من نفس عن غريمه كان في ظل العرش يوم القيامة

حديث: من نفس عن غريمه كان في ظل العرش يوم القيامة

عن محمد بن كعب القرظيّ، أنّ أبا قتادة كان له على رجل دين، وكان يأتيه يتقاضاه، فيختبئُ منه، فجاء ذات يوم فخرج صبيٌّ، فسأله عنه فقال: نعم هو في
البيت يأكلُ خزيرةً، فناداه: يا فلان، اخرُج، فقد أُخبرتُ أنّك هاهنا. فخرج إليه، فقال: ما يُغيِّيُك عني؟ قال: إنّي معسرٌ وليس عندي. قال: اللَّه إنّك معسرٌ؟ قال: نعم. فبكى أبو قتادة ثم قال: سمعتُ رسول اللَّه ﷺ يقول: «من نفّس عن غريمه أو محا عنه، كان في ظلّ العرش يوم القيامة».

حسن: رواه الإمام أحمد (٢٢٦٢٣) عن عفّان، حدّثنا حماد -يعني ابن سلمة- أخبرنا أبو جعفر الخطميّ، عن محمد بن كعب القرظيّ، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره:

الحديث:

عن محمد بن كعب القرظيّ، أنّ أبا قتادة كان له على رجل دين، وكان يأتيه يتقاضاه، فيختبئُ منه، فجاء ذات يوم فخرج صبيٌّ، فسأله عنه فقال: نعم هو في البيت يأكلُ خزيرةً، فناداه: يا فلان، اخرُج، فقد أُخبرتُ أنّك هاهنا. فخرج إليه، فقال: ما يُغيِّبُك عني؟ قال: إنّي معسرٌ وليس عندي. قال: اللَّه إنّك معسرٌ؟ قال: نعم. فبكى أبو قتادة ثم قال: سمعتُ رسول اللَّه ﷺ يقول: «من نفّس عن غريمه أو محا عنه، كان في ظلّ العرش يوم القيامة».

1. شرح المفردات:

● يتقاضاه: يطلب منه قضاء دينه.
● يختبئ منه: يتوارى ويخفي نفسه.
● صبي: طفل صغير.
● خزيرة: طعام يُصنع من اللبن والدقيق، أو نوع من الحساء.
● ما يغيبك عني؟: ما الذي يجعلك تتغيب وتختفي مني؟
● معسر: الذي لا يجد ما يسدد به دينه.
● نفّس عنه: فرّج كربته وضيقه، بأن أنظره أو سامحه.
● محا عنه: أسقط الدين عنه بالكلية.
● في ظل العرش: تحت ظل عرش الله تعالى، وهو مكان الأمان والنجاة من هول يوم القيامة.

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يحكي هذا الحديث قصة أبي قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- وكان له دين على رجل، فكان ذلك الرجل يعاني من إعسار وفقر، مما جعله يتجنب أبا قتادة ويختبئ منه كلما جاء ليطالبه بالدين. وفي مرة من المرات، جاء أبو قتادة فوجد طفلاً صغيراً فأخبره أن المدين في البيت يأكل طعاماً (خزيرة). فناداه أبو قتادة وواجهه، فاعترف الرجل بأنه معسر ولا يملك ما يسدده. فما كان من أبي قتادة إلا أن تذكر حديث النبي ﷺ الذي يبشر من يسامح المعسر أو ينظره بالأجر العظيم، فبكى وتأثر، ثم أخبره بهذا الحديث الشريف.
والحديث يحث على السماحة والتيسير على المدين المعسر، إما بأن ينظره حتى يوسّع عليه، أو بأن يترك له بعض الدين أو كله، ويبشر فاعل ذلك بجائزة عظيمة وهي الأمان تحت ظل عرش الرحمن يوم القيامة.

3. الدروس المستفادة منه:

● فضل إنظار المعسر أو إسقاط الدين عنه: وهذا من أعظم القربات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، لما فيها من التخفيف عن المسلم وإدخال السرور عليه.
● الرحمة والرفق بالمدين: ينبغي للمسلم أن يكون رحيماً بمن عليه دين، خاصة إذا كان محتاجاً، فلا يشدد عليه في المطالبة، بل يتيح له فرصة للسداد.
● الصدق في القول: حيث صدق الرجل في إخباره عن إعساره، فقبل منه أبو قتادة دون تردد.
● التأثر بالسنّة النبوية: فقد بكى أبو قتادة عندما تذكر فضل من ينفس عن غريمه، مما يدل على تأثير الوعد النبوي في قلوب الصحابة وحثهم على العمل به.
● الجزاء من جنس العمل: كما أن المسلم يسعى لإزالة الضيق عن أخيه في الدنيا، فإن الله تعالى يكرمه ويؤمنه من ضيق يوم القيامة ويظله تحت عرشه.
● تحري الصدق في المعاملات: حيث سأله أبو قتادة: "الله إنك معسر؟" فاستحلفه ليتيقن من حاله، فلما صدقه، عامله بالفضل والإحسان.

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث يدل على توثيق الصحابة للسنن النبوية ونقلهم لها، وعملهم بها في حياتهم اليومية.
- "ظل العرش" هو من أعظم المنازل يوم القيامة، إذ إن يوم القيامة شديد الحرارة والهلع، وظل العرش ملجأ للمؤمنين الذين يتصفون بصفات منها: التيسير على المعسرين.
- يستحب للمسلم إذا كان له دين على معسر أن يتلطف معه، وينظر له إلى ميسرة، بل إن الله تعالى مدح المتصدقين والميسرين على المعسرين في كتابه الكريم: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 280).
- البكاء عند تذكر فضل الله وأجره من علامات الإيمان ورقة القلب.
نسأل الله تعالى أن يظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأن يجعلنا ممن يتناصحون ويرحمون إخوانهم في الدين.
والله تعالى أعلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الإمام أحمد (٢٢٦٢٣) عن عفّان، حدّثنا حماد -يعني ابن سلمة- أخبرنا أبو جعفر الخطميّ، عن محمد بن كعب القرظيّ، فذكره.
وإسناده حسن، لأجل أبي جعفر الخطميّ وهو: عمير بن يزيد بن عمير الأنصاريّ أبو جعفر الخطميّ، فإنه «صدوق» كما في التقريب، وبقية رجاله ثقات.
وسيأتي في كتاب البيوع حديث أبي قتادة الذي في صحيح مسلم (١٥٦٣) وليس فيه ذكرٌ للعرش.
وأمّا ما رُوي عن عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا: «ثلاثة في ظل العرش: القرآن يحاج العباد، والرحم ينادي صلْ من وصلني واقطع من قطعني، والأمانة» فهو لا يصح.
رواه العقيليّ في الضعفاء (٤/ ٥)، والبغويّ في شرحه (٣٤٣٣) كلاهما من طريق مسلم بن إبراهيم، حدثنا كثير بن عبد اللَّه اليشكريّ، حدثني الحسن بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، فذكر مثله.
قال العقيلي: «لا يصح إسناده».
وقال أيضًا: «والرواية في الرحم والأمانة من غير هذا الوجه بأسانيد جياد، بألفاظ مختلفة، وأما القرآن فليس بمحفوظ». انتهى.
ونقل الذهبي في الميزان (٣/ ٢٠٩) تضعيفه من العقيليّ.
وكذلك ما رُوي عن سلمان الفارسيّ أنه قال: سبعة يظلّهم اللَّه في ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلا ظلُّه: الإمام العادل، ورجل لقي رجلًا فقال: واللَّه إنّي لأحبُّك في اللَّه وقال الآخر: مثل ذلك، ورجل كان قلبه معلقًا بالمساجد من حبّها، ورجل جعل شبابه ونشاطه فيما يحبُّ اللَّه ويرضاه، ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها فتركها من خشية اللَّه، ورجل أعطى صدقته بيمينه كاد أن يخفيها من شماله، ورجل إذا ذكر اللَّه فاضت عيناه من خشية اللَّه تعالى. فهو موقوف وضعيف.
رواه أبو جعفر ابن أبي شيبة في كتاب العرش (٥٦) عن محمد بن عبيد المحاربيّ، حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي، عن إبراهيم، عن الوليد بن عتبة، عن سلمان من قوله.
وإسماعيل بن إبراهيم التيميّ هو الأحول أبو يحيى التيمي الجمهور على تضعيفه غير ابن معين قال فيه: يكتب حديثه، وضعّفه الحافظ في التقريب.
وشيخه إبراهيم هو ابن مسلم العبديّ الهجريّ، ومن طريقه رواه سعيد بن منصور في سننه قال: حدثنا أبو معاوية، عنه، عن الوليد بن عتبة، عن سلمان.
ذكره السيوطي في «تمهيد الفرش في الخصال الموجبة لظل العرش» (ص ٣٥).
فإذا كان في طريق سعيد بن منصور إبراهيم الهجري ففي قول الحافظ في «الفتح» (٢/ ١٤٤): «رواه سعيد بن منصور بإسناد حسن». فيه نظر؛ لأنّ إبراهيم الهجريّ، الجمهور مجمعون على تضعيفه وقال هو في التقريب: «لين الحديث، رفع الموقوفات».
قال الأعظمي: بعض هذه الأحاديث فيها مقال كما رأيتَ، إلا أنّها تقوّى بشواهدها الصّحيحة؛ ولذا ادّعى الذهبي في كتابه «العرش» بقوله: «وقد ورد في ظلّ العرش أحاديث تبلغ التواتر».
وقد جمع الحافظ ابن حجر الأحاديث الموجبة لظل العرش في كتابه «معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال» ولخّصه وأضاف عليه السيوطيّ في كتاب سمّاه: «تمهيد الفرش في الخصال الموجبة الظل العرش» طبع بتحقيق الأستاذ مشهور سلمان، طبع بمكتبة المنار عام ١٤٠٧ هـ.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 462 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من نفس عن غريمه كان في ظل العرش يوم القيامة

📜 حديث: من نفس عن غريمه كان في ظل العرش يوم القيامة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: من نفس عن غريمه كان في ظل العرش يوم القيامة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: من نفس عن غريمه كان في ظل العرش يوم القيامة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: من نفس عن غريمه كان في ظل العرش يوم القيامة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية