إذا دبغ الإهاب فقد طهر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الحديث الشريف:
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إذا دُبغَ الإهاب فقد طهُرَ».
رواه مسلم في صحيحه.

---

الشرح الوجيز:

---

# أولاً. شرح المفردات:

● دُبغَ: الدبغ هو معالجة جلد الحيوان بالمواد القابضة (كالشبّ والقرظ وغيرها) لإزالة الرطوبة والنتن وحفظه من التلف.
● الإهاب: هو الجلد قبل أن يُدبغ، أي جلد الحيوان الميتة (الذي مات دون ذكاة شرعية).
● طهُرَ: أي صار طاهرًا مباح الانتفاع به بعد أن كان نجسًا محرمًا.

---

# ثانيًا. شرح الحديث:

يبيّن النبي ﷺ في هذا الحديث حكمًا مهمًا من أحكام الطهارة، حيث يقرر أن جلد الحيوان الميت (الذي لم يُذَكَّ ذكاة شرعية) يكون نجسًا لا يحل الانتفاع به. ولكن إذا عُولج هذا الجلد بالدباغ (وهو عملية كيميائية تطهيره وتزيل آثار النجاسة)، فإنه يَطهُر ويصبح حلال الاستخدام.
وهذا الحكم يشمل جلود جميع الحيوانات التي لا يؤكل لحمها أصلاً (كالحمار الوحشي والنمر وغيرها)، وكذلك جلود الميتة من الحيوانات المُحلَّلة (كالشاة والبقر) إذا ماتت دون ذكاة.

---

# ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- التيسير ورفع الحرج: في هذا الحديث تيسير عظيم من الله تعالى على عباده، حيث جعل الدبغ وسيلة لتطهير جلود الميتة، مما يتيح للمسلمين الانتفاع بها في أمور حياتهم كالملابس والأوعية وغيرها.
2- إزالة النجاسة بالتحويل: الدبغ هنا يعمل على تحويل الجلد النجس إلى طاهر بإذن الله، مما يدل على أن بعض النجاسات يمكن تطهيرها بتحويل حقيقتها.
3- الحكمة من التشريع: النجاسة في الميتة ناتجة عن الدم المحبوس والرطوبات المتعفنة، والدبغ يُخرج هذه المواد ويزيلها، فيزول سبب النجاسة.
4- الانتفاع بالموارد: الإسلام يحث على عدم إضاعة المال والانتفاع بالحيوانات حتى بعد موتها، ما دام أُزيلت النجاسة بطريقة شرعية.

---

# رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم الانتفاع بالجلد المدبوغ: ذهب جمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والشافعية) إلى أن الدبغ يطهّر جلد الميتة، فيجوز بيعه واستعماله.
● الاستثناء: إذا كان الجلد من حيوان مُحلَّل (كالبقرة أو الشاة) ومات بذكاة شرعية، فهو طاهر بدون دبغ.
● شروط الدبغ: يشترط في الدبغ أن يتم بالمواد القابضة المعروفة، وأن يزول أثر النجاسة تمامًا.

اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل وأحسن خاتمتنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.