أعِدْ صلاتك لم تتم ركوعك ولا سجودك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النوعي الذي يرويه حرملة مولى أسامة بن زيد عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

---

الحديث:

عن حرملة مولى أسامة بن زيد أنه بينما هو مع عبد الله بن عمر إذ دخل الحجاج بن أيمن فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال: أعِدْ، فلما ولَّى قال لي ابن عمر: من هذا؟ قلت: الحجاج بن أيمن بن أم أيمن، فقال ابن عمر: لو رأى هذا رسول الله ﷺ لأحبَّه، فذكر حبَّه، وما ولدته أم أيمن.

---

1. شرح المفردات:

● حرملة مولى أسامة بن زيد: راوي الحديث، وهو عبدٌ لأسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنهما.
● الحجاج بن أيمن: هو ابن أيمن بن أم أيمن، وحفيد أم أيمن (بركة بنت ثعلبة) مولاة النبي ﷺ وحاضنته.
● لم يتم ركوعه ولا سجوده: أي صلى بخشوع لكنه لم يُطِل الركوع أو السجود كما يفعل البعض، بل أتى بهما على الوجه المشروع دون زيادة.
● أعِدْ: أمره ابن عمر بإعادة الصلاة، ظنًّا منه أن الصلاة لم تتم بشكل صحيح.
● لو رأى هذا رسول الله ﷺ لأحبَّه: تعبير عن محبة النبي ﷺ لمن يقتصد في العبادة ويتبع السنة.
● وما ولدته أم أيمن: إشارة إلى فضل أم أيمن وبركتها، فهي مولاة النبي ﷺ وحاضنته، وكانت من السابقات إلى الإسلام.

---

2. شرح الحديث:

يقع هذا الحديث في سياق تعليم الصحابة رضي الله عنهم لأبناء المسلمين وتصحيحهم للعبادات، مع بيان موقف النبي ﷺ من الاقتصاد في العبادة واتباع السنة.
● الموقف الأول: رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الحجاج بن أيمن يُصلي دون إطالة في الركوع أو السجود، فظن أنه لم يُتم الصلاة بشكل كاف، فأمره بإعادتها. وهذا يدل على حرص ابن عمر على تطبيق الصلاة كما رأى النبي ﷺ يفعلها، وخشيته من تقصير الناس في هيئاتها.
● الموقف الثاني: عندما عرف ابن عمر أن المصلي هو الحجاج بن أيمن بن أم أيمن (حفيد أم أيمن مولاة النبي ﷺ)، تراجع عن رأيه الأول، بل ذكّر بمحبة النبي ﷺ لمثل هذا الفعل، وقال: "لو رأى هذا رسول الله ﷺ لأحبَّه". والسبب في ذلك أن النبي ﷺ كان يحب الاعتدال في العبادة وكرَه التكلف والغلو فيها، وكان ينهى عن إطالة الركوع والسجود بما يشق على الناس.
● سبب المحبة: الحجاج بن أيمن صلى بخشوع لكن دون إطالة، وهذا هو هدي النبي ﷺ في الصلاة، حيث كان يُطيل الصلاة أحيانًا لكن دون مشقة، ويقول: "أفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ القُنُوتِ" (رواه مسلم)، لكنه أيضًا كان ينهى عن الإطالة التي تملُّ الناس أو تثقل عليهم. فمن صلى بخشوع وأدى الأركان دون غلوٍّ أو تقصير، فهو على السنة.
● ذكر فضل أم أيمن: قول ابن عمر: "وما ولدته أم أيمن" إشارة إلى بركة هذه المرأة الصالحة، فهي أم أيمن مولاة النبي ﷺ وحاضنته، وكانت من أهل الإيمان والتقوى، وقد رُزقت ذرية صالحة مثل أيمن بن أم أيمن (والد الحجاج) الذي استشهد في غزوة حنين، وحفيدها الحجاج الذي كان من التابعين الصالحين.

---

3. الدروس المستفادة:

1- الاقتصاد في العبادة واتباع السنة: النبي ﷺ كان ينهى عن الغلو في الدين، ويحب الاعتدال في العبادة، كما في قوله: "عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا" (رواه البخاري ومسلم). فالإطالة في الركوع والسجود إذا كانت تشق على المصلي أو تخرج بالصلاة عن هيئتها المشروعة، فإنها مكروهة.
2- حرص الصحابة على تعليم الناس: ابن عمر رضي الله عنهما كان حريصًا على تصحيح الصلاة، لكنه عندما عرف أن الحجاج بن أيمن صلى على السنة تراجع عن أمره بالإعادة، وهذا يدل على تواضعه واتباعه للحق.
3- فضل أم أيمن وذريتها: أم أيمن (بركة بنت ثعلبة) كانت من السابقات إلى الإسلام، وقد ربّت النبي ﷺ في صغره، وكان يبرها ويقول عنها: "هي أمي بعد أمي". فذريتها نالوا بركتها، وكان النبي ﷺ يحبهم لأجلها.
4- عدم التسرع في الحكم على الآخرين: ابن عمر رضي الله عنهما لم يعرف الرجل أول الأمر، فحكم على صلاته بأنها ناقصة، لكن عندما عرفه تراجع عن حكمه. وهذا درس في عدم التسرع في الحكم على عبادات الناس دون علم.
5- محبة النبي ﷺ لأهل السنة والاعتدال: النبي ﷺ كان يحب من يقتصد في عبادته ويتبع هديه دون غلوٍ أو تفريط.

---

4. معلومات إضافية:

● أم أيمن: هي بركة بنت ثعلبة الحبشية، مولاة النبي ﷺ وحاضنته، أسلمت قديمًا وهاجرت إلى المدينة، وتزوجها زيد بن حارثة رضي الله عنه، فولدت له أيمن (والد الحجاج) الذي استشهد في حنين.
● الحديث يدل على أن الاعتدال في العبادة هو الأصل: وقد وردت أحاد