ذكاة الميتة دباغها

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث شريف رواه الإمام مالك في "الموطأ"، والإمام أحمد في "مسنده"، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ذَكَاةُ الْمَيْتَةِ دِبَاغُهَا».
وهو حديث صحيح، صححه عدد من الأئمة منهم الترمذي وابن عبد البر.

---

أولاً. شرح المفردات:

● ذكاة: الذكاة في اللغة: التطهير، وفي الشرع: الذبح الشرعي الذي يحل به أكل الحيوان. والمقصود هنا: ما يقوم مقام الذكاة في إباحة الانتفاع بالجلد.
● الميتة: هي كل حيوان مات بغير ذكاة شرعية، كأن يموت حتف أنفه، أو يخنق، أو يضرب، ونحو ذلك.
● دباغها: الدبغ هو معالجة الجلد بالمواد القوية (كالقَرَظِ والشَّبِّ وغيرها) لإزالة الرطوبة والنتن منه وتنظيفه وتطييبه.

---

ثانياً. شرح الحديث:

معنى الحديث النبوي الشريف: أن الجلد الذي يأتي من حيوان ميت (ميتة) لا يحل الانتفاع به ولا يصح استخدامه لأنه نجس، ولكن إذا عُولج هذا الجلد بالدبغ – وهي عملية كيميائية تُزال بها المواد العضوية المتعفنة – فإنه يطهر ويصبح حلالاً ونظيفاً، فتزول نجاسته ويجوز الانتفاع به في غير الأكل.
فالدباغ هنا يقوم مقام الذكاة في تطهير الجلد، فكما أن الذكاة تطهر الحيوان الحي وتجعله حلالاً للأكل، فكذلك الدباغ يطهر جلد الميتة ويجعله طاهراً للانتفاع به في غير الأكل، كصناعة الأحذية، أو الحقائب، أو السروج، أو غيرها.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:

1- إزالة النجاسة بالدباغ: الحديث دليل على أن الدباغ يطهر جلد الميتة، وهو قول جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة. وقال به أبو يوسف ومحمد من الحنفية.
2- التيسير ورفع الحرج: في الحديث تيسير كبير على الأمة، حيث فتح باب الانتفاع بجلود الحيوانات التي تموت بغير ذكاة شرعية بعد دبغها، بدلاً من إتلافها وإضاعتها.
3- الفارق بين طهارة الجلد وحلية الأكل: يجب التفريق بين أمرين:
● طهارة الجلد بعد الدبغ: فهذا ثابت بالحديث، فيجوز الجلوس عليه، أو لبسه، أو الصلاة على سجادة مصنوعة منه.
● حلية أكل الميتة: الدباغ لا يحلّل أكل لحم الميتة، فالحديث خاص بالجلد فقط. فلو دبغ جلد خنزير مثلاً، فإنه يطهر ويجوز الانتفاع به، ولكن لحم الخنزير نفسه حرام ولا يحله شيء.
4- شروط الدباغ: يشترط لصحة الدباغ أن يكون بال materials المعروفة في إزالة الأوساخ والنتن وتغيير صفة الجلد، وأن يكون الجلد من حيوان يمكن أن يحل بأصل الذكاة (مثل البقر والغنم) أما جلد الخنزير والميتة من الحيوانات التي لا تحل ذكاتها أصلاً (كالكلب والنمر) ففي طهارتها بعد الدبغ خلاف بين العلماء، والراجح عند كثير من them أنها لا تطهر لأن أصلها نجس.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يدخل في باب "استحالة النجاسة"، حيث تتحول المادة النجسة بعملية كيميائية (الدبغ) إلى مادة طاهرة، كتحول الخمر إلى خل بنفسه.
- العمل بهذا الحديث موجود ومشاهد، فجلد الشاة إذا ماتت يكون نتنًا متعفنًا، فإذا دبغ أصبح نظيفًا طيب الرائحة، متينًا نافعًا.
- يستثنى من الانتفاع بالجلود المدبوغة ما كان لغير ضرورة، فالأفضل للمسلم أن ينتفع بالجلود من الحيوانات المذكاة تطييبًا للنفس.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.