إهاب دبغ فقد طهر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي سألت عنه حديث عظيم، فيه حكم مهم من أحكام الطهارة في الإسلام، وهو متفق على صحته، رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيره.

---

أولاً. شرح المفردات:

● أيما: أداة شرط تفيد العموم، أي: كل إهاب.
● إهاب: الجلد قبل أن يُدبغ، وهو جلد الحيوان الميت.
● دبغ: عُولج بعملية الدباغة، وهي معالجة الجلد بالمواد الخاصة (كالقَرَظِ وغيره) لتنظيفه وتليينه ومنع تعفنه.
● طَهُرَ: أصبح طاهراً، أي زال عنه حكم النجاسة وأصبح حلال الانتفاع به.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بحكم شرعي مهم، وهو أن جلد الحيوان الميت - الذي كان يعتبر نجساً لا يحل الانتفاع به ● إذا عُولج بالدباغة، فإن هذه المعالجة تُطَهِّره وتُزيل نجاسته.
المقصود بالحيوان الميت هنا: هو ما كان حلالاً أصلاً في الحياة (مثل البقر، الغنم، الإبل، الغزال... إلخ)، أما جلود الحيوانات النجسة أصلاً أو المحرم أكلها ميتةً كانت أو مذكاة (كالكلب والخنزير)، فذهب جمهور العلماء إلى أن الدباغ لا يطهرها، لأن النجاسة أصلية فيها.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:

1- إزالة النجاسة بالتحويل: تظهر حكمة الشريعة الإسلامية ومرونتها، حيث جعلت الدباغة - وهي عملية تحويلية كيميائية - وسيلةً لإزالة النجاسة وإعادة الانتفاع بجلد الميتة، بدلاً من إهداره. وهذا من محاسن الإسلام ورفعه للحرج.
2- الانتفاع بجلود الحيوانات المباحة بعد الدباغة: يصبح الجلد المدبوغ طاهراً، فيجوز الانتفاع به في أي شيء، كصناعة الأحذية، الحقائب، الرداء، السروج، الفراش، وغيرها من الاستخدامات.
3- الفرق بين الطهارة والإباحة: طهارة الجلد بالدباغة تعني أنه أصبح طاهراً يمكن ملامسته واستعماله، لكن هذا لا يعني حلَّ أكل الجلد نفسه، لأن أكل الميتة لا يحل إلا بذكاة شرعية، والدباغة ليست ذكاة. فجلد الشاة الميتة المدبوغ طاهر يمكن الجلوس عليه، لكن لا يجوز أكله.
4- التيسير على الأمة وعدم التضييق: هذا الحديث يفتح باباً واسعاً للانتفاع بموارد كانت تُهدر، مما يعود بالنفع الاقتصادي على الأمة ويدل على سماحة الإسلام وواقعيته.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- اختلف الفقهاء في حكم جلد الميتة قبل الدباغة، فجمهور العلماء (الشافعية، الحنابلة، والمالكية في المشهور) على أنه نجس، بينما ذهب أبو حنيفة إلى طهارته إذا كان من حيوان مأكول اللحم ومذكى.
- اتفق العلماء على أن شعر الميتة وصوفها ووبرها طاهر، لأنه لا يحله الدم، واستدلوا بحديث أنس رضي الله عنه في غسل شعر النبي صلى الله عليه وسلم بماء وسدر بعد وفاته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.