أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقرأ. هذا الحديث العظيم رواه الإمام أبو داود في سننه، وسأشرحه لك بعون الله وتوفيقه وفق النقاط المطلوبة.

---

1. شرح المفردات:

● قدم: عاد ورجع.
● غزوة تبوك أو خيبر: هما من غزوات النبي صلى الله عليه وسلم الكبرى.
● السَهوة: (بفتح السين) هي رفّ أو طاقة في الحائط تُوضع فيها الأشياء.
● ستر: قطعة قماش تستر ما خلفها.
● هبت ريح: عصفت وحركت الهواء.
● كشفت: رفعت وأظهرت.
● بنات لعائشة لعب: دمى أو العاب صغيرة على شكل بنات (فتيات) كانت تلعب بها السيدة عائشة وهي صغيرة.
● فرس له جناحان من رقاع: حصان صغير (لعبة) مصنوع من قطع القمش والخرق (الرقاع)، وله جناحان.
● نواجذه: الأنياب أو الأضراس الأمامية (أي رأى أسنانه من شدة الضحك).

---

2. شرح الحديث:

يحدثنا هذا الحديث الجميل عن جانب من جوانب حياة النبي صلى الله عليه وسلم الأسرية ومدى حنوه ورقته. فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم من إحدى الغزوات (تبوك أو خيبر) ودخل على زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها، والتي كانت لا تزال في سن الصبا تحب اللعب.
كان لدى السيدة عائشة دمى (عروس) صغيرة مخبأة خلف ستار على رف في البيت. فهبت ريح قوية كشفت جزءاً من الستر، فظهرت هذه الدمى للنبي صلى الله عليه وسلم. فسألها بلطف واستفسار محب: (ما هذا يا عائشة؟) فأجابته بأمانة وبراءة: (بناتي) أي دميها التي تلعب بها وتعتبرها كبناتها.
ثم لفت نظره صلى الله عليه وسلم شيء غريب بين هذه الدمى، وهو فرس (حصان) له جناحان مصنوعان من قطع القماش. فاستغرب من شكله وسألها: (ما هذا الذي أرى وسطهن؟) فأخبرته أنه فرس. ثم سأل عن الشيء البارز عليه: (وما هذا الذي عليه؟) فأجابت: (جناحان). فاستغرب صلى الله عليه وسلم من هذا المخلوق الخيالي وقال متعجباً: (فرس له جناحان؟).
فأجابته السيدة عائشة رضي الله عنها بذكاء وبراءة طفولية، مستشهدة بقصة من القرآن الكريم لتبرير خيالها: (أما سمعت أن لسليمان خيلا لها أجنحة؟) وهي إشارة إلى ما ورد في القرآن من أن الله سخر لسليمان عليه السلام الريح والطير وغيرها من المخلوقات، فاستخدمت هذا في ردها البريء.
فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن ضحك من براعة ردها وطرافة موقفها، حتى رأت السيدة عائشة أسنانه الأمامية (نواجذه) من شدة الضحك والسرور.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● الرحمة والرفق بالأطفال: يظهر الموقف رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ورقته وحسن تعامله مع الصغار، حيث لم يعنفها أو يزجرها على لعبها، بل حاورها بلطف وضحك لبراءتها.
● جواز اللعب للصغار: الحديث دليل على إباحة اللعب للبنات الصغيرات بما لا يتعارض مع الأدب الشرعي، كاللعب بالدمى التي ليس لها روح. وهذا من رحمة الإسلام وتوازنه.
● براعة السيدة عائشة وذكاؤها: حيث استدلت بقصة قرآنية للرد على استفساره، مما يدل على حسن تربيتها وفطنتها.
● البشاشة والضحك في البيت: الحديث يدل على مشروعية الضحك والمرح within الحدود الشرعية، وأن البيت المسلم يجب أن يكون مليئاً بالبشاشة والتفاهم لا بالعبوس والتشدد.
● الحوار الأسري الهادئ: أسلوب النبي صلى الله عليه وسلم في السؤال كان هادئاً واستفسارياً، ليس فيه تأنيب أو تعنيف، وهو قدوة في فن الحوار مع الصغار.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تبين الجوانب الإنسانية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي يغفل عنها الكثيرون. فهو ليس قائداً وعظيماً فحسب، بل هو زوج حنون وصاحب بشاشة وضحك.
- اللعب بالدمى التي ليس لها ملامح واضحة أو عيون (كبعض الدمى الحديثة) هو الأمر الجائز، أما التي لها ملامح كاملة فالأحوط تركها.
- ضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ليس مرة واحدة، بل في عدة مواقف، مما يدل على سعة صدقه وفرحه بما يرضي الله.
- قصة سليمان عليه السلام المشار إليها وردت في سورة ص الآية: 30-33، وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ.
أسأل الله أن يكون الشرح واضحاً ومفيداً، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.