لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ولا تجعلوا قبري عيدًا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي ﷺ، يحمل توجيهات مهمة للأمة في سلوكها وتعلقها بنبيها ﷺ. وإليك الشرح المفصل له على النحو التالي:
### أولاً. نص الحديث ودرجته
النص: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلّوا عليّ فإنّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم».
الدرجة: الحديث رواه أبو داود في سننه، وأحمد في مسنده، والبيهقي، وغيرهم. وحسنه عدد من أهل العلم، منهم الألباني في "صحيح الجامع".

### ثانيًا. شرح المفردات
1- قبورًا: القبر مكان يُدفن فيه الميت، وهو خالٍ من الحياة والعبادة والنشاط. فشبّه النبي ﷺ البيت الذي لا يُصلى فيه ولا يُذكر الله فيه بالقبر في خلوّه من الحياة الطيبة والعبادة.
2- عيدًا: العيد هو الموعد الذي يتكرر ويتجمع الناس فيه للفرح والاحتفال. فنهى النبي ﷺ عن جعل قبره مكانًا للاجتماع الدوري والاحتفال كما يفعل في الأعياد.
3- تَبْلُغُنِي: أي تصل إليّ، ويُعلمني بها الله تعالى، فينالني أجرها وبركتها.

### ثالثًا. شرح الحديث
ينقسم الحديث إلى ثلاثة أوامر ونواهٍ عظيمة:
1. النهي الأول: «لا تجعلوا بيوتكم قبورًا»
* المعنى: هذا نهي عن تعطيل بيوت المسلمين من أداء الصلوات المفروضة فيها، خاصة صلاة النافلة والسنن الرواتب. فالبيت يجب أن يكون مكانًا للعبادة والذكر وقراءة القرآن، لا أن يكون مثل القبر الذي هو مهجور من العبادة وخالٍ من الحياة.
* المقصود: الحث على إحياء السنة بإقامة الصلاة في البيت، وخاصة النوافل، ليكون البيت مباركًا عامرًا بطاعة الله، وتنزل فيه الرحمة والسكينة.
2. النهي الثاني: «ولا تجعلوا قبري عيدًا»
* المعنى: هذا تحذير شديد من اتخاذ قبر النبي ﷺ مكانًا للاحتفال الدوري (كأن يأتيه الناس في وقت معين كل أسبوع أو كل عام) أو من البدع التي قد تقع عند القبور، مثل الطواف بها أو التمسح بها أو دعاء صاحبها من دون الله.
* المقصود: حماية جناب التوحيد، ومنع الغلو في شخص النبي ﷺ الذي نهى عنه، والحفاظ على السنة الصحيحة في زيارة القبور التي هي للاعتبار والدعاء للموتى، لا للابتداع والشرك.
3. الأمر: «وصلّوا عليّ فإنّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم»
* المعنى: بعد النهي عن الغلو البدعي عند قبره، أرشد النبي ﷺ أمته إلى الطريقة المشروعة للتعبير عن محبته واتباعه، وهي الإكثار من الصلاة والسلام عليه في كل وقت ومكان، وخاصة في الدعاء وفي التشهد في الصلاة.
* المقصود: بيان فضل الصلاة على النبي ﷺ وأنها تصل إليه ويستفيد منها هو شخصيًا، كما أن فاعلها يُثاب عليها عشرًا. وهذا من كرامات الله لنبيه حيث جعل سلام أمته وثناءها عليه يصل إليه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.

### رابعًا. الدروس المستفادة والعبر
1- الحث على عمارة البيوت بالطاعة: يجب على المسلم أن يجعل بيته مركزًا للعبادة، بإقامة الصلوات المفروضة والنوافل، وذكر الله، وقراءة القرآن، حتى لا يكون كالقبر المهجور.
2- التحذير من الغلو والبدع: يحرم الغلو في النبي ﷺ أو في الصالحين، واتخاذ قبورهم أعيادًا ومواسم للاحتفال، لما فيه من مخالفة للتوحيد ومقاصد الشريعة.
3- بيان الطريقة المشروعة لمحبته ﷺ: وهي متابعته وطاعته، والإكثار من الصلاة والسلام عليه في كل وقت، لا فقط عند زيارته أو في أوقات محددة مبتدعة.
4- إثبات كرامة النبي ﷺ بعد وفاته: حيث يصل إليه سلام أمته عليه ويُعلم به، مما يدل على علو منزلته عند ربه.
5- الجمع بين النهي عن المنكر والأمر بالمعروف: جمع النبي ﷺ في توجيهه بين نهي أمته عن أمرين ضالين، وإرشادهم إلى البديل الصحيح والمفيد.

### خامسًا. معلومات إضافية مفيدة
* فضل الصلاة على النبي ﷺ: وردت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي ﷺ، منها قوله ﷺ: «من صلى عليَّ صلاةً واحدةً صلى الله عليه بها عشرًا» رواه مسلم.
* حكم الصلاة في البيت: صلاة النافلة في البيت أفضل من الصلاة في المسجد النبوي إلا المسجد الحرام، لقوله ﷺ: «فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس، كفضل الفريضة على النافلة» (هو حسن).
* الفرق بين الزيارة الشرعية والبدعية: زيارة قبر النبي ﷺ مشروعة لتسليمه عليه والدعاء عنده، ولكن دون سفر خاص لذلك، ودون طواف أو التمسح بالقبر أو دعاءه من دون الله. فالزيارة تابعة للحج أو العمرة، وليست قصدًا مستقلًا بذاته.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون الق