إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون
( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا ) أي : أصابك ( بسوء ) يعني : لست تتعاطى ما نتعاطاه من مخالفتنا وسب آلهتنا إلا أن بعض آلهتنا اعتراك ، أي : أصابك بسوء بخبل وجنون ، وذلك أنك سببت آلهتنا فانتقموا منك بالتخبيل لا نحمل أمرك إلا على هذا ، ( قال ) لهم هود ، ( إني أشهد الله ) على نفسي ، ( واشهدوا ) يا قوم ( أني بريء مما تشركون ) .
قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين
( قال هي راودتني عن نفسي ) يعني : طلبت مني الفاحشة فأبيت وفررت .وقيل: ما كان يريد يوسف أن يذكره ، فلما قالت المرأة : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ؟ ذكره ، فقال : هي راودتني عن نفسي .( وشهد شاهد ) وحكم حاكم ( من أهلها ) اختلفوا في ذلك الشاهد :فقال سعيد بن جبير ، والضحاك : كان صبيا في المهد ، أنطقه الله عز وجل ، وهو رواية العوفي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة ابنة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم عليه السلام " .وقيل: كان ذلك الصبي ابن خال المرأة .وقال الحسن ، وعكرمة ، وقتادة ، ومجاهد : لم يكن صبيا ، ولكنه كان رجلا حكيما ذا رأي .قال السدي : هو ابن عم راعيل ، فحكم فقال : ( إن كان قميصه قد من قبل ) أي : من قدام ( فصدقت وهو من الكاذبين ) .
ارجعوا إلى أبيكم فقولوا يا أبانا إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين
( ارجعوا إلى أبيكم ) يقول الأخ المحتبس بمصر لإخوته ارجعوا إلى أبيكم ( فقولوا يا أبانا إن ابنك ) بنيامين ( سرق ) قرأ ابن عباس ، والضحاك " سرق " بضم السين وكسر الراء وتشديدها ، يعني : نسب إلى السرقة ، كما يقال : خونته أي نسبته إلى الخيانة .( وما شهدنا إلا بما علمنا ) يعني : ما قلنا هذا إلا بما علمنا فإنا رأينا إخراج الصاع من متاعه . وقيل: معناه : وما شهدنا ، أي : ما كانت منا شهادة في عمرنا على شيء إلا بما علمنا ، وليست هذه شهادة منا إنما هو خبر عن صنيع ابنك بزعمهم .وقيل: قال لهم يعقوب عليه السلام : ما يدري هذا الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته إلا بقولكم ، فقالوا : ما شهدنا عند يوسف بأن السارق يسترق إلا بما علمنا ، وكان الحكم ذلك عند الأنبياء ; يعقوب وبنيه .( وما كنا للغيب حافظين ) قال مجاهد ، وقتادة : ما كنا نعلم أن ابنك سيسرق ويصير أمرنا إلى هذا ولو علمنا ذلك ما ذهبنا إليه ، وإنما قلنا : ونحفظ أخانا مما لنا إلى حفظه منه سبيل . وعن ابن عباس : ما كنا لليله ونهاره ومجيئه وذهابه حافظين . وقال عكرمة : وما كنا للغيب حافظين فلعلها دست بالليل في رحله .
ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا
( ما أشهدتهم ) ما أحضرتهم وقرأ أبو جعفر " ما أشهدناهم " بالنون والألف على التعظيم أي : أحضرناهم يعني إبليس وذريته . وقيل: الكفار . وقال الكلبي : يعني الملائكة ( خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ) يقول : ما أشهدتهم خلقا فأستعين بهم على خلقها وأشاورهم فيها ، ( وما كنت متخذ المضلين عضدا ) أي الشياطين الذين يضلون الناس عضدا ، أي : أنصارا وأعوانا .
فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم
( فاختلف الأحزاب من بينهم ) يعني : النصارى سموا أحزابا لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى : النسطورية والملكانية واليعقوبية . ( فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم ) يعني يوم القيامة .
( قالوا فأتوا به على أعين الناس ) قال نمرود : يقول جيئوا به ظاهرا بمرأى من الناس ، ( لعلهم يشهدون ) عليه أنه الذي فعله ، كرهوا أن يأخذوه بغير بينة ، قال الحسن وقتادة والسدي ، وقال محمد بن إسحاق ( لعلهم يشهدون ) أي يحضرون عقابه وما يصنع به
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير
( ليشهدوا ) ليحضروا ( وهي رواية ابن زيد عن ابن عباس ، قال : الأسواق وقال مجاهد : التجارة وما يرضى الله به من أمر الدنيا والآخرة . ( ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) يعني عشر ذي الحجة في قول أكثر المفسرين قيل لها " معلومات " للحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحج في آخرها ويروى عن علي رضي الله عنه أنها يوم النحر وثلاثة أيام بعده وفي رواية عطاء عن ابن عباس أنها يوم عرفة والنحر وأيام التشريق وقال مقاتل : المعلومات أيام التشريق . ( على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) يعني الهدايا ، والضحايا تكون من النعم وهي الإبل والبقر والغنمواختار الزجاج أن الأيام المعلومات يوم النحر وأيام التشريق لأن الذكر على بهيمة الأنعام يدل على التسمية على نحرها ونحر الهدايا يكون في هذه الأيام . ( فكلوا منها ) أمر إباحة وليس بواجب وإنما قال ذلك لأن أهل الجاهلية كانوا لا يأكلون من لحوم هداياهم شيئا واتفق العلماء على أن الهدي إذا كان تطوعا يجوز للمهدي أن يأكل منه وكذلك أضحية التطوع لماأخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني ، أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري ، أخبرنا أحمد بن علي الكشميهني ، أخبرنا علي بن حجر ، أخبرنا إسماعيل بن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال في قصة حجة الوداع : وقدم علي ببدن من اليمن وساق رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بدنة فنحر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا وستين بدنة بيده ونحر علي ما بقي ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ بضعة من كل بدنة فتجعل في قدر فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها .واختلفوا في الهدي الواجب بالشرع هل يجوز للمهدي أن يأكل منه شيئا؟ مثل دم التمتع والقران والدم الواجب بإفساد الحج وفواته وجزاء الصيد؟فذهب قوم إلى أنه لا يجوز أن يأكل منه شيئا وبه قال الشافعي ، وكذلك ما أوجبه على نفسه بالنذر وقال ابن عمر : لا يأكل من جزاء الصيد والنذر ويأكل مما سوى ذلك ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وقال مالك : يأكل من هدي التمتع ومن كل هدي وجب عليه إلا من فدية الأذى وجزاء الصيد والمنذور وعند أصحاب الرأي يأكل من دم التمتع والقران ولا يأكل من واجب سواهماقوله عز وجل ( وأطعموا البائس الفقير ) يعني الزمن الفقير الذي لا شيء له و " البائس " الذي اشتد بؤسه والبؤس شدة الفقر
وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير
قوله عز وجل : ( وجاهدوا في الله حق جهاده ) قيل: جاهدوا في سبيل الله أعداء الله " حق جهاده " هو استفراغ الطاقة فيه ، قاله ابن عباس : وعنه أيضا أنه قال : لا تخافوا في الله لومة لائم فهو حق الجهاد ، كما قال تعالى : ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) ( المائدة : 54 ) .قال الضحاك ومقاتل : اعملوا لله حق عمله واعبدوه حق عبادته .وقال مقاتل بن سليمان : نسخها قوله ( فاتقوا الله ما استطعتم ) ( التغابن : 16 ) ، وقال أكثر المفسرين : " حق الجهاد " : أن تكون نيته خالصة صادقة لله عز وجل . وقال السدي : هو أن يطاع فلا يعصى .وقال عبد الله بن المبارك : هو مجاهدة النفس والهوى ، وهو الجهاد الأكبر ، وهو حق الجهاد . وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك قال : " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر " وأراد بالجهاد الأصغر الجهاد مع الكفار ، وبالجهاد الأكبر الجهاد مع النفس .( هو اجتباكم ) أي : اختاركم لدينه ، ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) ضيق ، معناه : أن المؤمن لا يبتلى بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منه مخرجا ، بعضها بالتوبة ، وبعضها برد المظالم والقصاص ، وبعضها بأنواع الكفارات ، فليس في دين الإسلام ذنب لا يجد العبد سبيلا إلى الخلاص من العقاب فيه .وقيل: من ضيق في أوقات فروضكم مثل هلال شهر رمضان والفطر ووقت الحج إذا التبس ذلك عليكم ، وسع ذلك عليكم حتى تتيقنوا .وقال مقاتل : يعني الرخص عند الضرورات ، كقصر الصلاة في السفر ، والتيمم ، وأكل الميتة عند الضرورة ، والإفطار بالسفر والمرض ، والصلاة قاعدا عند العجز . وهو قول الكلبي .وروي عن ابن عباس أنه قال : الحرج ما كان على بني إسرائيل من الآصال التي كانت عليهم ، وضعها الله عن هذه الأمة .( ملة أبيكم إبراهيم ) أي : كلمة أبيكم ، نصب بنزع حرف الصفة . وقيل: نصب على الإغراء ، أي : اتبعوا ملة أبيكم إبراهيم ، [ وإنما أمرنا باتباع ملة إبراهيم ] لأنها داخلة في ملة محمد صلى الله عليه وسلم .فإن قيل: فما وجه قوله : ( ملة أبيكم ) وليس كل المسلمين يرجع نسبهم إلى إبراهيم؟ .قيل: خاطب به العرب وهم كانوا من نسل إبراهيم . وقيل: خاطب به جميع المسلمين ، وإبراهيم أب لهم ، على معنى وجوب احترامه وحفظ حقه كما يجب احترام الأب ، وهو كقوله تعالى : ( وأزواجه أمهاتهم ) ( الأحزاب : 6 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا لكم مثل الوالد [ لوالده ] " .( هو سماكم ) يعني أن الله تعالى سماكم ( المسلمين من قبل ) يعني من قبل نزول القرآن في الكتب المتقدمة . ( وفي هذا ) أي : في الكتاب ، هذا قول أكثر المفسرين . وقال ابن زيد : " هو " يرجع إلى إبراهيم أي أن إبراهيم سماكم المسلمين في أيامه ، من قبل هذا الوقت ، وفي هذا الوقت ، وهو قوله : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ) ( البقرة : 127 ) ، ( ليكون الرسول شهيدا عليكم ) يوم القيامة أن قد بلغكم ، ( وتكونوا ) أنتم ، ( شهداء على الناس ) أن رسلهم قد بلغتهم ، ( فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله ) أي : ثقوا بالله وتوكلوا عليه . قال الحسن : تمسكوا بدين الله . وروي عن ابن عباس قال : سلوا ربكم أن يعصمكم من كل ما يكره . وقيل: معناه ادعوه ليثبتكم على دينه . وقيل: الاعتصام بالله هو التمسك بالكتاب والسنة ، ( هو مولاكم ) [ وليكم ] وناصركم وحافظكم ، ( فنعم المولى ونعم النصير ) الناصر لكم .
الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين
قوله - عز وجل - : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) أراد إذا كانا حرين بالغين عاقلين بكرين غير محصنين " فاجلدوا " : فاضربوا كل واحد منهما مائة جلدة ، يقال جلده إذا ضرب جلده ، كما يقال رأسه وبطنه ، إذا ضرب رأسه وبطنه ، وذكر بلفظ الجلد لئلا يبرح . ولا يضرب بحيث يبلغ اللحم ، وقد وردت السنة أنه يجلد مائة ويغرب عاما وهو قول أكثر أهل العلم ، وإن كان الزاني محصنا فعليه الرجم ، ذكرناه في سورة النساء .( ولا تأخذكم بهما رأفة ) رحمة ورقة ، وقرأ ابن كثير " رأفة " بفتح الهمزة ولم يختلفوا في سورة الحديد أنها ساكنة لمجاورة قوله : " ورحمة " والرأفة معنى في القلب ، لا ينهى عنه ؛ لأنه لا يكون باختيار الإنسان .روي أن عبد الله بن عمر جلد جارية له زنت ، فقال للجلاد : اضرب ظهرها ورجليها ، فقال له ابنه : لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، فقال يا بني إن الله - عز وجل - لم يأمرني بقتلها وقد ضربت فأوجعت .واختلفوا في معنى الآية . فقال قوم : لا تأخذكم بهما رأفة فتعطلوا الحدود ولا تقيموها ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطاء وسعيد بن جبير والنخعي والشعبي . وقال جماعة : معناها ولا تأخذكم بهما رأفة فتخففوا الضرب ولكن أوجعوهما ضربا ، وهو قول سعيد بن المسيب والحسن . قال الزهري : يجتهد في حد الزنا والفرية ويخفف في حد الشرب . وقال قتادة : يجتهد في حد الزنا ويخفف في الشرب والفرية .( في دين الله ) أي : في حكم الله ، ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) معناه أن المؤمن لا تأخذه الرأفة إذا جاء أمر الله تعالى .( وليشهد ) وليحضر ( عذابهما ) حدهما إذا أقيم عليهما ( طائفة ) نفر ، ( من المؤمنين ) قال مجاهد والنخعي : أقله رجل واحد فما فوقه ، وقال عكرمة وعطاء : رجلان فصاعدا . وقال الزهري وقتادة : ثلاثة فصاعدا . وقال مالك وابن زيد : أربعة بعدد شهود الزنا .
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون
قوله - عز وجل - : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) أراد بالرمي القذف بالزنا . وكل من رمى محصنا أو محصنة بالزنا فقال له : زنيت أو يا زاني فيجب عليه جلد ثمانين جلدة ، إن كان حرا ، وإن كان عبدا فيجلد أربعين ، وإن كان المقذوف غير محصن ، فعلى القاذف التعزير .وشرائط الإحصان خمسة : الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والعفة من الزنى ، حتى أن من زنى مرة في أول بلوغه ثم تاب وحسنت حالته وامتد عمره فقذفه قاذف فلا حد عليه . فإن أقر المقذوف على نفسه بالزنا أو أقام القاذف أربعة من الشهود على زناه سقط الحد عن القاذف ؛ لأن الحد الذي وجب عليه حد الفرية وقد ثبت صدقه .وقوله : ( والذين يرمون المحصنات ) أي : يقذفون بالزنا المحصنات ، يعني المسلمات الحرائر العفائف ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) يشهدون على زناهن ( فاجلدوهم ثمانين جلدة ) أي : اضربوهم ثمانين جلدة . ( ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون )