حديث: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في الكرسي

جاء في صفة الكرسي من الأحاديث والآثار ما يلي:
عن ابن عباس، قال: الكرسيّ موضع القدمين، والعرش لا يقدّر أحدٌ قدره.

صحيح: موقوف (ولم يثبتْ شيءٌ مرفوعٌ عن النبيِّ ﷺ) وقد رواه الحاكم في مستدركهـ (٢/ ٢٨٢) عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبيّ، عن محمد بن معاذ، عن أبي عاصم، عن سفيان -وهو الثوريّ- بإسناده، عن ابن عباس موقوفًا، مثله.

جاء في صفة الكرسي من الأحاديث والآثار ما يلي:
عن ابن عباس، قال: الكرسيّ موضع القدمين، والعرش لا يقدّر أحدٌ قدره.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الأثر الوارد عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، معتمدًا على كلام أهل العلم والتفسير من أهل السنة والجماعة.

نص الأثر:


عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "الكرسيّ موضع القدمين، والعرش لا يقدّر أحدٌ قدره."


1. شرح المفردات:


* الكرسي: هو المذكور في قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة: 255]. وهو غير العرش، بل هو دون العرش في عظمته وجلاله، كما هو مذهب جمهور أهل السنة.
* موضع القدمين: أي أن الكرسي هو موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، على المعنى الذي يليق بجلاله وعظمته، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تكييف ولا تعطيل.
* العرش: هو أعظم المخلوقات على الإطلاق، وهو سقف الجنة، وهو الذي استوى عليه الرحمن سبحانه استواءً يليق بجلاله، كما قال تعالى: {الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ} [طه: 5].
* لا يقدّر أحدٌ قدره: أي لا يستطيع أحد من الخلق أن يحيط علمًا بحقيقة عظمته وكبر حجمه وهيبته.


2. المعنى الإجمالي للأثر:


يبيّن لنا ابن عباس رضي الله عنهما – وهو ترجمان القرآن وحبر الأمة – الفرق بين الكرسي والعرش، وكلاهما من مخلوقات الله العظيمة. فالكُرسي – على عظمته وسعته التي تتسع للسماوات والأرض – هو بمثابة "موضع قدمي" الله تعالى، أي أنه أدنى من العرش. وأما العرش نفسه، فهو أعظم من أن يحيط العباد بعظمته أو يصفوا حقيقته، فلا يعلم قدره إلا الله تعالى الذي خلقه.


3. الدروس المستفادة والعقائد المستفادة:


1- إثبات صفة العلو والفوقية لله تعالى: فالأثر يدل على علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه، وأن له قدمًا تليق بجلاله، من غير تشبيه ولا تمثيل، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. يقول الإمام مالك رحمه الله عندما سُئل عن الاستواء: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".
2- عظمة مخلوقات الله: إذا كان الكرسي – الذي هو موضع القدمين – قد وسع السماوات والأرض، فكيف بالعرش نفسه الذي لا يقدر قدره أحد؟! هذا يغرس في قلب المؤمن تعظيم خالقه، ويُدرك ضعفه وحاجة نفسه أمام عظمة الله وقدرته.
3- التفريق بين العرش والكرسي: من الأخطاء الشائعة الخلط بين الكرسي والعرش واعتبارهما شيئًا واحدًا، وهذا الأثر يوضح الفرق بينهما بيانًا جليًا.
4- قدرة الله المطلقة: خلق الله لهذه المخلوقات الهائلة دليل على كمال قدرته وعظيم سلطانه، فلا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض.
5- تواضع العلم البشري: قول ابن عباس "والعرش لا يقدّر أحدٌ قدره" يذكرنا بقصور إدراكنا وعلمنا، فمهما بلغنا من العلم، فإن علمنا يقف عاجزًا عن إدراك كنه وحقيقة بعض مخلوقات الله، فكيف بذات الله وصفاته؟!


4. معلومات إضافية مفيدة:


* مصدر الأثر: هذا الأثر رواه الإمام ابن جرير الطبري في "تفسيره" والإمام الحاكم في "المستدرك" وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وغيرهم من أئمة الحديث.
* موقف أهل السنة: يؤمن أهل السنة والجماعة بهذا الأثر، ويقولون به، مع التنزيه الكامل لله تعالى عن مشابهة المخلوقات. فـ "موضع القدمين" لا يعني أن لله جارحة كأقدام المخلوقين، بل هو صفة تليق بجلاله وعظمته، لا يعلم كيفيتها إلا هو.
* قول ابن أبي زمنين: قال الإمام ابن أبي زمنين المالكي: "ومما قاله أهل العلم: الكرسي الذي وسع السماوات والأرض موضع قدميه، والعرش لا يقدر قدره إلا الله تعالى".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

موقوف (ولم يثبتْ شيءٌ مرفوعٌ عن النبيِّ ﷺ) وقد رواه الحاكم في مستدركهـ (٢/ ٢٨٢) عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبيّ، عن محمد بن معاذ، عن أبي عاصم، عن سفيان -وهو الثوريّ- بإسناده، عن ابن عباس موقوفًا، مثله. وقال: «صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه». انتهى.
قال الأعظمي: هذا الموقوف رواه أيضًا ابن أبي شيبة في صفة العرش (٦١) من طريق أبي عاصم، عن سفيان، به.
ورُوي أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا، ولا يصح.
رواه ابن مردويه من طريق الحكم بن ظهير الفزاريّ الكوفيّ -وهو متروك- عن السّديّ، عن أبيه، عن أبي هريرة. ذكره الحافظ ابن كثير في تفسيره.
وفي الباب عن ابن مسعود.
وكذلك لا يصح ما روي عن عمر بن الخطّاب قال: أتت امرأةٌ إلى رسول اللَّه ﷺ فقالت: ادعُ اللَّه أن يدخلني الجنّة. قال: فعظَّم الربَّ تبارك وتعالى وقال: «إنّ كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنّ له أطيطًا كأطيط الرّحل الجديد من ثقله».
رواه البزّار - كشف الأستار (٣٩) عن الفضل بن سهل، ثنا يحيى بن أبي بُكير، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد اللَّه بن خليفة، عن عمر، فذكره.
ورواه ابنُ أبي عاصم في السنة (٥٧٤)، والضياء المقدسيّ في المختارة (١٥١)، وأبو يعلى الموصليّ في مسنده كما قال ابن كثير في: تفسيره«كلّهم من طريق يحيى بن أبي بكير، بإسناده، مثله.
قال البزّار: هذا لا نعلم أحدًا رواه من الصحابة رفعه إلا عمر، وقفه الثوريّ على عمر، وعبد اللَّه بن خليفة لم يرو عنه إلا أبو إسحاق، وقد رُوي عن جبير بن مطعم بغير لفظه». انتهى.
وقال الحافظ ابن كثير: «وعبد اللَّه بن خليفة، وليس بذاك المشهور، وفي سماعه من عمر نظر، ثم منهم من يرويه عنه، عن عمر موقوفًا، ومنهم من يرويه عنه مرسلًا، ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة، ومنهم من يحذفها». انتهى.
قال الأعظمي: وهو كما قال؛ فقد رواه ابن جرير في تفسيره عن عبد اللَّه بن أبي زياد القطوانيّ، قال: حدثنا عبد اللَّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد اللَّه بن خليفة، قال: أتت امرأة النبيَّ ﷺ فقالت: ادعُ اللَّه أن يدخلني الجنّة. فعظّم الرّبُّ عز وجل ثم قال: «إنّ كرسيَّه وسع السماوات والأرض وإنّه لينتقد عليه، فما يفضل منه مقدار أربع أصابع». ثم قال بأصابعه فجمعها: «وإن له أطيطًا كأطيط الرّحل الجديد إذا رُكب من ثقله».
فهذا مرسل، وفي متنه زيادة غريبة كما قال ابن كثير: وهي منكرة.
وأمّا قول الهيثميّ في «المجمع» (١/ ٨٣ - ٨٤): «رواه البزّار ورجاله رجال الصّحيح». فهو ليس كما قال؛ فإنّ عبد اللَّه بن خليفة هو الهمدانيّ ليس من رجال الصحيح، وإنّما روي له ابن ماجه في تفسيره كما رمز له الحافظ في التقريب، ثم هو لم يوثقه أحدٌ، وإنما ذكره ابن حبان في «الثقات» (٥/ ٢٨) ولذا قال فيه الحافظ: «مقبول». أي إذا توبع، ولم أجد له متابعًا فهو ليّن الحديث.
وكذلك لا يصح أيضًا ما روي عن أبي ذرّ، أنّ النبيّ ﷺ قال: «يا أبا ذر ما السّماوات عند الكرسيّ إلّا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة».
رواه ابن حبان (٣٦١)، وأبو الشيخ في العظمة (٢٥٩)، والبيهقي في الأسماء والصفات (٨٦٢)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٦٦ - ١٦٧) كلّهم من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغسّانيّ، حدثني أبي، عن جدي، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن أبي ذر، فذكر الحديث مختصرًا ومطوّلًا.
وقد تمّ تخريجه مطوّلًا في جموع الإيمان بالأنبياء والرسل , باب ما جاء في عدد الأنبياء.
وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فإن إبراهيم بن هشام الغسّانيّ متروك، كذّبه أبو حاتم وأبو زرعة كما نقل عنهما الذهبي في «الميزان».
وله إسناد آخر رواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب «العرش» (٥٨) من طريق المختار
ابن غسان العبدي، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي إدريس الخولانيّ، عن أبي ذرّ، فذكره.
وإسماعيل بن مسلم هو المكي، ضعيف عند جمهور أهل العلم.
والمختار بن غسان العبدي من رجال ابن ماجه، وهو على شرط ابن حبان، ولكنه لم يذكره في الثقات. وقد روى عنه عدد، ولم يؤثر فيه توثيق أحد، قال فيه الحافظ في: التقريب«: «مقبول». أي إذا توبع وإلا فليّن الحديث.
وله إسناد آخر رواه البيهقيّ في الأسماء والصفات (٨٦١) من طريق الحسن بن عرفة العبديّ: ثنا يحيى بن سعيد السعدي البصريّ: ثنا عبد الملك بن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير اللّيثيّ، عن أبي ذرّ، فذكر الحديث نحوه.
قال البيهقيّ: تفرّد به يحيى بن سعيد السعديّ، وله شاهد بإسناد أصحّ».
وهو يقصد به إسناد إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني كما سبق، وأنه ليس بأصح من إسناد يحيى بن سعيد السعديّ.
ويحيى بن سعيد السعديّ هذا ذكره العقيليّ في كتابه «الضعفاء» (٤/ ٤٠٣) وقال: «عن ابن جريج، لا يتابع على حديثه، وليس بمشهور بالنقل». ولعله يقصد هذا الحديث.
وقال ابن حبان في المجروحين (٣/ ١٢٩): «يروي المقلوبات والملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد».
وترجم له ابنُ عدي في «الكامل» (٧/ ٢٦٩٩) وذكر طرفًا من هذا الحديث وقال: «وهذا حديث منكر من هذا الطريق عن ابن جريج، عن عطاء. . .».
وقال أبو نعيم: تفرّد به عن ابن جريج يحيى بن سعيد العبشميّ.
وللحديث طرق أخرى لا يسلم منها من مقال.
والخلاصة: أنه لم يثبتْ شيءٌ مرفوعٌ عن النبيِّ ﷺ في صفة الكرسي، وما جاء عن بعض السّلف أنّه العلم أو هو العرش نفسه فلا دليل عليه، والصّحيح أنه موضع القدمين وهو الثابت عن حبر هذه الأمة عبد اللَّه بن عباس ﵄ ولا نعلم له مخالفًا من الصّحابة، وقد تلقّاه جمهور أهل العلم من السلف والخلف بالقبول والتسليم، واللَّه تعالى أعلم.
انظر للمزيد: فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية (٥/ ٧٥)، وشرح العقيدة الطّحاوية (ص ٢٧٧).

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 469 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره

  • 📜 حديث: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب