من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وصححه الألباني، يرويه الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمل في طياته بشارة عظيمة ومواساة للمؤمنين، وخاصة في أوقات المحن والشدائد.

---

أولاً. شرح المفردات:

● أُحُد: اسم جبل في المدينة المنورة، وسميت به الغزوة التي وقعت بجواره بين المسلمين والمشركين.
● أصيب إخوانكم: أي قُتلوا واستشهدوا في غزوة أحد.
● في جوف طير خضر: أي داخل طيور خضراء اللون، والخضرة من ألوان نعيم الجنة.
● ترد أنهار الجنة: تذهب إلى أنهار الجنة وتشرب منها.
● تأوي إلى قناديل من ذهب: أي تذهب لتستريح عند مصابيح مضيئة مصنوعة من الذهب.
● معلقّة في ظل العرش: هذه القناديل معلقة في مكان مبارك تحت عرش الرحمن.
● طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم: حلاوة ما يأكلون ويشربون ويستريحون فيه.
● ليزهدوا في الجهاد: كي لا يتوقفوا عن الجهاد أو يقل حماسهم له.
● ولا ينكلوا عند الحرب: أي لا يجبنوا أو يتراجعوا عند لقاء العدو.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن حالة الشهداء الذين قُتلوا في غزوة أحد، وكيف أن الله تعالى قد كرمهم بعد استشهادهم، فجعل أرواحهم في طيور خضراء (واللون الأخضر من ألوان الجنة ورمز للخير والرحمة)، تسرح وتسرح في الجنة، تأكل من ثمارها، وتشرب من أنهارها، وتستظل وتستريح عند قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، وهو مكان عظيم الجلال والكرامة.
ثم يبين الحديث أن هؤلاء الشهداء، وهم في هذه النعمة المقيمة، تذكروا إخوانهم الذين ما زالوا في الدنيا، وخافوا أن يفتنوا أو يضعفوا عن الجهاد إذا لم يعلموا بمصير الشهداء، فسألوا: من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء عند الله نرزق، نأكل ونشرب ونتمتع بنعيم الجنة، حتى لا يتوقفوا عن الجهاد خوفاً من الموت، ولا يجبنوا عند لقاء العدو؟
فأجابهم الله تعالى - وهو أكرم الأكرمين - بأنه يتكفل هو بنفسه بإبلاغ هذه البشرى لأهل الأرض، فأنزل القرآن يتلى إلى يوم القيامة، مبيناً حال الشهداء وأنهم أحياء يرزقون، في سورة آل عمران: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظم مكانة الشهيد عند الله: فهذا الحديث يصور ما أعده الله للشهداء من كرامة ونعيم مقيم فور استشهادهم، مما يدل على فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله.
2- حياة البرزخ للشهداء: الشهداء أحياء حياة برزخية خاصة، يَرِزُقهم الله من فضله، وهم في طير خضر تسرح في الجنة حيث تشاء، وهذا من تمام كرامتهم.
3- حرص الصالحين على نفع إخوانهم: حتى في نعيم الجنة، لم ينس الشهداء إخوانهم المجاهدين في الدنيا، بل حرصوا على أن يصلهم خبر نعيمهم ليثبتوا ويواصلوا الجهاد.
4- عناية الله تعالى بأهل الإيمان: حيث استجاب الله لدعاء الشهداء وتكفل بنفسه بإبلاغ البشرى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عبر القرآن الخالد.
5- الحث على الثبات في الجهاد: الحديث يحث المسلمين على عدم التخوّف من الموت في سبيل الله، لأن ما بعدها نعيم وخير للمؤمن.
6- التسليم بقدر الله: رغم ما حصل في أحد من مصيبة واستشهاد عدد من الصحابة، إلا أن الله عوضهم خيراً في الآخرة، وهذا يربي المؤمن على الرضا بقضاء الله وقدره.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث يدل على أن أرواح الشهداء ليست في أعلى الدرجات فحسب، بل هي في نعيم خاص وسعة ورحمة.
- القناديل المعلقة في ظل العرش تدل على علو منزلتهم وقربهم من الله تعالى.
- هذا النعيم للشهداء هو نعيم روحي برزخي قبل قيام الساعة، وأما بعد القيامة فسيدخلون الجنة بأجسادهم كاملة.
- ينبغي للمسلم أن يستحضر هذه المعاني عند المصائب، خاصة إذا مات أحد في سبيل الله أو في ظروف فيها ابتلاء، فإن الله يعوض الصابرين خيراً في الدنيا والآخرة.
أسأل الله أن يجعلنا من الشهداء في سبيله، وأن يتقبل منا الصالحات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.