حديث: دبغنا مسك الشاة ثم ننبذ فيه حتى صار شنا

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب في الانتفاع بجلود الميتة إذا دُبغتْ

عن سودة زوج النبي ﷺ قالت: ماتتْ لنا شاةٌ، فدبغْنا مَسْكها، ثم ما زلنا نَنْبِذُ فيه حتى صار شنًّا.

صحيح: رواه البخاري في الأيمان والنذور (٦٦٨٦) عن محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله (هو
ابن المبارك)، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، فذكرته.

عن سودة زوج النبي ﷺ قالت: ماتتْ لنا شاةٌ، فدبغْنا مَسْكها، ثم ما زلنا نَنْبِذُ فيه حتى صار شنًّا.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه، عن السيدة سودة بنت زمعة رضي الله عنها وأرضاها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم.

أولاً. شرح المفردات:


● ماتت لنا شاة: أي نفقَت وشاة من أغنامنا.
● فدبغنا مسكها: الدبغ هو معالجة جلد الحيوان بعد سلخه بالمواد القابضة (كالقَرَظ والملح) ليمنع التعفن ويصبح صالحًا للاستخدام. والمسك هو الجلد.
● ننبذ فيه: النَّبْذ هو صب الماء أو السائل في الوعاء ليتخمر ويصبح نبيذًا (وهو هنا من نوع غير المسكر، وهو ما يسمى "نبيذ التمر" أو "الزبيـب" الذي كانوا يشربونه في أول عصره قبل أن يغلـي ويسكر).
● حتى صار شَنًّا: الشَنُّ (بفتح الشين وتشديد النون) هو القربة أو الوعاء الجلدي الكبير الذي يُخَزَّن فيه السائل.

ثانيًا. شرح الحديث:


تخبرنا السيدة سودة رضي الله عنها عن قصة حصلت في بيت النبوة. فقد نَفَقَتْ (ماتت) لهم شاة، فلم يلقوا جلدها، بل استفادوا منه. فقاموا بدبغ هذا الجلد ليطهروه ويصلحوه للاستخدام، ثم جعلوا من هذا الجلد المدبوغ وعاءً (قربة) يضعون فيه نبيذ التمر أو الزبيب الذي يتخذونه للشرب (وهو حلال في أوله قبل أن يبلغ درجة الإسكار). واستمروا في استخدام هذه القربة لصنع النبيذ وصبه فيها مدة من الزمن، حتى أصبحت القربة نفسها قديمة ومستعملة، يُعرف بها ويُضرب بها المثل في القدم، فقيل "صار شنًّا" أي صارت وعاءً معروفًا ومستقرًا لهذا الاستخدام.

ثالثًا. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:


1- جواز الانتفاع بجلد الميتة بعد دبغه: وهذا من أهم فوائد الحديث. فجلد الحيوان الميتة (التي لم تذكَّ ذكاة شرعية) يكون نجسًا ولا يحل الانتفاع به. ولكن الدبغ يطهره، كما جاء في أحاديث أخرى صحيحة، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ». ففي فعل السيدة سودة وأهل بيت النبي تطبيق عملي لهذه السنة.
2- الاقتصاد وعدم الإسراف وعدم إضاعة المال: الحديث يدل على الحكمة والترشيد في الإنفاق وعدم إهدار النعم. فبدلاً من التخلص من جلد الشاة الميتة، قاموا بعملية الدبغ ليطهروه وينتفعوا به، превративوه من شيء تالف إلى أداة نافعة. وهذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «إِنَّ اللَّهَ كَرِيهَةٌ لَكُمْ ثَلَاثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ».
3- بيان هيئة الحياة في بيت النبوة: كان بيت النبي صلى الله عليه وسلم يعيش حياة بسيطة متواضعة، يمارس أهله الأعمال اليومية بأنفسهم، ويحرصون على الانتفاع بكل ما لديهم، فهي حياة زهد وقناعة وليست حياة ترف وبذخ.
4- جواز اتخاذ النبيذ الحلال (غير المسكر): كان الصحابة يصنعون نبيذ التمر أو الزبيب في أوعيتهم ويشربونه في أول عصره وقبل أن يغلي ويصبح مسكرًا، وهذا جائز وهو المراد بقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]. وكان الوعاء الجلدي من الأواني الشائعة للاستخدام في ذلك الوقت.
5- فضل السيدة سودة وحرصها على رواية هدي النبي: ففي روايتها لهذه الحادثة الدقيقة، تبين لنا جانبًا من الحياة العملية وتطبيق السنن في البيت النبوي.

رابعًا. معلومات إضافية:


● حكم جلد الميتة بعد الدبغ: ذهب جمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) إلى طهارة جلد الميتة بالدبغ، واستدلوا بهذا الحديث وغيره. وهو القول الراجح.
● الفرق بين الإهاب والمسك: الإهاب هو الجلد قبل الدبغ، والمسك قد يُطلَق على الجلد المدبوغ، كما في هذا الحديث.
● النبيذ غير المسكر: الذي كانوا يتخذونه هو ما يعرف اليوم بـ "التمر الهندي" أو مشروبات الفواكه المخمرة قليلاً التي لا تصل إلى درجة الإسكار، وهو ما زال مشروبًا شائعًا في بعض البلدان ويسمى أحيانًا "الخلّ".
أسأل الله تعالى أن يكون الشرح واضحًا ومفيدًا، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الأيمان والنذور (٦٦٨٦) عن محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله (هو
ابن المبارك)، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن سودة، فذكرته.
قولها: «مَسْكها» أي جلدها.
وقولها: «صار شنًّا» أي باليًا.

معلومات عن حديث: دبغنا مسك الشاة ثم ننبذ فيه حتى صار شنا

  • 📜 حديث: دبغنا مسك الشاة ثم ننبذ فيه حتى صار شنا

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: دبغنا مسك الشاة ثم ننبذ فيه حتى صار شنا

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: دبغنا مسك الشاة ثم ننبذ فيه حتى صار شنا

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: دبغنا مسك الشاة ثم ننبذ فيه حتى صار شنا

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب