اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تُبيّن فضل الصحابة وعمق فهمهم للدين، وخاصة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

---

أولاً. شرح المفردات:

● قحطوا: أصابهم القحط، وهو انقطاع المطر وجدب الأرض.
● استسقى: طلب السقيا، أي طلب نزول المطر من الله تعالى بصلاة الاستسقاء أو الدعاء.
● نتوسل إليك: نتقرّب إليك ونطلب سبباً للقربى والقبول.
● بعم نبينا: أي بالعباس بن عبد المطلب، عم النبي صلى الله عليه وسلم.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، عن موقف عظيم حدث في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
كانت البلاد تمر بجفاف شديد وانقطاع للمطر، فخرج عمر والمسلمون ليصلوا صلاة الاستسقاء ويدعوا الله أن يغيثهم بالمطر. ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم، فقد انتقل إلى الرفيق الأعلى.
وهنا يظهر فقه عمر رضي الله عنه وعمق فهمه للدين. لقد تذكر أن الصحابة كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا قحطوا يتوسلون بدعائه وبركته، فيسقيهم الله على يديه.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد توفي، فماذا يفعلون؟
لم يتوسل عمر رضي الله عنه بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذهب إليه ليدعو عنده، فهذا لم يفعله الصحابة أبداً. بل نظر إلى من بقي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذين فيهم خير وبركة، وكان العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال حياً، وهو من كبار الصحابة وأجلائهم، وكان معروفاً بالصلاح والخير.
فأخذ عمر رضي الله عنه بيد العباس، وجعله وسيلة تقرب إلى الله، ليس لذاته، ولكن لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم وصلاحه، ودعا الله قائلاً:
"اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا".
فاستجاب الله دعاءهم، وأنزل المطر عليهم.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- حسن فهم الصحابة للتوحيد: فهم عمر رضي الله عنه أن التوسل المشروع هو التوسل بالعمل الصالح أو بالدعاء من الرجل الصالح الحي الحاضر، وليس التوسل بذوات الأشخاص أو قبورهم بعد موتهم. فالتوسل بالعباس كان لأنه حي حاضر، وليس لأنه ميت أو لذاته.
2- التوسل المشروع وغير المشروع: الحديث يفرق بين نوعين من التوسل:
* التوسل المشروع: وهو التوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، أو بالإيمان والعمل الصالح، أو بدعاء الرجل الصالح الحي الذي ترجى إجابة دعوته. وهذا ما فعله عمر.
* التوسل غير المشروع (البدعي): وهو التوسل إلى الله بذات شخص (حيّ أو ميت) أو جاهه أو حقه، كمن يقول: "اللهم إني أسألك بجاه النبي". وهذا لم يفعله عمر ولا الصحابة، بل توسلوا بدعاء العباس الحي، لا بذاته أو جاهه.
3- بركة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث показывает مكانة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وتكريم الصحابة لهم، ولكن ضمن الضوابط الشرعية دون غلو.
4- الفقه في الدين والاجتهاد في مواطن الحاجة: عمر رضي الله عنه اجتهد في سبب جديد للتقرب إلى الله في ظرف جديد، وهو وجود قحط بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ييأس بل بحث عن البديل الشرعي.
5- إثبات قدرة الله واستجابة الدعاء: الحديث دليل على أن الله قريب مجيب لدعاء عباده، خاصة عند اجتماعهم على الخير والبركة.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه هو عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأسن منه بثلاث سنوات، وأسلم قبل فتح مكة وكتم إسلامه، ثم هاجر إلى المدينة. كان من أجمل الناس وأكرمهم، وتوفي في خلافة عثمان رضي الله عنه.
- هذا الحديث هو من أكبر الأدلة التي يستدل بها العلماء على تفريق الصحابة بين التوسل المشروع والبدعي، وأنهم لم يكونوا يتوسلون بقبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
أسأل الله أن يرزقنا الفقه في الدين، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.