ألا أخذتم إهابها فاستمتعتم به

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النبوي الشريف:

---

الحديث:

عن ميمونة رضي الله عنها أن داجنةً كانت لبعض نساء رسول الله ﷺ فماتتْ، فقال رسول الله ﷺ: «ألا أخذتم إهابها فاستمتعتم به».
(رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري)

---

1. شرح المفردات:

● داجنة: هي الحيوان المستأنس الذي يُربى في المنزل، وغالبًا ما يُقصد به الشاة أو المعزى.
● إهابها: الجلد قبل أن يُدبغ.
● استمتعتم به: انتفعتم به بعد دبغه واستعماله.

---

2. شرح الحديث:

كان لدى إحدى زوجات النبي ﷺ (وهي ميمونة أو غيرها) شاة أو معزى ماتت دون ذكاة شرعية (أي ماتت حتف أنفها)، فلم ينتفعوا بجلدها ظنًا منهم أنه لا يجوز الانتفاع به لأنه ميتة. فلما علم النبي ﷺ بذلك، قال لهم: «ألا أخذتم إهابها فاستمتعتم به»، أي: هلا أخذتم جلدها ودبغتموه ثم انتفعتم به؟!

---

3. الدروس المستفادة منه:

● جواز الانتفاع بجلد الميتة بعد دبغه: وهذا من رحمة الإسلام وسماحته، حيث أباح الانتفاع بجلد الحيوان الميت إذا دُبغ، لأن الدباغ يطهره ويُزيل النجاسة.
وقد ورد في أحاديث أخرى: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» (رواه مسلم).
● النهي عن الإسراف والتبذير: النبي ﷺ يعلمنا ألا نضيع النعم، بل نستفيد من كل ما يمكن الانتفاع به.
● التيسير ورفع الحرج: الإسلام دين يسر، وليس دين عسر، فما دام هناك طريق للطهارة والانتفاع، فلا ينبغي تركه.
● التعليم بالأسلوب الاستفهامي: استخدم النبي ﷺ أسلوب الاستفهام («ألا أخذتم...») للتنبيه والتوجيه بلطف، مما يدل على حسن التربية.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم جلد الميتة بعد الدبغ: ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن جلد الميتة يطهر بالدباغ، ويجوز الانتفاع به في غير الأكل والشرب (كاستعماله للسقاء أو الفراش أو غير ذلك).
إلا أن الحنفية اشترطوا أن تكون الميتة مما يُحل أكل لحمه (كالشاة والبقر)، أما إذا كانت من الحيوانات التي لا تحل أكلها (كالحمار الأهلي) فلا يطهر جلدها بالدبغ عندهم.
● شروط الدباغ: يشترط أن يكون الدباغ بمادة طاهرة (كالشبّ أو القرض أو غيرهما)، وأن يُزال أثر النجاسة تمامًا.
● الفرق بين الجلد واللحم: اللحم لا يطهر بالدبغ ولا يحل أكله، أما الجلد فيطهر بالدبغ ويجوز الانتفاع به، كما في هذا الحديث.

---

الخلاصة:

الحديث يدل على جواز الانتفاع بجلد الحيوان الميتة بعد دبغه، وهو من رحمة الله تعالى وتيسيره على عباده، لئلا تضيع عليهم المنافع، مع التأكيد على ضرورة تحقق الطهارة بالدبغ الشرعي.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.