عجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث الشريف وفق المنهج المطلوب:

---

الحديث باختصار:

يروي أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن أعرابيًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأكرمه النبي وحسن وفادته، ثم دعاه لزيارته مرة أخرى. فلما جاءه الأعرابي، أمره النبي أن يطلب حاجته، فطلب ناقة يركبها وعنزًا يحلبها أهله. فاستنكر النبي صلى الله عليه وسلم قلة همته وقصر نظره، وضرب له مثلاً بعجوز بني إسرائيل التي طلبت الجنة، ليعلمه أن يسأل الله تعالى من فضله العظيم.

---

1. شرح المفردات:

● أعرابيًّا: رجل من سكان البادية، معروف بجلادة الطبع وقلة التكلف، ولكن قد يغلب عليه الجفاء أحيانًا.
● أكرمه: أحسن استقباله وضيافته، وأعطاه ما يليق به من الإكرام والاحترام.
● عجزتم: هنا بمعنى: هل عجزت همتكم وقصرت أنفسكم عن طلب الفضل العظيم؟ (استفهام بمعنى التوبيخ والتقريع).
● عجوز بني إسرائيل: امرأة كبيرة السن من قوم موسى عليه السلام.
● موثقًا من الله: عهدًا ووعدًا مؤكدًا بأمر الله.
● أنضبوا هذا الماء: استنزفوه وأخرجوه حتى ينشف المكان.
● إذا الطريق مثل ضوء النهار: أي صار الطريق واضحًا جليًا بعد أن كانوا ضالين.

---

2. شرح الحديث:

● الموقف الأول (مع الأعرابي):
جاء رجل من البادية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقام النبي بأمر عظيم من أخلاق الإسلام وهو إكرام الضيف، حتى وإن كان بسيط الحال. ثم دعاه ليزوره مرة أخرى ليواصل إكرامه. وعندما حضر، شجعه النبي صلى الله عليه وسلم على الطلب والسؤال بقوله: «سل حاجتك»، ليعطيه من فضل الله.
لكن الأعرابي -وقصرت همته- لم يطلب إلا أمورًا دنيوية صغيرة، هي ناقة للركوب وعنز للحلب. فعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم وعلمه بأسلوب حكيم، usando قصة من الماضي لتصحيح المفاهيم.
● القصة العبرة (عجوز بني إسرائيل):
يذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة نبي الله موسى عليه السلام عندما همّ بخرج بقومه (بني إسرائيل) من مصر، فضلوا الطريق. فاكتشف أن سبب ضلالهم هو أن نبي الله يوسف عليه السلام قد أخذ عليهم عهدًا بألا يخرجوا من مصر حتى ينقلوا رفاته معهم تكريمًا له. لكنهم نسوا مكان قبره.
الشخص الوحيد الذي knew مكان القبر كان امرأة عجوز. فذهبوا إليها طالبين مساعدتها. لكنها اشترطت أن يكون "حكمها" أي طلبها وجزاؤها، هو أن تكون مع موسى في الجنة. استكبر موسى عليه السلام أن يضمن لأحد الجنة، لأن ذلك من علم الغيب وهو إلى الله تعالى. لكن الله أوحى إليه أن يعدها بذلك، لأنه قد كتب لها الخير والشفاعة. فدلتهم على مكان القبر، والذي كان مخفيًا تحت مستنقع ماء. فنزحوا الماء وحفروا حتى وجدوا عظام يوسف عليه السلام. وما إن رفعوها حتى انجلت عنهم الظلمة واهتدوا إلى الطريق.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- سمو الهمة في الدعاء والطلب: الدرس الأكبر هو عدم قصر الهمة في سؤال الله تعالى على أمور الدنيا الزائلة، بل ينبغي للمسلم أن يطلب من الله الفضل العظيم في الدنيا والآخرة، وأن يسأله الجنة ويستعيذ به من النار.
2- الحكمة في التعليم والموعظة: استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب القصة والعبرة لتوجيه الأعرابي وتصحيح خطئه بلطف وحكمة، دون توبيخ مباشر أو إحراج.
3- إكرام الضيف: الحديث يظهر خلق النبي صلى الله عليه وسلم في إكرام الضيف وحسن الاستقبال، وهو خلق إسلامي عظيم.
4- مكانة الصالحين: في القصة إشارة إلى تكريم الأنبياء والصالحين حتى بعد مماتهم، كما فعل يوسف عليه السلام بطلب نقل عظامه، وفعل بنو إسرائيل بتنفيذ وصيته.
5- قدرة الله وعظمته: القصة تظهر أن الهداية والضلال بيد الله تعالى، فهو الذي أضلهم حين نسوا وصية يوسف، وهو الذي هداهم عندما نفذوها.
6- قبول شفاعة الصالحين: قصة العجوز وإعطاؤها ما طلبت (بإذن الله) تدل على كرامة الصالحين عند الله وأنه قد يجيب دعاءهم ويقبل شفاعتهم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم الحديث: كما ذكر الحاكم، فالإسناد صحيح، وقد حسنه عدد من أهل العلم، والقصة لها شواهد في الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب إلا إذا ورد فيها نص شرعي، وقد وردت هنا مقرة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فتعتبر صحيحة.
● الجمع بين علم موسى وعدم علمه بمكان القبر: هذا من الأمور الغيبية التي لا نعلم حكمتها إلا الله. فقد يكون امتحانًا من الله لقومه، أو أن علم الأنبياء يكون بما يوحيه الله لهم، ولم يوح له بهذا الأمر إلا على لسان العجوز. والعبرة بالحدث وليس بالتساؤل عن الحكمة التي لا نعلمها.
● العبرة من القصة: العبرة ليست في تفاصيل القصة الإسرائيلية ذاتها، بل في المقصد الذي ضربه بها النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحث على سؤال الله تعالى الم