلفوه بالثياب ليستريح ويهدأ من روعه. وفي هذه اللحظة الحاسمة، نزلت عليه سورة المدثر، التي كانت بمثابة أمر إلهي صريح ببدء مرحلة جديدة، هي مرحلة الدعوة العلنية والإنذار.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- بشريَّة النبي ﷺ: الحديث يظهر بوضوح الطبيعة البشرية الكاملة للنبي ﷺ، حيث شعر بالخوف والرهبة من منظر الملك المهيب. وهذا دليل على أنه بشر يُوحى إليه، وليس له من أمر الغيب شيء إلا ما أوحي إليه.
2- جدية التكليف وثقل المسؤولية: نزول الآيات بأمر "قُمْ فَأَنْذِرْ" مباشرة بعد هذا المشهد المخيف يدل على أن أمر الدعوة وتبليغ الرسالة مسؤولية جسيمة، تحتاج إلى استعداد نفسي وعزيمة قوية.
3- التدرج في التكليف: بدأت الدعوة سراً في مراحلها الأولى، ثم جاء هذا الأمر ليكون إيذاناً ببدء المرحلة العلنية للدعوة، مما يدل على حكمة التدرج في التشريع ومراعاة الظروف.
4- الاستعانة بالله والتوكل عليه: توجه النبي ﷺ إلى أهله طالباً السكنية والطمأنينة، ثم كان القرآن هو المواسي والمعين والحامل لأمر الله، مما يعلم المؤمن أن ملجأه عند الفزع هو الله تعالى والتوجه إليه.
5- طهارة النفس واجتناب الرجس: ختمت الآيات المنزلة في هذه الواقعة بالأمر بهجر الرجز، وهو الأصنام والأوثان وكل قذر وخبيث، ليكون الداعية طاهر القلب والجسد، بعيداً عن كل ما يشين دعوته.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

● سورة المدثر: هي من أوائل السور نزولاً، والسورة الرابعة في ترتيب النزول بعد سورة العلق، والعلق، والمزمل.
● معنى "وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ": الرجز هو الصنم، وقيل是一切 الأوثان والأقذار والمعاصي. فأمر الله نبيه ﷺ بهجرها واجتنابها تماماً، لتكون دعوته ناصعة نقية.
● العبرة من فَتْرَة الوحي: هذه الفترة كانت بمثابة فترة تهيئة نفسية للنبي ﷺ للعبء الثقيل الذي سينوء به، وهي تدل على أن الله تعالى يعد عباده الصالحين لأعظم المهام بأحسن التربية.
نسأل الله أن يرزقنا الفهم في الدين والاقتداء بنبيه الكريم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في بدء الخلق (٣٢٢٨)، ومسلم في الإيمان (١٦١: ٢٥٦) كلاهما من حديث الليث بن سعد، قال: حدثني عُقيل بن خالد، عن ابن شهاب، قال: سمعتُ أبا سلمة ابن عبد الرحمن، يقول: أخبرني جابر بن عبد اللَّه، فذكر الحديث، واللفظ للبخاريّ. وفي لفظ مسلم: «فجئثتُ منه فرقًا».
وقال أبو سلمة: الرجز: الأوثان، ثم حمى الوحي بعد وتتابع.
وقوله: «جُئثْتُ». أي فُزعت ورعبتُ.
وقوله: «هويت». أي سقطت.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 577 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني

📜 حديث: فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: فجئت أهلي فقلت: زملوني زملوني

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية