نهي رسول الله ﷺ عن لبس الحرير والذهب إلا مقطعا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه، وهو حديث صحيح يشهد لصحته إقرار جمع من الصحابة رضي الله عنهم. وإليك الشرح الوافي له على النحو المطلوب:

---

1. شرح المفردات:

● أنشدكم الله: أي أسألكم بالله، أو أحلفكم بالله لتُصدقوا في الإجابة.
● نهى عن لبس الحرير: أي حرّم على الرجال ارتداء الملابس المصنوعة من الحرير الخالص.
● إلا مقطعاً: أي إذا كان الذهب قليلاً ومقطعاً (مخلوطاً بغيره من المعادن، كالفضة أو غيره)، فيجوز للرجال حينئذٍ.
● ركوب النمور: المقصود هنا الجلود المخططة التي تُشبه جلد النمر، والتي كانت تُفرش على الدواب للزينة والتفاخر.
● آنية الفضة: الأواني والأكواب المصنوعة من الفضة.
● جمع بين حج وعمرة: أي أداء الحج والعمرة في سفر واحد دون عودة إلى الوطن (وهو ما يُعرف بـ "القِران" في الحج).

---

2. شرح الحديث:

يُخبرنا الصحابي أبو شيخ الهنائي رضي الله عنه عن موقف حصل وهو في مجلس من أصحاب رسول الله ﷺ عند الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
قام معاوية رضي الله عنه باستجواب الحاضرين من الصحابة ليتأكد من حفظهم للسنة النبوية وتذكيرهم بها. وكان يستعمل أسلوب "أنشدكم الله" ليعظّم المسؤولية ويؤكد على أهمية الصدق في الإجابة.
● النهي عن لبس الحرير للرجال: هذا النهي ثابت في أحاديث صحيحة متواترة، وهو إجماع من أهل العلم على تحريمه على الرجال، لما فيه من الترف والتشبه بالنساء أو بالكفار، ولأنه من زي أهل الدنيا والتفاخر.
● النهي عن لبس الذهب للرجال إلا مقطعاً: المقصود تحريم خاتم الذهب أو أي حلية من الذهب الخالص على الرجال. وأما "مقطعاً" فمعناه أن يكون الذهب ممزوجاً بمعدن آخر (كأن يكون إبريزاً) بحيث لا يكون ذهباً خالصاً، فحينئذٍ يجوز للرجل لبسه. وهذا من رحمة الله، ليكون هناك بديل عن الذهب الخالص المحرم.
● النهي عن ركوب النمور: المقصود النهي عن فرش جلود النمور (أو ما يشابهها من الحيوانات المفترسة) على الدواب للزينة والتفاخر، لما فيه من الكبر والخيلاء وإظهار الترف، وهو من أفعال الجاهلية.
● النهي عن الشرب في آنية الفضة (والذهب): هذا النهي ثابت في أحاديث أخرى، وهو تحريم للأكل والشرب في الأواني المصنوعة من الذهب والفضة، لما فيه من الإسراف والتبذير والتشبه بالملوك المتكبرين. وهذا التحريم يشمل الرجال والنساء على حد سواء.
● النهي عن الجمع بين حج وعمرة: هنا اختلف رد الصحابة. فقد أنكر الصحابة علمهم بوجود نهي عن الجمع بين الحج والعمرة (أي القِران)، لأن النبي ﷺ نفسه قد جمع في حجة الوداع، وفعلها كثير من الصحابة. وهذا يدل على أن معاوية رضي الله عنه قد وهم في هذه النقطة، أو أنه قصد شيئاً آخر (كأن يكون النهي عن نوع معين من الجمع لم يثبت)، والصحيح الذي عليه جمهور العلماء هو جواز الجمع بينهما (أداء الحج والعمرة معاً في سفر واحد).
وقول معاوية "أما إنها معهن" يعني أنه كان يظن أن هذا النهي صحيح مثلهن، ولكن الصحابة صححوا له خطأه في هذه النقطة بالذات.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- حرص الصحابة على حفظ السنة ونقلها بدقة: وهذا الموقف خير دليل على دقتهم في الرواية وتمحيصهم لكل ما يُنسب إلى النبي ﷺ.
2- جرأة الصحابة في تصحيح الخطأ: لم يسكت الصحابة عن خطأ معاوية رضي الله عنه في مسألة الجمع بين الحج والعمرة، بل أنكروه عليه مباشرة، مما يدل على أن النصيحة في الدين واجبة للكل، صغيراً كان أم كبيراً.
3- أهمية التذكير بالسنن والنواهي: فعل معاوية رضي الله عنه يعلّمنا أهمية تذكير الناس بأحكام الدين، حتى ولو كانوا من العلماء والصحابة.
4- تحريم الترف والتبذير والتفاخر: النهي عن الحرير والذهب للأكل والشرب في آنية الذهب والفضة، وعن ركوب النمور، كلها تدخل في باب النهي عن الترف والخيلاء والإسراف، وهي من أخلاق الجاهلية التي جاء الإسلام لمحاربتها.
5- التفريق بين الرجال والنساء في بعض الأحكام: فلبس الحرير والذهب حرام على الرجال وجائز للنساء، وهذا من رحمة الله بالنساء وإكرامهن وإعطائهن ما يتزين به.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- الحديث يدل على مكانة معاوية رضي الله عنه وعلمه، حيث كان يحفظ هذه السنن ويريد التأكد من حفظ الآخرين لها.
- المسائل الأربع الأولى (الحرير، الذهب، النمور، آنية الفضة) هي من المسائل المجمع على تحريمها بين العلماء، والتي وردت فيها نصوص صحيحة وصريحة.
- النهي عن "ركوب النمور" لا يعني تحريم اقتناء جلد النمر أو غيره إذا كان للاستفادة (كالفرش أو البساط)، إنما النهي عن