سليمان يتوكأ على العصا والجن تعمل حوله

حديث: سليمان يتوكأ على العصا والجن تعمل حوله

روي عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: «كَانَ سُلَيمانُ نبيُّ اللهِ إذَا صَلَّى رأى شجرة نابتة بين يديه فيقول لها ما اسمك؟ فتقول كذا، فيقول: لأي شيء أنت؟ فإن كانت تُغْرَسُ غُرسَت، وإن كان لدواءٍ كُتبتْ، فبينما هو يصلي ذاتَ يَوم إذ رأى شجرةً بين يديه، فقال لها: ما اسمك؟ قالت: الخروب، قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت، فقال سليمان: اللهم عمِّ على الجن موتي؛ حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنَحَتَها عصا فتوكَّأ عليها حولًا ميتًا، والجن تعمل، فأكلتها الأرضة، فسقط، فتبينت الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين». قال: وكان ابن عباس يقرؤها كذلك، قال: فشكرت الجن للأرضة فكانت تأتيها بالماء.

حسن: رواه الطبري في تفسيره (١٩/ ٢٤٠)، وتاريخه (١/ ٥٠١)، والبزار (كشف الأستار ٢٣٥٥)، والطبراني في الكبير (١١/ ٤٥١)، والحاكم في المستدرك (٤/ ١٩٧)، وأبو نعيم في الحلية (٣/ ٣٠٤)، والضياء في المختارة (١٠/ ٢٩٠ - ٢٩١) كلهم من طريق إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس .

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم فيه قصة لنبي الله سليمان عليه السلام، أرويها لنا حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أولاً. شرح المفردات:

● نابتة: نابتة من النبت، أي نابتة نامية.
● تُغْرَسُ: تُزرع وتستعمل للغرس والزراعة.
● لدواء: للاستشفاء والتداوي.
● الخروب: نوع من الشجر معروف.
● لخراب هذا البيت: لهدم بيت المقدس.
● عمِّ على الجن موتي: استار موتي وأخفِه عن الجن.
● نَحَتَها عصا: حفر الخشب وصنع منها عصا.
● توكَّأ عليها: اعتمد عليها واستند.
● حولًا: سنة كاملة.
● الأرضة: دابة صغيرة تأكل الخشب (النمل الأبيض).
● في العذاب المهين: في العمل الشاق مع إذلال واستعباد.

ثانيًا. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن نبي الله سليمان عليه السلام، الذي جمع الله له بين النبوة والملك العظيم، وسخر له الجن والإنس والريح.
كان من عادة سليمان عليه السلام إذا صلى أن يسأل أي شجرة تنبت أمامه عن اسمها وفائدتها. فإذا كانت للغرس أمر بغرسها، وإن كانت للدواء أمر بتسجيلها والانتفاع بها في العلاج.
وفي يوم من الأيام، بينما هو يصلي، نبتت أمامه شجرة الخروب. فسألها عن اسمها، فأخبرته أنها "الخروب". فلما سألها: "لأي شيء أنت؟" أجابته بأنها مخلوقة "لخراب هذا البيت" أي لهدم بيت المقدس.
ففهم سليمان عليه السلام من هذا أن موته سيؤدي إلى انحلال ملكه واختلال أمر الجن، وربما يؤدي ذلك إلى خراب بيت المقدس. فدعا الله تعالى أن يخفي موته عن الجن حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب. فاستجاب الله دعاءه.
فأخذ سليمان عليه السلام غصنا من تلك الشجرة ونحته عصا يتوكأ عليها (أي يعتمد عليها قائماً). ومكث عليه السلام ميتاً متكئاً على عصاه حولاً كاملاً (سنة كاملة)، والجن لا تشعر بموته، بل تظل تعمل في بناء الأبنية وصناعة المحاريب والتماثيل كما كانت تأمر في حياته، ظانة أنه لا يزال حياً.
واستمر الأمر على هذا الحال حتى أكلت "الأرضة" (وهي دابة صغيرة) قاعدة العصا التي كان يتكئ عليها، فضعفت وسقط جسد سليمان عليه السلام إلى الأرض. عندها علمت الجن بموته، وعلم الإنس أن الجن لو كانوا يعلمون الغيب – كما كانوا يزعمون – لما استمروا سنة كاملة يعملون في العذاب المهين (أي في العمل الشاق والإذلال) وهم لا يعلمون أن من كان يسخرهم قد مات.
ثم يختم ابن عباس رضي الله عنهما الرواية بقوله أن الجن شكرت "الأرضة" على ما فعلت، فكانت تأتيها بالماء (أي تكرمها وتقوم على خدمتها) لأنها كانت سبباً في كشف موت سليمان وتحررهم من العمل الشاق.

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- إثبات نبوة سليمان عليه السلام وملكه العظيم: فقد سخر الله له الجن وأعطاه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده.
2- عصمة الأنبياء عن الكبائر: فسليمان عليه السلام لم يسجد للشجرة، بل سألها عن فائدتها وانتفع بعلمها.
3- أن الجن لا يعلمون الغيب: وهذا من أعظم الدروس، فالغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ومن ادعى أن الجن يعلمون الغيب أو أنهم يخبرون الناس بالمغيبات فقد كفر.
4- قدرة الله تعالى وعجائب مخلوقاته: فمن عجائب قدرته أن جعل شجرة تتكلم، وجعل نبيّه ميتاً قائماً حولاً كاملاً.
5- فضل الدعاء واستجابة الله لأنبيائه: فدعاء سليمان عليه السلام بالإخفاء استجابه الله لحكمة عظيمة.
6- أن الأعمال بالنيّات: فنية سليمان عليه السلام كانت لبيان الحقيقة للخلق، فحقق الله له ذلك.
7- بيان كذب المشركين والكهنة: الذين يدّعون أن الجن تخبرهم بالغيب، فهذه القصة دليل على بطلان زعمهم.

رابعًا. معلومات إضافية:

- هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وقال عنه: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي.
- القصة مذكورة في القرآن الكريم في سورة سبأ بشكل مجمل في قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14]. وهذا الحديث يشرح هذه الآية ويبين تفاصيلها.
- "مِنْسَأَتَهُ" في الآية هي عصاه.
- الحكمة من إخفاء موته عليه السلام هي قطع ادعاءات الجن الكاذبة، وإظهار عجزهم وجهلم، وتثبيت حقيقة أن علم الغيب لله وحده.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الطبري في تفسيره (١٩/ ٢٤٠)، وتاريخه (١/ ٥٠١)، والبزار (كشف الأستار ٢٣٥٥)، والطبراني في الكبير (١١/ ٤٥١)، والحاكم في المستدرك (٤/ ١٩٧)، وأبو نعيم في الحلية (٣/ ٣٠٤)، والضياء في المختارة (١٠/ ٢٩٠ - ٢٩١) كلهم من طريق إبراهيم بن طهمان، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس .. فذكره.
قال أبو نعيم: «غريب من حديث سعيد تفرد به عطاء».
وقال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وهو غريب بمرة من رواية عبد الله بن وهب عن إبراهيم بن طهمان فإني لا أجد عنه غير رواية هذا الحديث الواحد، وقد رواه سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير فأوقفه على ابن عباس».
قال الأعظمي: خالف إبراهيم بن طهمان سفيان بن عيينة فرواه عن عطاء عن سعيد عن ابن عباس موقوفا: أخرج حديثه البزار (كشف الأستار ٢٣٥٦)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (٢٠٧) بنحوه.
وقال البزار: «لا نعلم أسنده إلا إبراهيم وقد رواه جماعة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا.
قال الأعظمي: هو الراجح المحفوظ عن عطاء، فإن إبراهيم بن طهمان لم يُذكر من أصحابه القدماء بينما ابن عيينة ذكروا أنه ممن أخذ عنه قديما ولم يتفرد به بل توبع كما تقدم في كلام البزار.
وأيضا: جاء من وجه آخر عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس موقوفا: أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص ٣٧٨)، والحاكم في المستدرك (٤/ ١٩٨) كلاهما من طريق عبد الجبار بن عباس الهمداني، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس .. فذكره.
قال ابن كثير في البداية والنهاية (٢/ ٣٥٢): «وهذا أشبه بالصواب».
وقال: عطاء الخراساني في حديثه نكارة. كذا قال.
وعطاء بن السائب ليس هو الخراساني وإنما هو الثقفي الكوفي، مختلط إلا أن سفيان بن عيينة روى عنه قبل الاختلاط.
وأما عطاء الخراساني فهو ابن أبي مسلم أبو عثمان.
وسليمان عليه السلام هو النبي ابن النبي داود عليه السلام الذي خلفه على عرش بني إسرائيل فكان أعظم ملوكهم، وقد ملك أربعين سنة كما يقول أهل الكتاب وكان عصره عصر نجاح اقتصادي، ولم تكن هناك حروب تستنزف أموال الشعب. وفي أسفار التوراة مبالغات كثيرة في رقعة ملكه، وكثرة نسائه، وخدمه، وفرسه، ومراكبه. والله تعالى أعلم بالصواب. انظر: سفر
الملوك الأول (١٠: ١٤ - ٢٩).

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 161 من أصل 185 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: سليمان يتوكأ على العصا والجن تعمل حوله

📜 حديث: سليمان يتوكأ على العصا والجن تعمل حوله

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: سليمان يتوكأ على العصا والجن تعمل حوله

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: سليمان يتوكأ على العصا والجن تعمل حوله

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: سليمان يتوكأ على العصا والجن تعمل حوله

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية