الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء

حديث: الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء

عن عائشة زوج النبيّ ﷺ أنّها سمعتْ رسولَ اللَّه ﷺ يقول: «إنّ الملائكةَ تنزلُ في العنان -وهو السّحاب- فتذكر الأمرَ قُضي في السّماء، فتسترق الشّياطينُ السّمعَ، فتسمعه فتوحيه إلى الكُهّان فيكذبون منها مائة كذبة من عند أنفسهم».

صحيح: رواه البخاريّ في بدء الخلق (٣٢١٠) حدّثنا محمد، حدّثنا ابن أبي مريم: أخبرنا اللّيث: حدّثنا ابن أبي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، فذكرته.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف الذي روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، وهو يفتح لنا نافذة على عالم الغيب وعمل الملائكة والشياطين، ويبين لنا حقيقة ما يزعمه الكهان والعرافون.

أولاً. شرح المفردات:

● تَنزِلُ في العِنان: (العِنان) هو السحاب، أي أن الملائكة تنزل وتتحرك في منطقة السحاب.
● الأمرَ قُضِيَ في السماء: المقصود بالأمر هنا: الأقدار والأحكام التي يقضيها الله تعالى في اللوح المحفوظ، أو ما يأمر به الملائكة من أمور تتعلق بالخلق.
● تَسْتَرِقُ السَّمْعَ: أي تتسمع خفيةً وسرقةً لأخبار السماء. والاستراق: هو أخذ الشيء خفيةً وخفاءً.
● فَتُوحِيهِ: أي تخبر به وتلقيه في أذهانهم على سبيل الإلهام الخفي.
● الكُهَّان: جمع كاهن، وهو الذي يدعي معرفة الغيب وأخبار المستقبل.

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة الكرام تنزل من السماء إلى منطقة السحاب، فتتذاكر وتتحدث بينها بشأن أمر قد قضاه الله وقدره في السماء (كالأرزاق والآجال والأمطار وغيرها من أمور الغيب). فتتقصى الشياطين – التي تتسلل إلى أطراف السماء لاستراق السمع – كلمات الملائكة فتسمعها. ثم تأتي هذه الشياطين إلى الكهنة والعرافين في الدنيا، فتلقِي إليهم ما سمعته من أخبار صادقة، ولكنها تخلطها بمئة كذبة من عند أنفسها. فيأتي الكاهن ويخبر الناس بهذا المزيج من الحق والباطل، فيُصدق في تلك المعلومة الصحيحة الواحدة، فيظن الناس أنه يعلم الغيب، فيُفتنون به ويصدقونه في كل ما يقول، بما فيه الأكاذيب الكثيرة.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- إثبات عالم الملائكة والشياطين: الحديث يثبت وجود هذين العالمين الغيبين، وأن بينهما صراعاً، وأن للشياطين أعمالاً وتأثيراً في عالم البشر.
2- بيان حقيقة ادعاءات الكهان والعرافين: يوضح الحديث المصدر الحقيقي لما يزعمه الكهان من معرفة ببعض الغيب، فهو ليس علماً ذاتياً لهم، وإنما هو مجرد معلومات مسروقة ومشوبة بالكذب. وهو يقطع الطريق على أي ادعاء بمعرفة الغيب من غير طريق الوحي.
3- تحذير شديد من إتيان الكهان والعرافين: إذا كان مصدر علمهم هو الشياطين، وإذا كان مخلوطاً بالكذب، فإن إتيانهم وتصديقهم من كبائر الذنوب. فقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ». (رواه أبو داود وصححه الألباني).
4- أن الصدق قد يكون وسيلة للباطل: الشيطان يقدم حقيقة واحدة ليمهد بها لتصديق مئة كذبة. وهذه من حيله الخبيثة التي ينبغي للمؤمن أن ينتبه لها ويحذر منها في كل أموره.
5- عظمة قدرة الله وإحكام تدبيره: فالأمر كله بيد الله، والملائكة تنفذ أوامره، والشياطين لا تسترق السمع إلا بإذنه ومشيئته، وما تسمعه هو فقط ما أذن الله به.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

● هل ما زالت الشياطين تسترق السمع؟: نعم، ولكنها منعت من ذلك بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في القرآن الكريم: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ ۖ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [الجن: 8-9]. فالشياطين الآن تحاول ولكنها تقابل بالحراسة والحرس الشديد من الملائكة، وتُرمى بالشهب إذا حاولت.
● حكم إتيان الكهان: إتيان الكاهن أو العراف سؤالاً له أو تصديقاً له محرم بإجماع العلماء، وهو من كبائر الذنوب كما تقدم في الحديث.
● الفرق بين الفراسة والكهانة: لا ينبغي الخلط بين الفراسة التي هي حدس وتوفيق من الله based on observable signs (وهي محمودة)، وبين ادعاء معرفة الغيب الذي هو من اختصاص الله وحده (وهي الكهانة المحرمة).
نسأل الله أن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأن يحفظنا من تلبيس إبليس وكيده.
والله أعلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في بدء الخلق (٣٢١٠) حدّثنا محمد، حدّثنا ابن أبي مريم: أخبرنا اللّيث: حدّثنا ابن أبي جعفر، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، فذكرته.
قوله: «حدّثنا محمد» رجّح الحافظ ابن حجر أن يكون محمد هو البخاريّ نفسه.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 476 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء

📜 حديث: الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر قضي في السماء

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية