من أنفق ثيب في المدينة

حديث: من أنفق ثيب في المدينة

عن أنس قال: خطب النبي ﷺ على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها، فقال: حتى أستأمر أمها. فقال النبي ﷺ: «فنعم إذا» قال: فانطلق الرجل إلى امرأته، فذكر ذلك لها، فقالت: لا ها اللهِ إذا، أما وجد رسول الله ﷺ إلا جليبيبا، وقد منعناها من فلان وفلان، قال: والجارية في سترها تستمع، قال: فانطلق الرجل يريد أن يخبر النبي ﷺ بذلك، فقالت الجارية: أتريدون أن تردوا على رسول الله ﷺ أمره؟ ! إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه، قال: فكأنها جلت عن أبويها، وقالا: صدقتِ. فذهب أبوها إلى النبي ﷺ، فقال: إن كنت قد رضيته فقد رضيناه. قال: «فإني قد رضيته» فزوَّجَها.
ثم فَزعَ أهل المدينة، فركب جليبيب، فوجدوه قد قُتِلَ وحوله ناسٌ من المشركين قد قتلهم. قال أنس: فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق ثَيِّبٍ في المدينة.

صحيح: رواه أحمد (١٢٣٩٣)، عن عبد الرزاق - وهو في مصنفه (١٠٣٣٣) - حدثنا معمر، عن ثابت البناني، عن أنس فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، يحمل دروساً عظيمة في التواضع، وثبات القلب، وحسن الظن بالله ورسوله، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بحول الله وقوته.

أولاً. شرح المفردات:

● جليبيب: رجل من الصحابة رضي الله عنه، كان فقيراً، قليل الحسب والنسب في نظر الناس، لكنه عظيم عند الله.
● خطب: طلب الزواج.
● حتى أستأمر أمها: حتى آخذ رأي أمها.
● لا ها اللهِ إذا: كلمة رفض وتعجب، يعني: لا والله، لا نريد ذلك.
● منعناها من فلان وفلان: رفضنا تزويجها من رجال ذوي مكانة ومال.
● في سترها: خلف حجابها، في مكانها.
● جَلَت عن أبويها: أي هَزَّتْهما وأثارت إعجابهما.
● فَزعَ أهل المدينة: خافوا من عدوٍّ هاجمهم.
● أنفق ثَيِّب: أكثر الأزواج إنفاقاً عليها وأكرمهم معاملة. والثيب: هي المرأة التي سبق لها الزواج.

ثانياً. شرح الحديث:

1- الموقف الأول: العرض والتردد:
- يتوسط النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه ليزوِّج جليبيباً - وهو رجل فقير قليل الشأن في أعين الناس - من فتاة من الأنصار.
- يرد الأب بأدب: "حتى أستأمر أمها"، فيوافق النبي صلى الله عليه وسلم بأدبه الجم: «فنعم إذا».
- ترفض الأم بشدة، متعجبة: كيف يخطبها رجل فقير مثل جليبيب بعد أن رفضوا رجالاً أغنياء؟!
2- الموقف الثاني: حكمة الفتاة وإيمانها:
- الفتاة تسمع الكلام من خدرها، فتعترض على رفض والديها بأدب وحكمة.
- تستنكر قائلة: "أتريدون أن تردوا على رسول الله أمره؟!" أي كيف ترفضون اختيار رسول الله؟!
- ثم تعلن رضاها بقولها: "إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه". هذه كلمة إيمان وثقة في نبي الله صلى الله عليه وسلم.
3- الموقف الثالث: القبول والزواج:
- الأبوان يندهشان من حكمة ابنتهما وإيمانها، فيوافقان فوراً.
- يذهب الأب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: "إن كنت قد رضيته فقد رضيناه"، فيؤكد النبي رضاه عنه، ويتم الزواج.
4- الموقف الرابع: البطولة والفداء:
- يهاجم عدو المدينة، فيخرج جليبيب للدفاع ويستشهد.
- يُعثر عليه وقد قتل حوله مجموعة من المشركين، مما يدل على شجاعته وبطولته.
- يختم أنس رضي الله عنه القصة بالإشادة بهذا الزوج، قائلاً: "وإنها لمن أنفق ثيب في المدينة"، أي كان من أكرم الأزواج معها وأسخاهم.

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1- عدم النظر للمظاهر الدنيوية: فجليبيب كان فقيراً في أعين الناس، لكنه كان غنياً عند الله بالإيمان والشجاعة، وهذا هو المقياس الحقيقي.
2- ثمرة حسن الظن بالله ورسوله: الفتاة لم تنظر لحال جليبيب المادي، بل نظرت إلى رضا رسول الله عنه، فكانت العاقبة حميدة.
3- فضل التوكل على الله في اختيار الزوج: ليس المال أو الجاه، بل التقوى والإيمان هما أساس السعادة الزوجية.
4- الشجاعة والإقدام: استشهاد جليبيب بعد قتله لعدد من المشركين يدل على بطلته، وهو الذي استهان به الناس أولاً.
5- أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم: حتى عند الرفض كانوا بأدب: "حتى أستأمر أمها"، و"لا ها الله إذا" بصيغة غير مباشرة.
6- حكمة المرأة وإيمانها: الفتاة كانت أعقل من والديها في هذا الموقف، وهذا يدل على أن الرشد ليس محصوراً في الكبر أو الجنس.

رابعاً. معلومات إضافية:

● مصدر الحديث: رواه الإمام أحمد في "مسنده"، وهو حديث صحيح.
● العبرة من القصة: السعادة الزوجية ليست في المال أو الجاه، بل في التقوى والبركة التي يجلبها صلاح الزوجين.
● جليبيب نموذج للإيمان الخفي: كان مجهولاً بين الناس، لكنه معروف عند الله ورسوله، وهذا درس في عدم احتقار أي مؤمن.
أسأل الله أن يرزقنا حسن الظن به وبرسوله، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (١٢٣٩٣)، عن عبد الرزاق - وهو في مصنفه (١٠٣٣٣) - حدثنا معمر، عن ثابت البناني، عن أنس فذكره. وإسناده صحيح.
وصحّحه أيضا ابن حبان من هذا الوجه (٤٠٥٩).

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 343 من أصل 643 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من أنفق ثيب في المدينة

📜 حديث: من أنفق ثيب في المدينة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: من أنفق ثيب في المدينة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: من أنفق ثيب في المدينة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: من أنفق ثيب في المدينة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية