فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه ﷺ والعمل بها.
هذا حديث عظيم رواه الإمام أحمد في مسنده، وفيه ينقل الصحابي الجليل طارق بن شهاب قصة حدثت معه ومع جماعة من الصحابة وهم مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ثم يذكر حديثاً للنبي ﷺ يتناول بعض علامات قرب الساعة.
### أولاً. شرح القصة (المقدمة التي ورد فيها الحديث)
● "كنا عند عبد اللَّه جلوسا": أي كنا جالسين في مجلس عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من كبار الصحابة وعلمائهم.
● "فجاء آذنه، فقال: قد قامت الصلاة": جاء خادمه الذي يؤذنه بالأمور، فأخبرهم أن الصلاة قد أقيمت.
● "فدخلنا المسجد، فرأى الناس ركوعا في مقدم المسجد": عندما دخلوا المسجد، وجدوا المصلين قد بدأوا الصلاة وهم في حالة ركوع في الصفوف الأمامية.
● "فكبر وركع، ومشينا وفعلنا مثل ما فعل": لم ينتظر عبد الله بن مسعود، بل أدرك الركعة بالتكبير مباشرة والانضمام إلى الركوع، وتبعوه في ذلك.
● "فمر رجل يسرع، فقال: عليكم السلام يا أبا عبد الرحمن": أثناء دخولهم، مر بهم رجل مسرع وسلم عليهم تحية الإسلام.
● "فقال: صدق اللَّه، وبلغ رسوله": رد عبد الله بن مسعود بهذه العبارة التي تقال عند ذكر شيء حق من أمور الدين، إشارة إلى أن هذا الفعل (التسليم في الصلاة) من الأمور التي أخبر عنها النبي ﷺ.
● "فلما صلينا رجع، فولج على أهله، وجلسنا في مكاننا ننتظره": بعد الصلاة، ذهب إلى بيته ودخل عليه، وبقوا ينتظرون عودته لسؤاله عن سبب قوله.
● "فسأله، فقال: عن النبي ﷺ قال...": هنا بدأ عبد الله بن مسعود يذكر الحديث النبوي الذي سمعه من رسول الله ﷺ.
### ثانياً. شرح الحديث النبوي
قال النبي ﷺ: «بين يدي الساعة تسليم الخاصة، وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وفشو القلم، وظهور الشهادة بالزور، وكتمان شهادة الحق».

---

# 1. شرح المفردات:

● بين يدي الساعة: أي قبل قيام الساعة، وهي علامات تدل على اقترابها.
● تسليم الخاصة: السلام على المعارف فقط دون غيرهم.
● فشو التجارة: انتشار التجارة وكثرة الاشتغال بها.
● تعين المرأة زوجها على التجارة: تشارك المرأة زوجها في العمل التجاري خارج البيت.
● قطع الأرحام: هجر الأقارب وعدم صلتهم.
● فشو القلم: كثرة الكتابة وانتشارها، وقيل: انتشار التأليف بغير علم، أو كثرة الكتب غير النافعة.
● ظهور الشهادة بالزور: شيوع شهادة الكذب في المحاكم وغيرها.
● كتمان شهادة الحق: إخفاء الشهادة الصادقة وعدم البوح بها.

---

# 2. شرح الحديث:

يذكر النبي ﷺ في هذا الحديث عدة علامات من علامات قرب الساعة، وهي أمور تحدث في المجتمع تدل على تغير الأحوال وفساد الذمم:
● تسليم الخاصة: أن يصبح السلام مقصوراً على المعارف والأصحاب فقط، دون عامة الناس، مما يدل على ذهاب روح الأخوة الإسلامية وانتشار الأنانية والقطيعة.
● فشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها: أي أن تصبح التجارة هي الهاجس الأكبر للناس، فيشغلهم الطمع والجشع عن ذكر الله والآخرة، حتى أن المرأة تترك واجباتها في بيتها وتخرج لتعمل في التجارة لمساعدة زوجها في زيادة المال.
● قطع الأرحام: أن يهجر الناس أقاربهم ولا يصلونهم، وهي من كبائر الذنوب، مما يدل على قسوة القلوب وعدم المبالاة بالعلاقات الأسرية.
● فشو القلم: كثرة الكتابة والتأليف بغير فائدة، أو نشر الكتب الضالة، أو الكتابة دون علم، مما يؤدي إلى انتشار الباطل.
● ظهور الشهادة بالزور: أي أن يشيع الكذب في الشهادات، فيشهد الإنسان زوراً لينصر باطلاً أو ليأكل حقاً، وهي من أكبر الكبائر.
● كتمان شهادة الحق: أن يعلم الإنسان الحق لكنه يكتمه خوفاً أو طمعاً، مما يؤدي إلى ضياع الحقوق وانتشار الظلم.

---

# 3. الدروس المستفادة:

- هذا الحديث يذكرنا بضرورة الاستعداد للساعة بالإيمان والعمل الصالح.
- التحذير من هذه الآفات الاجتماعية والأخلاقية، والسعي لإصلاح النفس والمجتمع.
- أهمية إفشاء السلام، فهو من خصائص الأمة الإسلامية.
- الحذر من الانشغال بالدنيا والتجارة عن الآخرة.
- الحث على صلة الرحم وبر الوالدين والأقارب.
- التحذير من الكذب في الشهادة وكتمان الحق، فهما من المهلكات.

---

# 4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تُعد من أشراط الساعة الصغرى، وقد ظهر كثير من هذه العلامات في زماننا.
- ينبغي للمسلم أن يتفقد نفسه ويحاسبها على هذه الأمور، ويحاول أن يكون مثالاً للصدق والأمانة والإخاء.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.