لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف الذي رواه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، مع بيان مفرداته ودروسه المستفادة:

---

الحديث:

عن جابر بن عبد الله يقول: قال لي رسول الله ﷺ: «لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا» ثلاثًا، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله ﷺ، فلما قدم على أبي بكر أمر مناديا فنادى: من كان له عند النبي ﷺ دين أو عدة فليأتني. قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي ﷺ قال: «لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا» ثلاثًا. قال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك، فسألته فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني. فقال: أقلت تبخل عني؟ وأي داء أدوأ من البخل، قالها ثلاثًا، ما منحتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك.
وعن عمرو، عن محمد بن علي، سمعت جابر بن عبد الله يقول: جئته، فقال لي أبو بكر: عدّها، فعددتها، فوجدتها خمس مائة، فقال: خذ مثلها مرتين.

---

1. شرح المفردات:

● مال البحرين: المقصود به الغنائم أو الزكاة التي جاءت من منطقة البحرين بعد فتحها.
● هكذا وهكذا: إشارة باليد إلى الكمية، وهي تعبير عن العطاء الكثير دون تحديد.
● قبض رسول الله ﷺ: أي توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
● عدة: وعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى عطاء أو هبة.
● منحتك: أي أعطيتك أو بذلت لك.
● عدّها: أحصها أو اعددها.

---

2. شرح الحديث:

يبدأ الحديث بذكر وعد النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بأنه لو جاء مال البحرين (أي الغنائم أو الأموال التي تأتي من هناك) ليعطيه مقدارًا كبيرًا (هكذا وهكذا)، وقد كرر النبي هذا الوعد ثلاث مرات تأكيدًا له.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم توفي قبل أن يصل مال البحرين، فلم يتمكن من الوفاء بوعده في حياته.
عندما وصل مال البحرين في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، نادى منادي أبي بكر بأن من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين (أي حق مالي) أو عدة (وعد) فليأتِ إليه.
فجاء جابر إلى أبي بكر وأخبره بالوعد النبوي، فصدقه أبو بكر وأعطاه على الفور.
ثم يروي جابر أنه بعد ذلك التقى بأبي بكر ثلاث مرات يطلب منه العطاء، فلم يعطه في كل مرة، حتى قال له جابر: إما أن تعطيني أو تبخل عني!
فانزعج أبو بكر من كلمة "تبخل" لأن البخل صفة ذميمة، وقال: "أي داء أدوأ من البخل" مكررًا ذلك ثلاث مرات، موضحًا أنه كلما منحه (أي أعطاه) كان يريد أن يعطيه أكثر، لكن الظروف لم تكن تسمح بذلك.
وفي رواية عمرو عن محمد بن علي: أن أبا بكر طلب من جابر أن يعد المال الذي أعطاه إياه، فوجده خمسمائة درهم (أو دينار)، فقال له أبو بكر: خذ مثلها مرتين، أي أعطاه ألفًا أخرى.

---

3. الدروس المستفادة:

● وفاء النبي صلى الله عليه وسلم بالوعد: حتى بعد وفاته، فقد أوصى أصحابه بالوفاء بوعوده، وهذا من كمال أخلاقه.
● صدق الصحابة وثقتهم ببعضهم: أبو بكر صدق جابرًا دون تردد، وهذا يدل على قوة العلاقة بين الصحابة وثقتهم فيما ينقلونه.
● ذم البخل: كلمة أبي بكر "أي داء أدوأ من البخل" توضح أن البخل مرض خطير يجب على المسلم تجنبه.
● كرم أبي بكر وحكمته: أعطى جابرًا أكثر مما طلب، وهذا من كرمه وحكمته في التعامل مع الناس.
● الأمانة في نقل الحديث: جابر روى الحديث بدقة، وهذا يعلمنا أهمية الأمانة في النقل.
● الوفاء بالدين والوعد: يجب على المسلم الوفاء بما عليه من ديون أو وعود، حتى بعد وفاة الشخص.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، مما يدل على صحته وقوته.
- قصة مال البحرين مرتبطة بفتح البحرين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أرسل العلاء الحضرمي ليجبي الزكاة من أهلها.
- أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان حريصًا على تنفيذ وصايا النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من أسباب تسميته "الصديق" لتصديقه لكل ما جاء عن النبي.
- الحديث يعلمنا أيضًا أدب طلب الحق، حيث كان جابر مؤدبًا في مطالبته، وأبو بكر كان حكيمًا في رده.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يوفقنا للاقتداء به وبصحابته الكرام.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.