اللهم متعني بسمعي وبصري واجعلهما الوارث مني

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونرى. هذا حديث شريف فيه دعوات عظيمة كان النبي ﷺ يداوم عليها، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً إن شاء الله.
### أولاً. نص الحديث وروايته
الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقال التمذي: "هذا حديث حسن".
وفي رواية أخرى عند الإمام أحمد: «اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، وانصرني على من يظلمني، وخُذ منه بثأري، وأرني فيه ثأري».

### ثانياً. شرح المفردات
● متعني: أبقِهما لي صالحين سليمين، وأنعم عليّ بالانتفاع بهما في طاعتك.
● بسمعي وبصري: حاستي السمع والبصر، وهما من أعظم النعم.
● الوارث مني: أي اجعلهما آخر ما يفارق جسدي عند الموت، فالبصر يرى الشهادة، واللسان يذكر الله، فكأنهما ورثا البقاء بعد ذهاب سائر القوى.
● انصرني على من يظلمني: أيدني واخذل من اعتدى عليّ وظلمني.
● خذ منه بثأري: انتقم لي ممن ظلمني وأخذ حقي.
● أرني فيه ثأري: اجعلني أشاهد انتقامك منه في الدنيا قبل الآخرة، لتقر عيني.

### ثالثاً. شرح الحديث والدعوات المشتملة عليه
اشتمل هذا الدعاء النبوي على أربع طلبات عظيمة، كل واحدة منها تحمل معاني عميقة:
1- «اللهم متعني بسمعي وبصري»:
- هذا طلب لله تعالى أن يحفظ له هاتين النعمتين العظيمتين، وأن يبارك له فيهما، ويجعل الانتفاع بهما قائماً حتى آخر لحظة في عمره.
- السمع والبصر هما البابان الرئيسيان للمعارف والعلوم، وهما أداة للتعلّم والتذكر والتدبر في خلق الله. فسؤال الله أن يتمتع بهما هو سؤال للاستمرار في طاعة الله من خلالهما.
2- «واجعلها الوارث مني»:
- هذا دعاء عجيب، حيث يسأل الله أن يجعل سمعه وبصره آخر ما يعمل في جسده عند الموت. فالإنسان عندما يحضره الموت، تذهب قواه واحدة تلو الأخرى، وآخر ما يذهب غالباً هو السمع (كما ورد في بعض الآثار).
- ومعناه أيضاً: أن يبقى سمعه يسمع كلمة التوحيد، وبصره ينظر إلى ما يسرّه حتى يلقى الله وهو في أحسن حال.
3- «وانصرني على من يظلمني»:
- هنا يلتجئ النبي ﷺ إلى ربه طالباً النصرة على أعدائه الذين يظلمونه ويؤذونه. ومع أنه ﷺ كان بإمكانه الدعاء عليهم بالهلاك، إلا أنه كان يدعو بهذا الدعاء الذي يجمع بين طلب النصرة والعدل.
- وهو تعليم للأمة أن تلجأ إلى الله عند الظلم، فلا تثأر لنفسها بيدها، بل تتوكل على نصر الله تعالى.
4- «وخذ منه بثأري، وأرني فيه ثأري»:
- «خذ منه بثأري»: أي انتقم لي منه انتقاماً عادلاً.
- «أرني فيه ثأري»: أي اجعلني أشاهد انتقامك منه في الدنيا، مما يسبب فرح القلب وطمأنينته، ويشعر الظالم بقوة الله وأنه لا يغيب عن شيء.
- وهذا ليس حقداً، بل هو تحقيق للعدل وردع للظالمين، وإظهار لعزة المؤمن بالله.

### رابعاً. الدروس المستفادة والفوايد
1- الحفاظ على النعم: الحديث يعلّمنا أن ندعو الله أن يحفظ علينا نعمه، وأعظمها نعمة السمع والبصر، وأن نستخدمها في ما يرضيه.
2- الاستعداد للقاء الله: الدعاء بأن تكون حواسنا عاملة بطاعة الله حتى آخر لحظة في الحياة، هو استعداد للقاء الله بأحسن حال.
3- اللجوء إلى الله عند الظلم: вместо الانتقام الشخصي أو الغضب غير المنضبط، يعلّمنا النبي ﷺ أن نلجأ إلى الله ونطلب منه النصرة والانتقام من الظالم.
4- العدل وليس الانتقام: في الدعاء بطلب الثأر، ليس المقصود التشفي أو الظلم المقابل، بل تحقيق العدل الإلهي، الذي يردع الظالم ويأخذ للمظلوم حقه.
5- حسن الظن بالله: هذا الدعاء يدل على ثقة النبي ﷺ بنصرة الله وحكمته وعدله، وهو درس لنا لنثق بأن الله لن يضيع حقاً لعباده.

---

خامساً:

خلاصة
هذا الدعاء النبوي يجمع بين طلب الخير في الدنيا (حفظ النعم) والاستعداد للآخرة (حسن الخاتمة)، وطلب العدل والنصرة من الله تعالى. وهو يعلمنا كيف نتعامل مع النعم، وكيف نتعامل مع الظلم، وكيف نربط كل أمورنا بالله تعالى وحده.
أسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن ينصرنا على من ظلمنا، ويخذل أعداء الدين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.