استيقظ رسول الله يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشر الآيات الخواتم من

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه، وفيه دروس عظيمة وعبر جليلة. وإليك الشرح المفصل:

---

أولاً. شرح المفردات:

● بات ليلة: مكث يبيت تلك الليلة.
● ميمونة: هي ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، آخر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
● عرض الوسادة: الجانب القصير أو الضيق من الوسادة.
● طولها: الجانب الطويل من الوسادة، وهو المكان الأوسع والأكثر راحة.
● يَمْسَحُ النومَ عن وجهه: يزيل أثر النوم وعلاماته بيده الكريمة.

---

ثانيًا. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نام ليلة في بيت خالته أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها.
1- تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وكرم أخلاقه:
- اضطجع ابن عباس في "عرض الوسادة" وهو المكان الضيق وغير المريح، بينما اضطجع النبي صلى الله عليه وسلم وأهله في "طولها" وهو المكان الواسع المريح. وهذا يدل على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن ضيافته للصغير، حيث تركه في المكان الأفضل ولم يأمره بالانتقال، بل تكيف مع الوضع.
2- قيام الليل وعبادة النبي صلى الله عليه وسلم:
- نام النبي صلى الله عليه وسلم أول الليل، ثم استيقظ في وقت منتصف الليل تقريبًا. وهذا هو هديه صلى الله عليه وسلم في النوم، حيث كان يقسم الليل إلى ثلاثة أجزاء: جزء للنوم، وجزء للقيام، وجزء لأهله.
- لم يكن نومه صلى الله عليه وسلم غفلة أو تفريطًا، بل كان نوماً تستريح فيه الجوارح لتقوى على العبادة، وهو نوم الأتقياء الذي يعقبه ذكر وطاعة.
3- هديه صلى الله عليه وسلم عند الاستيقاظ:
- كان أول ما يفعله عند الاستيقاظ أن يجلس ويمسح النوم عن وجهه بيده. وهذا من السنة النبوية، حيث يزيل آثار النوم ويعيد النشاط والتركيز.
4- تلاوة القرآن وتدبره:
- لم يبدأ صلى الله عليه وسلم يومه بأي شيء قبل ذكر الله تعالى. فبدأ بتلاوة القرآن، وتحديداً الآيات الخواتيم من سورة آل عمران (من الآية 190 إلى 200).
- اختيار هذه الآيات بالذات له دلالة عميقة، فهي تحتوي على:
● الدعوة إلى التفكر في خلق السماوات والأرض، وهو أعظم باب لمعرفة الله وتوحيده.
● ذكر صفات أولي الألباب (أصحاب العقول) الذين يتفكرون فيخلق الله ويستدلون به على عظمته.
● أمر بالصبر والمصابرة والمرابطة والتقوى، وهي من أعظم الأسلحة التي يحتاجها المؤمن في حياته، خاصة في أوقات الشدة والظلام (كوسط الليل).

---

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- التواضع وخفض الجناح: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع الصغير وتركه المكان الأفضل، درس في التواضع وحسن المعاشرة.
2- أهمية قيام الليل: فهو من أعظم القربات، وكان دأب النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين.
3- بدء النهار بالطاعة: استقبال اليوم بتلاوة القرآن والذكر يبارك فيه ويجعله في حفظ الله.
4- التدبر والتفكر: القرآن لم ينزل للهذ والتلاوة فقط، بل للتدبر والعمل. وهذه الآيات تحث على التفكر في الكون لتعزيز الإيمان.
5- الاستعداد الدائم: الآيات التي قرأها النبي صلى الله عليه وسلم تحث على الصبر والمرابطة (أي الحراسة والثبات على الدين)، وكأنه يستعد بهذه التلاوة لمواجهة أي تحديات في يومه.
6- التأديب مع الصغار: النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤنب ابن عباس أو يأمره بالانتقال، بل تحمل ضيق المكان، مما يعلمنا الرحمة والتأديب بالقدوة لا بالعنف.

---

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

● فضل هذه الآيات: ورد في بعض الأحاديث فضل خاص لهذه الآيات، وأن من قرأها آخر الليل كتب له أجر قيام ليلة.
● ابن عباس وحبه للعلم: هذه القصة من قصص حرص ابن عباس رضي الله عنه على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم أدق细节 من سيرته، حتى وهو نائم، مما جعله بعد ذلك "ترجمان القرآن" وحبر الأمة.
● السنة العملية: يستحب للمسلم إذا استيقظ من نومه أن يمسح وجهه بيده، ثم يقرأ آخر عشر آيات من سورة آل عمران أو ما تيسر من القرآن.
أسأل الله أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.