قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن الصبر في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]
إن أردتَّ التعاليَ على فتن الشهوات، والصمودَ أمام أمواج الشبُهات، فتسلَّح بالصبر، ووثِّق حصونك بالصِّلة بالله عزَّ وجلَّ. الصبر والصلاة قرينان متلازمان، ولا سبيلَ إلى المحافظة على الصلاة إلا بزادٍ من الصبر، ولا يغذِّي الصبرَ ويقوِّيه مثلُ الصلاة. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]
الصلاة من خير ما يُستعان به على جميع الأمور، وقد كان النبيُّ ﷺ إذا حزَبَه أمرٌ فزع إليها، وحريٌّ بمَن التجأ إلى الله أن يُعان، وبمَن صبَر أن ينالَ شرف المعيَّة. إن شئت أن يكونَ الله معك، يسدِّدك ويعينك، فاجعل الصبرَ دَيدَنك في حياتك كلِّها. |
﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [البقرة: 155]
لنستشعر عند البلاء لطفَ الله بنا وإحسانَه إلينا؛ إن خفنا مرَّة فطالما أمَّن روعنا، وإن جُعنا يومًا فكم مرَّة أشبعَنا، وإن عدِمنا قليلًا فلقد أغنانا كثيرًا، ثم إننا لنُثاب على البلاء القليل إن صبَرنا ثوابًا عظيمًا. إنما أخبر الله عباده بالبلاء قبل وقوعه، ليو~طِّنوا أنفسهم عليه، ويجاهدوها في سبيل الحق، ويزداد يقينهم بما أخبر الله به، وليعلموا أنَّ عاقبة الصبر عليه حميدة. |
﴿ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]
ليس كلُّ مسترجِع صابرًا، ولا كلُّ صابر شجاعةً أو حميَّةً مبشَّرًا، ولكنَّ المبشَّرين هم الصابرون الموقنون برجوعهم إلى ربِّهم، الذي عافى كثيرًا وأنعم، وأصاب قليلًا وآجَر. ﴿إنَّا لله﴾ عبيدٌ له، فلا ينبغي أن نخافَ غيرَه فهو الغالب، أو نخشى الجوعَ فهو الرزَّاق، وما أموالنا وأنفسُنا إلا ملكٌ له يتصرَّف فيها بما يشاء. تذكَّر في مصائبك أنك إلى الله راجع؛ فارجُ في صبرك منه الثواب، واخشَ إن جَزِعتَ منه العقاب. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ﴾ [البقرة: 157]
لو علم أهلُ المصائب ما لهم باحتسابهم عند ربِّهم من الثناء والرحمة لفرحوا بها، وللَهِجَت ألسنتُهم بحمد الله وشكره. الهداية ليست هي الذاكرةَ المشحونة بفضائل الصبر، ولكن أن تعملَ بالصبر حقًّا على أمر الله، وعن معصيته، وعند مُرِّ قضائه، فأهل الصبر هؤلاء هم من تتنزَّل عليهم الرَّحمات! |
﴿۞ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]
أوَّل خِصال البِرِّ ورأسها الإيمانُ بالله، ومَن فاته هذا البِرُّ فقد فاته أعظمُ مقصود. الإيمان باليوم الآخر يبعث في النفس الطُّمَأنينةَ بحصول العدل التامِّ، وبأن الحياة على هذه الأرض ليست سُدًى، ولا فوضى بغير حساب. عظَّم الله الإيمانَ بالملائكة فنظَمَه في سِلك المسائل الكبار، فلنؤمن بهم، ولنستحضِر عظمةَ الله في خلقهم. الإيمان بالكتاب والنبيِّين يعني الإيمانَ بالرسالات جميعًا، ويؤكِّد في يقين المؤمن أن للبشر كافَّةً إلهًا واحدًا، وغايةً واحدة. الإنفاق على ذوي القُربى من خِصال البِرِّ، وفيه تحقيقٌ لمروءة النفس، وصيانةٌ لكرامة الأسرة، وقيامٌ بصِلة الرَّحِم. الصدقة لليتامى تعويضٌ عن فِقدانهم الرعايةَ الأبويَّة، وحمايةٌ لهم وللأمَّة من الانحراف والضياع والنقمة على مجتمعٍ لم يرعَهُم. من رحمة الله بمَن أضعفَته الحاجة، وأذلَّته الفاقة، أنه أوجب في المال حقًّا له يحفظ كرامتَه، ويُقيل عَثرتَه. في إيجاب الصَّدقة للمنقطِع عن ماله وأهله إشعارٌ له أن كلَّ مسلم أخٌ له، وكلَّ بلاد المسلمين وطنُه، فيتسلَّى عن أهلٍ بأهل، وعن مالٍ بمال، وعن ديارٍ بديار. الصَّدقة للسَّائلين إسعافٌ لحاجتهم، وكفٌّ لهم عن المسألة، وذلك من إحسان الله إلى عباده. |
﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ ﴾ [البقرة: 214]
لكلِّ ثمينٍ ثمنٌ عظيم، وسلعةُ الله غالية، فمَن أراد الجنَّة فليبذُل لها، ومَن طلب الحسناء جاد بمَهرها. قد يتأخَّر فرَج الله عن عباده المؤمنين حتى تنقطعَ عنهم الأسباب، وتنغلقَ في وجوههم كلُّ الأبواب، ليمتحنَ قلوبهم للتقوى، فتَخلُصَ سرائرُهم من الركون لشيءٍ من الخلق، وتتعلَّقَ ضمائرُهم بربِّ الخلق وحدَه. بهذا يدخل المؤمنون الجنان، وهذا هو طريقها؛ جهادٌ وامتحان، وصبرٌ وإيمان، وتجرُّدٌ لله ذي المنِّ والإحسان، لا إله إلا هو. |
﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]
جاهد نفسك قبل أن تجاهدَ عدوَّك؛ فإن مَن عَجَز عن مجاهدة نفسه فهو عن مجاهدة غيره أعجز. لا بدَّ للقائد أن يختبرَ إرادة جُنده، وقدرتَهم على إيثار الطاعات، والاستعلاء على الشهَوات، وتحمُّل التكاليف والابتلاءات. عدم القدرة على منع النفس عن رغَباتها في الأمور اليسيرة، دليلٌ على عدم ثباتها في المواقف الكبيرة. البلاء قد يكون امتحانًا بنعمة، وفتنة السرَّاء كثيرًا ما تجتال، انظر إلى القوم لم تكفِهم من النهر الذي نُهوا عنه غُرفة، ولا صبَروا على الصوم ساعة! لا تُقاس قوَّة الجيوش بالعَدَد والعُدَد فحسب، ولكن بالقلوب الصامدة، والعقائد الراسخة، والإرادات الجازمة. استحضار لقاء الله تعالى عند لقاء العدوِّ في الدنيا سببٌ لقوَّة العزيمة، واستمداد الصبر، ونيل معيَّة الله الخاصَّة المقتضية للنصر والتوفيق. التعلُّق بالآخرة سببُ الإقدام يومَ اشتداد القتال، والتعلُّق بالدنيا سببُ الإحجام عن مقارعة الأبطال، فمَن كان من أهل الآخرة كان أشجع، ومَن كان من أهل الدنيا كان أفجع. تسلَّح بالصبر ليكونَ الله معك، يقوِّيك ويثبِّتك ويؤنسك، ويمدُّك حين ينفَد زادك، ويجدِّد عزيمتك إن طال عليك المسير. |
﴿۞ قُلۡ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيۡرٖ مِّن ذَٰلِكُمۡۖ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَأَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞ وَرِضۡوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15]
قد عُرِضَت الدَّاران، ووُصِفَت السعادتان، فقِس هذه الدارَ الجليلة بتلك الدار الوضيعة، واختَر لنفسك. لا مقارنةَ بين نِعَم الدنيا ونِعَم الآخرة، فنِعَمُ الدنيا منقطعةٌ مَشوبةٌ بالمنغِّصات، ونِعَم الآخرة باقيةٌ خاليةٌ من كلِّ شائبة. بدأ سبحانه بذِكر المَقرِّ وهو الجنَّات، ثم ثنَّى بذِكر ما يحصُل به الأُنس وهو الأزواج المطهَّرات، ثم ثلَّث بذِكر أعظم النَّعيم، وهو الفوزُ برضا الجليل العظيم. احرِص على تحقيق التقوى؛ حتى تظفرَ بما وعد الله به عبادَه المتَّقين من الرضوان والجنَّات، والزوجات المطهَّرات. إذا علمتَ ما أعدَّ الله لك من نعيم، فاعلم أنه سبحانه بصيرٌ بك وعليم؛ فاجتهد في الخلاص ممَّا لا يليق أن يعلمَه منك، حتى لا يحولَ بينك وبين التكريم. |
﴿ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ ءَامَنَّا فَٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ ﴾ [آل عمران: 16]
ليست التقوى خمولًا وذبولًا، بل هي دأبٌ وحُسن بلاء، واستغفارٌ ودعاء، وبذلٌ وعطاء. المغفرة والنجاة من النار أعظم مطالب الأنبياء والصالحين. |
﴿ٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]
المتَّقي حقًّا هو من يكمِّل نفسه بأنواع الطاعات، ويحلِّيها بأصناف الخيرات، ويكفُّها عن المعاصي والسيِّئات. في الصبر أداءٌ للواجب، وامتناعٌ عن المحرَّم، وثباتٌ على الحقِّ، وتسليمٌ لقدَر الله. في الصدق اعتزازٌ بالحقِّ وترفُّعٌ عن الضعف، وما الكذب إلا ضعفٌ عن كلمة الحقِّ؛ اتِّقاءً لضرر وغُرم، أو اجتلابًا لمنفعة وغُنم. في القُنوت لله أداءٌ لحقِّ الألوهيَّة، وقيامٌ بواجب العبوديَّة. في الإنفاق تحرُّرٌ من عبوديَّة المال، وإعلاءٌ لحقيقة الأخوَّة على الأنانيَّة والأثَرة، وتكافلٌ يليق بهذا الدِّين العظيم. السَّحَر من أشقِّ الأوقات استيقاظًا على الإنسان، وأحبِّها راحةً لديه، وأَولاها بصفاء القلب، وأقربها إلى إجابة الدعاء. |
﴿إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةٞ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تُصِبۡكُمۡ سَيِّئَةٞ يَفۡرَحُواْ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لَا يَضُرُّكُمۡ كَيۡدُهُمۡ شَيۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعۡمَلُونَ مُحِيطٞ ﴾ [آل عمران: 120]
من الكفَّار مَن يُضمر للمؤمنين عداوةً خبيثة باطنة، فضلًا عن عداوتهم اللئيمة الظاهرة، فلا يفتؤون يتمنَّون زوالَ النعمة عنهم. ما أشدَّ بغضَ الكفَّار المحاربين للمؤمنين؛ إنه ليَسوءُهم أقلُّ ما يحصل لهم من خير، ولا يسرُّهم إلا تحقُّق إصابتهم بالشَّر! المؤمن حقًّا لا يتنازل عن عقيدته مهما كانت التكاليف، ويستعين على مواجهة قوَّة الأعداء ومكرهم بالعزيمة والصبر. إن الله ليحفــظ عبــدَه المتــوكِّلَ عليـه، المستعينَ به على بلائه، فلا يزال به حتى يظفَرَ بطَلِبَته ويغلبَ خصومه. طِيبوا نفسًا أيها المتَّقون؛ فإن أعداءكم لن يوقعَ ﴿كيدُهم﴾ مهما بلغ وعَظُم ﴿شيئًا﴾ من الضرر بكم مهما قلَّ وصغُر. اعلم أن الله تعــالى محيـطٌ بمـا تُخفيـه الخلائق، فمَن أضمر شرًّا انتقم منه، ومن صبر واتَّقى أظفره بحاجته، فليطمئنَّ المؤمن، وليحذر عدوَّه. |
﴿بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125]
بالتقوى والصبر نزلت الملائكةُ من السماء في بدر، فدفعت أهلَ الفجور والكفران، ومكَّنت لأهل الإيمان والإحسان. بقَـدر التقـوى والصـبر يكـون الفـوز والظَّفَـر؛ صـبرًا علـى أقـدار الله، وامتثالًا لأوامره، واجتنابًا لنواهيه. |
﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]
العلوُّ معنًى لا يناله إلا المؤمنون الصادقون، سواء قُدِّر لهم بالغلَبة والتمكين، أو ادُّخِر لهم في جنان الخُلد والتكريم. على المؤمن في كلِّ أحواله - ولا سيَّما عند الابتلاء - أن يطردَ الحزنَ عن قلبه، والوهنَ عن بدنه، فإنهما ممَّا يزيد المصيبةَ فيه، ويعين عدوَّه عليه، وليرضَ بقدَر الله؛ فإنه شفاءٌ لبَلواه. أمر الله الصَّحابةَ بترك الحزَن ونبذ الوهَن، وقد أُخرجوا من ديارهم وأموالهم وقُتل منهم مَن قُتل، فما شأنُ مَن هم أقلُّ منهم ابتلاءً؟! |
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا ٱسۡتَكَانُواْۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]
من فوائد ذكر مآثر الصالحين: تحريكُ الهِمَم واستنهاضُ العزائم، وإيقاظُ الغَيرة المحمودة في السِّباق إلى الخيرات. حبُّ الله للصابرين حبٌّ يأسو الجُرح، ويمسح القَرح، ويعوِّض عن الضُّرِّ. |
﴿۞ لَتُبۡلَوُنَّ فِيٓ أَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ وَلَتَسۡمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُوٓاْ أَذٗى كَثِيرٗاۚ وَإِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]
تتعدَّد صورُ ابتلاء المؤمنين؛ فمنه ما يكون في أنفسهم، ومنه ما يكون في أموالهم، ومنه ما يكون من أعدائهم. والعُدَّة الحصينة والدرعُ السابغة في هذه المعركة هما: الصبر والتقوى. إن أهل الباطل لن يدَعوا أهل الحقِّ في سلام، ولن يُخلوهم من أذيَّة الفِعال والكلام، فلا يَعجبَنَّ مؤمنٌ اليوم من شدَّة الحرب الإعلاميَّة على الإسلام وأهله. من لطف الله بعبده أنه أخبره بما سيُلاقيه من البلاء؛ لتتوطَّنَ نفسُه على وقوعه، والصبر عليه إذا وقع، فيهونَ عليه حملُه، ويلجأ إلى مُدافعته بالصبر والتقوى. العزمُ على الصبر والتقوى فيه كمالُ المزيَّةِ والشرف، أوَ ليس قد عزمَ الله تعالى عليهما، وأمرَ بهما على سبيل العزيمة؟ الدعاة الصادقون لا يفرِّطون في دعوتهم، ولكنَّهم يحرِصون عليها مهما أصابهم في سبيلها، بل إن شدائد الطريق تزيدهم ثباتًا. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 200]
على العبد أن يلازمَ الصبر، ولا ينقطعَ عن مجاهدة نفسه عليه في جميع حالاته؛ فإنَّ الصبر محتاجٌ إلى صبر. ما أفلحَ عبدٌ إلا بالصبر والمصابرة، والجهاد والمرابطة، ولا خابَ إلا وكان إخلالُه بها أو ببعضها سببَ خَيبته. إذا كان أهلُ الباطل يَمضون في باطلهم بصبرٍ وإصرار، فما أجدرَ أهلَ الحقِّ أن يكونوا أعظمَ منهم صبرًا وإصرارًا. لا ينفع المؤمنَ الصبرُ ولا المصابرة ولا المرابطة إلا بالتقوى، كما أن التقوى لا تقوم إلا على ساق الصبر، فهي صفاتٌ يقوم بعضُها ببعض. |
﴿وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِكُمۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٖۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَٰتٍ غَيۡرَ مُسَٰفِحَٰتٖ وَلَا مُتَّخِذَٰتِ أَخۡدَانٖۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَٰحِشَةٖ فَعَلَيۡهِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِۚ ذَٰلِكَ لِمَنۡ خَشِيَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡۗ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [النساء: 25]
لا يُغفل الإسلامُ فطرةَ الإنسان ولا طاقتَه، ولا واقعَه ولا حاجاتِه، بل يلبِّي الصالحَ منها؛ ليسموَ به إلى معارج الطُّهر وآفاق النقاء. يتشوَّف الإسلامُ إلى الحرية، ويدعو إلى نكاح الحرائر، ولا يرخِّص في زواج الإماء إلا عند مَسيس الحاجة؛ لئلَّا يسريَ في الذرِّية الرِّقُّ الذي يسعى إلى إنهائه. أزاحَ الإسلامُ عن الأَمَة المؤمنة أحكامَ الجاهليَّة التي كانت تغُضُّ من شأن الإماء، وتجعلهنَّ للمتعة فحسب، فرفعها بإيمانها عن أن تكونَ أداةً يُستمتَع بها ثم يُستغنى عنها. سمَّاهنَّ ﴿المؤمنات﴾ لأن الأحكام تجري على الظواهر، ثم قال: ﴿واللهُ أعلمُ بإيمانِكِم﴾ لأن البواطنَ إلى الله. الآصِرةُ الإنسانيَّة والإيمانيَّة هما محورُ الارتباط في العَلاقات الإنسانيَّة التي تقوم بين الأحرار والرقيق في المجتمع المسلم. الزواج في الإسلام تكريمٌ للمرأة، حيث تخرُج المرأة المؤمنةُ إلى بيت زوجها بإذن أهلها موفورةَ الاحترام، وتُعطى من المال ما يُرضيها على وجه الحقِّ والإكرام. شتَّان بين الدُّرِّ الثمين والمتاع المَهين؛ فالعفيفة تمنع نفسَها وتصون عِرضَها، فيُبذَل لأجلها الغالي والنفيس، وتُرخِصُ البَغِيُّ نفسَها فتُشترى بالبخس والخسيس. ما تفعلُه الحرَّة بنفسها وقومها إذا ارتكبَت جُرمًا هو فوقَ ما تفعله الأَمَة، والمقاماتُ تُراعى في العقوبات. |
﴿وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34]
الاقتداء بالأنبياء في الدعوة ضياءٌ يَهتِكُ به الداعي ظلماتِ العناء، فيستمرُّ في سبيله صابرًا كما صبروا، حتى يأتيَه النصرُ كما أتاهم. إذا اشتدَّ كربٌ أو نزلت بك ضائقة فأبشِر، فإن الفرج آتيك، والسَّعة ستحطُّ بناديك. انتصارُ الحقِّ على الباطل نعمةٌ جليلة يمتنُّ بها ربٌّ كريم، ولا يجودُ بها على العباد غيرُه. إن سنَّةَ اللهِ في أهل الحقِّ لا تتبدَّل؛ يصبرون فينتصرون، فيورثهم اللهُ حلاوةَ الغلَبة. |
﴿وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِـَٔايَٰتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتۡنَاۚ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَتَوَفَّنَا مُسۡلِمِينَ ﴾ [الأعراف: 126]
لا تُداهن، لا تجامل، لا تسَل عدوَّك الصفحَ في معركة العقيدة التي لا يقبل العدوُّ منك سوى تركِها. مهما شعرتَ بقوَّة موقفك فلا تتَّكل على نفسك، بل سَل اللهَ أن يصبِّرَك ويثبِّتك. الجهر بالإيمان أمامَ جبَّارٍ يكفر به يحتاج إلى صبر عظيم، ألا تراهم طلبوا من الله أن يصبَّ عليهم الصبرَ صبًّا؟ |
﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]
طاعة اللهِ ورسوله أعظمُ عُدَّةٍ في ساحة المعركة، وهي طاعةٌ وبركةٌ وقربة. إذا استسلم الناسُ لله ورسوله انتفى الهوى الذي هو سببٌ للنزاع الذي يجعل كلَّ صاحب وجهة يُصرُّ عليها، ولو تبيَّن له وجهُ الحقِّ في غيرها. قوَّة المؤمنين وعزُّهم في ائتلاف قلوبهم، واجتماع كلمتهم، فإذا تنازعوا فيما بينهم، ودبَّ فيهم الشِّقاق، تبدَّدت قوَّتُهم، ووهنَت عزيمتُهم، وآلت حالهم إلى هزيمةٍ وهوان. أيُّ بيانٍ لفائدة الصبر أبلغُ من إثبات معيَّة الله تعالى لأهله؟! ومَن كان الله معه فكيف يُهزم؟! |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَى ٱلۡقِتَالِۚ إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا يَفۡقَهُونَ ﴾ [الأنفال: 65]
إن المؤمنين وإن كانوا في العدد كثيرين، إنهم بالإيمان أكثرُ وأقوى وأثبت، وهم بالصبر والعزيمة أعظمُ وأشدُّ، فالقوَّة قوَّة الجَنان بالصبر والإيمان، وإن قلَّ العدد. أيها القائد، لا تدَع الضعيفَ الجبان الخوَّار يجعل الوهنَ يَدِبُّ بين عساكرك، فانتقِ الصابرين، وتخيَّر الثابتين. كيف يفقهُ الكافر كرامات اللهِ لأوليائه وهو قد أهملَ النظر وعطَّل الفِكَر، ولا يؤمنُ إلا بما ظهر من الأسباب؟! أوَّل الاستعداداتِ في المواجهة: الفقهُ عن الله، فمَن عرَف نُبلَ المبدأ الذي يقاتل لأجله تصبَّر؛ فالعقيدةُ العسكريَّة لها أثرٌ في الثبات. |
﴿ٱلۡـَٰٔنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمۡ ضَعۡفٗاۚ فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّاْئَةٞ صَابِرَةٞ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ وَإِن يَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفٞ يَغۡلِبُوٓاْ أَلۡفَيۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [الأنفال: 66]
ما أهونَ شأنَ الكفَّار في القتال لو استكمل المسلمون عُدَّة الإيمان! إن الغلبة لا تكون إلا بإذن الله، فليَركَن الإنسانُ إلى ربِّه إن أراد النصر والظفَر. معيَّة الله تعالى المقتضيةُ للنصر جائزةُ اللهِ لعباده المؤمنين الصابرين. |
﴿وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَٱصۡبِرۡ حَتَّىٰ يَحۡكُمَ ٱللَّهُۚ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ﴾ [يونس: 109]
اتِّباع الوحيِ يحتاج إلى صبر وعناء، فطريقُه مفروشةٌ بخصوماتِ أهل الباطل إلى أن يحكمَ اللهُ بالحق، ويُظهرَ أهلَه في الخَلق. اتباع الوحي مع التدرُّعِ بالصبر يَقي المؤمنَ من سهام اليأسِ والشك، ويمنحُه الحياةَ المطمئنةَ السائرة على وقود التفاؤلِ، وانتظارِ حكمِ الله بين عباده. الحاكم في الأرض تَغيبُ عنه بواطنُ الأمور، فتتعرَّضُ أحكامُه للخطأ والقصور، لكن الله يطِّلعُ على السرائر اطِّلاعَه على الظواهر. |
﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ ﴾ [هود: 11]
الإيمان الصادق المقترنُ بالعمل الصالح عاصمٌ عظيم للنفسِ من اليأس في الشدة، والبطرِ في النعمة، ورابطٌ متينٌ للقلب بالله في السراء والضراء. طُـوبى للصـابرين العاملـين ما ينالـونه من المغفرة والثواب، والنجاةِ من العقاب، بخلاف الجَزِعِين البَطِرين. |
﴿تِلۡكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهَآ إِلَيۡكَۖ مَا كُنتَ تَعۡلَمُهَآ أَنتَ وَلَا قَوۡمُكَ مِن قَبۡلِ هَٰذَاۖ فَٱصۡبِرۡۖ إِنَّ ٱلۡعَٰقِبَةَ لِلۡمُتَّقِينَ ﴾ [هود: 49]
القرآن كتابُ اللهِ حقًّا، نزل من عنده على رسوله محمَّدٍ ﷺ صدقًا، فأنَّى لنبيٍّ أميٍّ في قوم أميِّين أن يأتيَ بأنباء التاريخ المُغيَّبة؟! مهما عانى المتَّقون في أوَّل الدعوة فليطمئنُّوا إلى أن العاقبةَ في النهاية لهم، فالعبرة بخواتيم الأمور لا بمبادئها. |
﴿وَٱصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ [هود: 115]
ما أعلى منزلةَ الذِّكر! وما أعظمَ مقامَ الصبر! إنهما لَيرفعانِ صاحبَهما إلى درجة الإحسان، وأكرِم بها من رتبة! أبشِر أيها المحسنُ بالخيرِ العظيم، مهما كان إحسانُك قليلًا أو كثيرًا، لازمًا أو متعدِّيًا؛ فإن اللهَ لن يُضيعَ أجرَك، ولن يُذهبَ إحسانَك. |
﴿وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ ﴾ [الرعد: 22]
لا يُحمَدُ على الصبرِ عند اللهِ مَن لم يكن صبرُه في سبيلِه، وابتغاء وجهِه تعالى. مَن صبرَ على مصيبته كانت نعمةً في حقِّه؛ لأن الصبرَ شفاءٌ لنفسه، وزيادةٌ في حسناته، ومَن جزعَ جمعَ مصيبتين: مرارةَ المصيبة، وذهابَ الأجر وحصولَ الإثم. صبرًا على فعلِ العبادات، وعلى بذلِ المالِ في الطاعات، فمَن صبرَ فبعقبى الدارِ ظَفِر. مَن يقابل المسيءَ بالإحسان؛ فيعطي مَن حَرَمه، ويعفو عمَّن ظلمَه، ويَصلُ مَن قَطعَه، فكيف سيعامِلُ مَن أحسنَ إليه؟! |
﴿سَلَٰمٌ عَلَيۡكُم بِمَا صَبَرۡتُمۡۚ فَنِعۡمَ عُقۡبَى ٱلدَّارِ ﴾ [الرعد: 24]
سلامٌ عليكم أيها الصابرون على مشاقِّ الدعوة، سلامٌ عليكم أيها المُلزِمون أنفسَكم أمرَ الله، الزامُّون قيادَها عن معصيته، الصابرون لألمها عند أقداره، فدَعُوا اليوم تعبَكم وآلامكم، وخذوا السلامَ الأبديَّ في دار النعيم والخلود. الأَولى باللبيب أن يُجاهدَ نفسَه؛ لعلَّه يحظى بتلك الدار؛ فإنها مُنيةُ النفوس، وسرورُ الأرواح، ومَجمَع اللذَّات والأفراح. |
﴿ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 42]
انظر إلى مَن ضحَّوا من أجل دين الله كيف أكرمهم ربُّهم، فقد هاجروا وأُخرجوا من ديارهم ظلمًا فصبروا، فأبدلهم اللهُ خيرًا ممَّا تركوا؛ في الدنيا والآخرة. مَن فارقَ وطنَه ابتغاءَ مرضاةِ الله تعالى احتاجَ إلى ما يُعينه عليه من الصبر والتوكل؛ فإن النفوس نزَّاعة إلى مألوفاتها ومغانيها السالفة. |
﴿مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]
ما تريدُ حفظَه وتثميرَه، فوجِّههِ إلى الله تعالى، فما عند الله يُحفظ وينمو ويَعظُم. كيف يحرِصُ عاقلٌ على ما يَنفَد، ويتركُ ما يبقى إلى الأبد؟! فالدنيا كلُّها إلى نفاد، والآخرةُ إلى بقاء أبدَ الآباد. كان لحفصةَ بنتِ سيرين ابنٌ عظيم البرِّ بها فمات، فقالت: (لقد رَزَق اللهُ عليه من الصبر ما شاء أن يَرزُق، غيرَ أني كنت أجد غُصَّةً لا تذهب، فبينما أنا ذاتَ ليلةٍ أقرأ، إذ أتيتُ على هذه الآية، فأعدتُّها، فأذهب اللهُ ما كنت أجد). لو استصبرك على شيءٍ مَلِكٌ صادقٌ جليل، ووعدك على صبرك بالعطاء الجزيل، أفلا تصبر الصبرَ الجميل؟ فكيف بوعدٍ وجزاءٍ صاحبُه ملكُ الملوك سبحانه؟! |
﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَٰهَدُواْ وَصَبَرُوٓاْ إِنَّ رَبَّكَ مِنۢ بَعۡدِهَا لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [النحل: 110]
ليس لمَن قد فُتن من دواءٍ خيرٌ من الصبر، فإن صبرَ كانت الفتنة ممحِّصةً له ومخلِّصةً من الذنوب، كما يخلِّص الكِيرُ خَبثَ الذهبِ والفضَّة. سبحانَ مَن يُفيض آثارَ ربوبيَّته على عباده، وقد أُوذوا فيه وصبَروا، فأنالهم من مغفرته ورحمته أضعافَ صبرهم كثيرًا! ما أعظمَ مغفرةَ الله ورحمتَه لعباده! فبهما وبدوامهما يُخفَّف عن المهاجر والمجاهد والصابر ما يَلقَون من البلاء الشديد. |
﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّٰبِرِينَ ﴾ [النحل: 126]
الإسلام يُجيز العدلَ في المعاقبة، ويرغِّب في الفضل بالعفو عنها، فما أعظمَه من دِينٍ يراعي المشاعر، ويدعو إلى سَنام الفضيلة! مَن علم أن عاقبة عفوه مع قدرته معيَّةُ الله تعالى الخاصَّةُ له، هان عليه ما يجد في نفسه، وانشرح صدرُه إلى مآل صبره. |
﴿وَٱصۡبِرۡ وَمَا صَبۡرُكَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ وَلَا تَحۡزَنۡ عَلَيۡهِمۡ وَلَا تَكُ فِي ضَيۡقٖ مِّمَّا يَمۡكُرُونَ ﴾ [النحل: 127]
لا تترك الاستعانةَ بالله على الصبر وضبطِ النفس، واستحضِر على الدوام بُشرى الصابرين. مَن أسقط اللهُ تعالى قدرَه، فلا تحزن على إعراضه، ولا يضِق قلبك من عداوته، فقد ضمِن الله كِفايةَ المؤمنين، وألا يجعلَ للكافرين عليهم سبيلًا. |
﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا ﴾ [الكهف: 28]
الخير كلُّ الخير في صُحبة الصالحين الذاكرين؛ فبهم تكثُر الحسنات، وتقِلُّ السيِّئات، وتنهَض الدعَوات، وهم القومُ لا يشقى بهم جليسُهم. مجالسة الصالحين عبادةٌ تحتاج إلى صبر؛ لأن النفس قد لا تجد عندها شهَواتها، ولا ترى في أهلها زينةَ المال والنفوذ، فاحتاجت إلى مزيد تصبير. ليكن لأهل الطاعة منك إكبارٌ وتبجيل، وتقديمٌ وتعظيم، فمثلُهم بهذا أولى، وهو لك أزينُ وأسمى. لم يقُل سبحانه: (ولا تُطِع من أسكتنا لسانه عن ذكرنا)، ولكنه قال: ﴿أغفَلنا قلبَه﴾ ؛ إذ كم من إنسانٍ يذكر بلسانه لكنَّ قلبه غافلٌ لاهٍ! فلا يكون للذِّكر حينئذٍ أثرٌ بيِّن، وإنما حياة القلب باجتماع ذِكر الجَنان واللسان. اعمُر قلبَك بذكر الله تعالى، فهو العاصم لك من اتِّباع الهوى، والغفلة عن ربِّك المولى. لو تأمَّلت أمَّةً في انحلال، وأمرُها في انفراط واختلال، فستجد الغفلةَ قد استحكمَت من قلوب أصحابها، والأهواءَ قد سكنت فيها. |
﴿فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ غُرُوبِهَاۖ وَمِنۡ ءَانَآيِٕ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡ وَأَطۡرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرۡضَىٰ ﴾ [طه: 130]
لن يسلم المؤمنُ من طعن أهل الباطل، وحرب ألسنتهم الذرِبة، وإيذاء إعلامهم الأفَّاك، ولكن في حصن الصبر منجى للمؤمنين من سهام أولئك الطاعنين المؤذين. ما أسعدَ تلك اللحظات التي يُعطى فيها المؤمن ثواب أعماله الصالحة بين يدي ربه، فيرضى بما أعطاه الله تعالى، ويتسع صدرُه سرورًا بما نال، على صالح الأعمال! حينما يوقنُ الإنسانُ بأن الله تعالى يُعطي عبده العامل يوم لقائه ما يُرضيه يطمئن قلبه، وتقَرُّ عينه بعبادة ربه، ويتسلى بها عن أذية الأعداء، فيخِف عليه حينئذ الصبر. |
﴿۞ وَأَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ﴾ [الأنبياء: 83]
ليس في ابتلاء المؤمن التقي أمارةُ سُخطٍ من الله تعالى عليه، بل هو تخليص له حتى تسموَ روحه، وتعلوَ درجته، وفي حياة الأنبياء من البلاء ما يسلِّي الصالحين في ابتلاءاتهم. مع ما فقده أيوبُ من الصحة والأهل والمال، عبَّر عن شديد هذا البلاء بالمس، وهو تعبيرٌ خفيف لطيف يدل على السكون والرضا. من أمارات الرضا في البلاء قلةُ الشكوى، والحديث عنه بعبارات حسنى، غير مصحوبة بالتضجر والتأوه وتقطيب الوجه. إذا أُصبتَ ببلاء فتذلَّل إلى ربِّك غاية التذلُّل، وتأدَّب في خطابه غاية التأدُّب، وتلطَّف في مسألتك إيَّاه أيَّما تلطُّف، وتوسَّل إليه بعظيم رحمته، لعلَّك تنال رحمته وفرَجه. |
﴿وَإِسۡمَٰعِيلَ وَإِدۡرِيسَ وَذَا ٱلۡكِفۡلِۖ كُلّٞ مِّنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 85]
لو درستَ حياة الأنبياء لوجدتَّ كلَّ واحد منهم مدرسةً في الصبر، وفي سيرته العطرة يتجلَّى مظهرٌ من مظاهره، وفصلٌ من فصوله. |
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ فَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَلَهُۥٓ أَسۡلِمُواْۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُخۡبِتِينَ ﴾ [الحج: 34]
من عظيم البراهين على منزلة عبادة من العبادات أن تراها مشروعةً في جميع الشرائع، وهكذا كان النحر، فهل يقدر المسلم هذه الشعيرةَ قدرها؟ مالُك هو من رزق الله لك، ومن فضله عليك، فمن شُكره أن تبتغي به رضاه، فتنسُبه إليه. ذبحُ النسيكة مشهدٌ من مشاهد التوحيد؛ فبها يتقرَّب المسلم الموحِّد إلى الله، وعلى اسمه يذبحها، وله وحدَه يصرف شكرَها. طوبى للحجيج المخبِتين الذي استسلموا لربِّ العالمين، وانقادوا له راضين، وكانوا له متواضعين. مَن أخبتَ لله قلبُه استنارت بالأعمال الصالحات جوارحُه، فنالته البِشارات، وهطَلَت عليه الخيرات، فأصلِح قلبك؛ فإنه موضع نظر ربِّك منك. |
﴿ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِيمِي ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [الحج: 35]
من صفات المُخبِتين الوجَل عند ذكر الله عزَّ وجل، وذلك يقتضي معرفتَهم بعظيم شأنه، واستشعارهم تقصيرَهم في جنبه، وبُعدهم عن العُجب بما هم عليه. إذا أردتَّ البشرى فأحسن ببارئك الظنون، ولا تتبرَّم من أقداره فيك؛ فإنه بحكمته يبتليك فيصطفيك. حين لم يتمكَّن حبُّ الدنيا من قلوب المخبتين ظلُّوا بين العباد منفقين، غيرَ بخلاء بما رُزقوا؛ لعلمهم أن المال ماله، والفضل فضله. |
﴿إِنِّي جَزَيۡتُهُمُ ٱلۡيَوۡمَ بِمَا صَبَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 111]
شتان بين مَن كان لاهيًا في الدنيا، غافلًا عن ربه، حتى صار إلى العذاب والهوان في الآخرة، وبين مَن كان مؤمنًا عاملًا، مستغفرًا ربه، مسترحمًا له، حتى ورد الآخرة من السعداء الفائزين. مَن اشتغل بالاستهزاء بالصالحين أنساه ذلك ذكرَ ربه، ومَن نسي ذكر ربه أساء إلى عباده. انظر إلى الجائزة التي تنتظر المؤمنين الصابرين على سخريَّة أهل الضلال بهم، إنه الجزاء من ربهم لا من غيره، فلا يعلم أحد سواه سبحانه عدَّه ولا حدَّه، فنعمَ الجزاء من رب السماء! أيها المؤمن الثابت على دينه؛ اصبِر على استهزاء مَن استهزأ بما أنت عليه؛ فإن الفوز عقبى المؤمنين الصابرين، والخسارة عقوبة المستهزئين الساخرين. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ ٱلۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا ﴾ [الفرقان: 75]
إن العزم على فعل الأوامر وترك النواهي ليحتاجُ إلى صبرٍ على شهوات النفس وأهوائها، ومُغرِيات الحياة ومُلهِياتها، وتلك استقامةٌ لا يقدِر عليها إلا الصابرون. الحمد لله أن بيَّن لعباده المؤمنين ما يحبُّ من الأوصاف وما يجمعها، ورغَّبهم في أجورها؛ ليسعَوا إلى التحلِّي بتلك الفضائل، وينالوا ما وعدهم عليها من الثواب. |
﴿خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ حَسُنَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا ﴾ [الفرقان: 76]
إن العزم على فعل الأوامر وترك النواهي ليحتاجُ إلى صبرٍ على شهوات النفس وأهوائها، ومُغرِيات الحياة ومُلهِياتها، وتلك استقامةٌ لا يقدِر عليها إلا الصابرون. الحمد لله أن بيَّن لعباده المؤمنين ما يحبُّ من الأوصاف وما يجمعها، ورغَّبهم في أجورها؛ ليسعَوا إلى التحلِّي بتلك الفضائل، وينالوا ما وعدهم عليها من الثواب. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [القصص: 54]
ما أعظمَ ثوابَ الكتابيِّ حين ينتصر على هواه وبيئته الفاسدة وتقليده لقومه، ثم يُقبل على الإسلام منقادًا محِبًّا! علت نفوسُهم حتى صبرت على الأذى، وتحمَّلت في سبيل التمسُّك بالحقِّ صنوفَ البلوى، فدفعت السيِّئةَ بالحسنى. حين يستعلي المرءُ على شهَوات النفس، ويعتزُّ بقيمةٍ هي أكبر من قيَم الأرض، فإنه يعوِّد بذلك نفسه أن تكون سمحةً بالمال كما كانت سمحة بالإحسان. |
﴿فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٖ ﴾ [القصص: 79]
في كلِّ زمان ومكان هنالك قلوبٌ تستهويها زينة الأرض وتَبهَرها، وتلك قلوبُ الذين يريدون الحياة الدنيا، ولا يتطلَّعون إلى الآخرة التي هي أكرم منها. أكثر الناس يرَون الحظ العظيم في كثرة متاع الدنيا، ولا يرونه في الإيمان والعمل الصالح، وهذه نظرة مَن استولت الدنيا على قلبه، وشغلت الحيِّز الكبير من تفكيره. |
﴿وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ وَيۡلَكُمۡ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيۡرٞ لِّمَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗاۚ وَلَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلصَّٰبِرُونَ ﴾ [القصص: 80]
شأن مَن وهبهم الله العلم النافع ألا يغتروا بزخارف الدنيا؛ لأنهم يعلمون سوء عاقبة مَن يفتتن بها. أهل العلم النافع إذا رأوا أسيرًا في قبضة الانبهار بزينة الحياة الفانية أطلقوه بنصحهم، وأزالوا عن عينيه قَتامَ الاغترار بالدنيا، حتى يرى أن ما عند الله خيرٌ وأبقى. ثواب الله ورضوانه هو ما يَنشُده مَن آمن وعمل صالحًا، ولا تَشغَله عنه زخارفُ الحياة ومتاعُها الفاني. كلَّما عَرضت لك الدنيا مفاتنَها فتفكَّر في الآخرة وما أعدَّه الله تعالى لعباده المؤمنين فيها. طوبى لمَن يصبرون على معايير الناس ومقاييسهم، وعلى فتنة الحياة الدنيا وإغرائها، أولئك الذين يوفِّقهم الله للاستعلاء على كلِّ ما في الأرض، والتطلُّع إلى ثواب الله تعالى ورضاه. |
﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ غُرَفٗا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ ﴾ [العنكبوت: 58]
شتَّان بين مَن يحيط به العذابُ الأليم، ومَن يحيط به النعيم المقيم، فعذاب الكافرين يحيط بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ونعيمُ المؤمنين يغشاهم في غرفٍ عالية، وفي أنهار من تحتهم جارية. فرق واسعٌ وبَون شاسعٌ بين قوم يؤمَرون بذوق العذاب المُهين، وقومٍ يُثني ملكهم سبحانه على نعيمهم، ويجعله بفضله أجرًا على عملهم. طلَّق العقلاء الخمولَ والفتور، وركبوا إلى أجر ربِّهم صهَوات العمل والجِدِّ، راجين الخلود في النعيم المقيم، والنجاةَ من العذاب الأليم. |
﴿ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [العنكبوت: 59]
ما تلقاه اليوم من الضُّر فاصبر عليه تنَل أجره، وما تخشاه غدًا فتوكل على الله فيه يكفِكَ أمره. توكُّل المؤمنين يتجدد بتجدد الأحوال، فيستمرون عليه في مدافعة الآلام وبلوغ الآمال. الصبر والتوكُّل حظُّ مَن عرَف كمال الله، فمَن علم أن ما سوى ربِّه زائلٌ هان صبره على فقده، ومَن علم أن الله تعالى هو الحيُّ الباقي أحسن توكله عليه. |
﴿فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۖ وَلَا يَسۡتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [الروم: 60]
ممَّا يعين العبدَ على الصبر، ويهوِّن عليه من المكاره، وييسِّر عليه كلَّ عسير؛ أن يعلم أن عمله الصالح لن يضيع. المؤمن الموقن بما عند الله سبحانه وتعالى يتحلى بالرزانة وحسن الصبر وحصافة العقل، بخلاف مَن هو ضعيف اليقين. |
﴿يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]
إن أوَّل ما ينبغي على المربِّي أن يأخذَ به أبناءه بعد غرس توحيد الله في نفوسهم هو الصلاة؛ فإنهم إن أقاموها فُتح لهم باب الإعانة والتوفيق. من الحكمة أن يتحلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بالصبر على ما يناله؛ فإن الصبر مع الصلاة نعم المعين. |
﴿إِنَّ ٱلۡمُسۡلِمِينَ وَٱلۡمُسۡلِمَٰتِ وَٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡقَٰنِتَٰتِ وَٱلصَّٰدِقِينَ وَٱلصَّٰدِقَٰتِ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَٱلصَّٰبِرَٰتِ وَٱلۡخَٰشِعِينَ وَٱلۡخَٰشِعَٰتِ وَٱلۡمُتَصَدِّقِينَ وَٱلۡمُتَصَدِّقَٰتِ وَٱلصَّٰٓئِمِينَ وَٱلصَّٰٓئِمَٰتِ وَٱلۡحَٰفِظِينَ فُرُوجَهُمۡ وَٱلۡحَٰفِظَٰتِ وَٱلذَّٰكِرِينَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا وَٱلذَّٰكِرَٰتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغۡفِرَةٗ وَأَجۡرًا عَظِيمٗا ﴾ [الأحزاب: 35]
من دلائل الإقبال على الإيمان والإسلام الطاعةُ الناشئة عن رضا داخليٍّ وقناعة قلبيَّة. منزلة العبد من الإيمان هي منزلتُه من الصدق، فمَن ترقَّى جميع درجات الصدق فقد استكمل الإيمان. بالصبر يستعين المرء على تحقيق شرائع الإسلام الظاهر، وأعمال الإيمان الباطنة؛ إذ لا تُبلغ الأمورُ الكبار إلا على طريق المصابرة. تعاهَد قلبَك وجوارحك، فإن وجدت فيها هيبة وإجلالًا لله تعالى، ووقوفًا عند حدوده، فذلك من مبشرات المغفرة والأجر العظيم. ذِكر الله معينٌ على الصدق والصبر والخشوع والبذل والصوم، فمَن كان مكثرًا من ذكر ربِّه في لسانه وقلبه سهُل عليه أداء تلك العبادات. لولا مغفرةُ الله سبحانه لعباده لنقَصَ تقصيرُهم وتفريطهم من أجورهم، ولكنه تعالى، تفضُّلًا منه، يعفو عن الهفوات والزلَّات، ثم يُتبع عفوَه هذا بالأجر العظيم. |
﴿وَخُذۡ بِيَدِكَ ضِغۡثٗا فَٱضۡرِب بِّهِۦ وَلَا تَحۡنَثۡۗ إِنَّا وَجَدۡنَٰهُ صَابِرٗاۚ نِّعۡمَ ٱلۡعَبۡدُ إِنَّهُۥٓ أَوَّابٞ ﴾ [ص: 44]
انظروا إلى فضل الله تعالى على عباده الذين يبتليهم فيصبرون على محنه وبلائه، وترضى نفوسهم بقدَره وقضائه. فليتأسَّ بأيُّوبَ كلُّ مبتلًى، وليَرجُ من الله مثلَ الذي رجا، فإن رحمة الله بعباده واسعة، وما بينه وبين الإجابة إلا الدعاءُ وحُسن الإنابة. ما عرَف الشقاءَ مَن أُوتيَ قلبًا بصيرا، وعقلًا راجحًا كبيرا، فإنه يعلم أن عاقبة الصبر الفرَج. الفرَجُ قادمٌ لا محالةَ من حيثُ تدري أو لا تدري، فلا تَشغَل بالك به، ولكن أنِبْ واصبر. |
﴿قُلۡ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ فِي هَٰذِهِ ٱلدُّنۡيَا حَسَنَةٞۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَابٖ ﴾ [الزمر: 10]
هذا الخطابُ لك أنت أيُّها المؤمن، فلا تغترَّ بإيمانك وصلاحك، فإنك أولى الناس بالتقوى ومراقبة الله في السرِّ والعلن. ما أجزلَ جزاءَ الله، وما أوسعَ عطاءه؛ حسنةٌ في الدنيا القصيرةِ الأيام، يقابلها حسنةٌ في الآخرة دارِ البقاء والدوام! ليس لك من عُذر أيُّها المسلم في ترك الواجبات واقتراف المنكَرات، فإن أُرغمتَ على الباطل في مكان فأرضُ الله واسعة. يعلم الله مشقَّةَ الهجرة من الوطن، وكراهية النفوس للنأي عن الدار والأهل، فأعدَّ للمهاجرين في سبيله أجرًا دائمًا لا ينقطع. ثواب الصبر في الدنيا حسناتٌ في الآخرة بلا حدٍّ ولا عدٍّ، فأين الصابرون المتجلِّدون المحتسبون من هذا الأجر العظيم؟ |
﴿فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِٱلۡعَشِيِّ وَٱلۡإِبۡكَٰرِ ﴾ [غافر: 55]
مَن كان إيمانه بالله أكبر، ويقينه بموعوده من النصر والتمكين أوفر، كان صبرُه في النائبات أقوى، وتجلُّده في المُلمَّات أوفى. على المؤمن أن يكونَ تعظيمُ الله هو دأبَه في ليله ونهاره، فلا يَفتُر عنه، وسيأتي الله بالنصر من عنده متى شاء سبحانه. لا تتعجَّل النصرَ فإنه لا ريبَ آتٍ، ولكنْ أعِدَّ له أسبابه، والزَم الاستغفارَ فإنه من أسبابه، وكم من نصرٍ تأخَّر بسبب الذنوب! |
﴿فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ ﴾ [غافر: 77]
لا تشغل نفسَك بمصير أعداء الحقِّ والدين، فإنه جدُّ وخيم، ولكن اجتهد في الدعوة والثبات على الأمر القويم، والعاقبةُ لا ريبَ للمتَّقين. |
﴿وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ ﴾ [فصلت: 34]
مقابلة الإساءة بالإحسان سماحةٌ لا يَبذُلها إلا مَن عرَف ثواب الحسنة وأدرك فضلها، وأن لها أثرًا عميقًا في نفس العدوِّ، يَكبَح جِماحه، ويَسُلُّ الضغينة من قلبه، بل يَقلِبها مودَّة وأُلفة، فنسألك يا الله أن تَهدِيَنا للتي هي أحسنُ في أمورنا كلِّها. |
﴿وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ ﴾ [فصلت: 35]
مَن التزم العفوَ وآثر السَّماحة أثبت اسمَه في ديوان الصابرين، ونال شرف الحُظوة والاجتباء من ربِّ العالمين. |
﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ﴾ [الشورى: 43]
الصبر على المعتدي والعفوُ عنه عند المقدرة من شِيَم النفوس الكريمة، وآثار الأخلاق المستقيمة. |
﴿فَٱصۡبِرۡ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلۡعَزۡمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلَا تَسۡتَعۡجِل لَّهُمۡۚ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَ مَا يُوعَدُونَ لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا سَاعَةٗ مِّن نَّهَارِۭۚ بَلَٰغٞۚ فَهَلۡ يُهۡلَكُ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35]
مَن طالع سِيَر الصابرين قبله، ووقف على أخبارهم وثباتهم، هان عليه كلُّ ما يلقى من لأواءَ في هذا الطريق. إن العزم المحمود هو ما زكَّى النفسَ ورقَّاها عند ربِّها، وقِوامُه الصبر، وباعثه التقوى، وقوَّة شدَّته هي المراقبةُ والمحاسبة لهذه النفس. مَن استعجل أمرًا فاتته فضيلةُ الصبر التي هي أعظم أجرًا، وخيرٌ له ممَّا طلبه واستعجله. إن عذاب يومِ القيامة وشدَّته ليَنسى فيه الخِلُّ خليلَه، والحبيبُ حبيبَه، بل إن المرء يَذهَل فيه عن نفسه، فلا يتذكَّر كم كانت حياته التي قضاها، والمدَّة التي عاشها. إن عناية الله عزَّ وجلَّ وحِفظه مكفولةٌ لمَن حفظ أوامره وحدوده، أمَّا مَن زاغ عن هديه، وحاد عن أمره، فقد وكلَه الله إلى نفسه، فكان من الخاسرين. |
﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ ﴾ [محمد: 31]
تلك هي سُنَّة الله في عباده المؤمنين، يبتليهم بالمصائب؛ ليُظهرَ صدقَ الصادقين ويفضحَ كذبَ الكاذبين. مَن تعلَّق بربِّه ورضي به ظلَّ على عهده معه في جميع أحواله، في السرَّاء والضرَّاء، وفي المَنشَط والمكره. تَخرُج في البلاء مكنوناتُ الضمائر، وتظهر الأعمال واقعًا بعدما استوطنتِ السرائر. |
﴿فَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ ٱلشَّمۡسِ وَقَبۡلَ ٱلۡغُرُوبِ ﴾ [ق: 39]
طريقُ الدعوة محفوفٌ بالابتلاء، وألوان المصاعب والإيذاء، وعلى الدعاة أن يوطِّنوا أنفسَهم على الصبر في مقارعة الباطل. ممَّا يُعين الداعيةَ على التجلُّد والصَّبر، الصلاةُ ودوامُ التسبيح والذِّكر. |
﴿وَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعۡيُنِنَاۖ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48]
كلُّ من حملَ على عاتقه أمانةَ الدعوة إلى الله عليه أن يهيِّئَ نفسَه لمشاقِّ الطريق الطويل؛ بالاحتساب والصبر الجميل. أيها العبدُ، كن مع الله ولا تُبالِ، فمَن أحاطَه الله برعايته وحِفظه لم يضرَّه شيء. التسبيحُ ودوام الذِّكر يشحَذُ الهمَّة على الصبر، ويزيدُ من قُدرة المرء على التجلُّد والثَّبات؛ فما أحرانا أن نستمسكَ به. |
﴿فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ ﴾ [القلم: 48]
طريق الدعوة محفوفٌ بالعقَبات والمشاقِّ، يتطلَّب خوضُه الصبرَ والتجلُّد على كلِّ إيذاء وصدٍّ وإعراض. النصر والتمكينُ بيد الله تعالى وحدَه، وكلُّ شيء عنده بأجل، وعلى الدعاة المضيُّ في دعوتهم بعزيمة وهمَّة، دون استبطاء النجاح أو استعجال الثمرة. تداركُ الله عبدَه بالتوبة والغُفران، نعمةٌ وتوفيق من الكريم الرَّحمن، فأبقِ قلبك معلَّقًا بربِّك، ولو كنتَ من المقصِّرين المفرِّطين. |
﴿فَٱصۡبِرۡ صَبۡرٗا جَمِيلًا ﴾ [المعارج: 5]
خير ما يتسلَّح به المسلمُ سلاحُ الصبر؛ لثِقَل العِبء، ومشقَّة الطريق، وضرورة الثبات لبلوغ الهدف البعيد. يتجلَّى جمالُ الصبر بسكون الظاهر؛ بالثَّبات ورباطة الجأش، وبسكون الباطن؛ بالرِّضا والتسليم، وبرد اليقين. |
﴿وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرٗا جَمِيلٗا ﴾ [المزمل: 10]
امضِ في دعوتك على صراطٍ مستقيم، واصبِر على عقَبات المسير، واحذر أن يحرفَك المضلُّون بأباطيلهم إلى بنيَّات الطريق. لا يكون هجرك جميلًا حتى تترفَّعَ عن الغضب والانتقام، فرَبِّ نفسَك على الصبر، وتحلَّ بمكارم الأخلاق، مع الأعداء قبل الأولياء. |
﴿وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ ﴾ [المدثر: 7]
مَن صبر على مشاقِّ الدنيا لله، وهانت عليه، هوَّن الله عليه الآخرةَ بمشاهدها المُفزعة، وأهوالها الفظيعة. الصبر زادُ المؤمن النفيسُ في طريقه إلى الله، في معالجة شهَوات النفس وأهوائها، وفي صدِّ أعداء الدِّين والحقِّ. |
﴿فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا ﴾ [الإنسان: 24]
إن الله أكرمكم معشرَ المسلمين بالقرآن العظيم منهجًا ودستورًا، فاصبروا وصابروا على ما تلقَونه باستعصامكم به سبحانه، فإنه وليُّكم، وهو لا شكَّ ناصرُكم. في الأثر: (المرءُ على دينِ خَليلِه)، فلنحذَر من رفقة السُّوء؛ فإن طاعتَهم خسرانٌ ومَهلَكة. |
﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ ﴾ [البلد: 17]
مدارُ أمر الطَّاعات على أصلَين جليلَين؛ تعظيمِ أمر الله تعالى والتَّواصي بالصبر عليه، والشَّفقةِ على الضُّعفاء والتَّواصي برحمتهم. |
﴿إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ﴾ [العصر: 3]
بالإيمان والعمل الصَّالح يرتقي الإنسانُ بنفسه، وبالتَّواصي بالحقِّ والصبر يرتقي بغيره، وباجتماع الأربعة يسلَم من الخَسار، ويظفَر بالثِّمار. لا يقتصر نفعُ المؤمن على نفسه، ولكنَّه يعمُّ أهلَه وإخوانه والآخرين، فهو كدَوحةٍ وارفة الظلِّ يتفيَّأ بها كلُّ عابر، ويأكل من ثمَرها. في الأمر بالتَّواصي إرساخٌ لضرورة اجتماع أهل الإيمان على البِرِّ والتقوى، ﴿واصبِر نفسَكَ معَ الَّذينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بالغَداةِ والعَشِيِّ يُريدُونَ وَجهَه﴾ . التَّواصي بالحقِّ يقتضي أن تحرِصَ على صُحبة الأخيار؛ امثالًا لأمر النبيِّ الهادي ﷺ: «لا تُصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقي». قال الشافعيُّ رحمه الله: (لو ما أنزل الله على عباده حُجَّةً إلَّا هذه السُّورة لكفَتهُم). |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
بطلان عمل الكافرين الاصطفاء صفات الله تعالى الشيطان الله تواب الأخلاق الحب نور الميراث الفرق بين المؤمن والكافر
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Friday, December 27, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب