أتيت النبي ﷺ بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بإذن الله.
الحديث بتمامه:
عن أبي جحيفة وهب بن عبد الله قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ، وَهُوَ بِالأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، قَالَ: فَخَرَجَ بِلاَلٌ بِوَضُوئِهِ، فَمِنْ نَائِلٍ وَنَاضِحٍ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، فَتَوَضَّأَ، وَأَذَّنَ بِلاَلٌ، فَجَعَلْتُ أَتْبَعُهُ هُنَا وَهُنَا، وَهُوَ يُؤَذِّنُ يُحَرِّكُهُ بِفِيهِ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ سَاقَيْهِ، فَرَكَزَ الْعَنَزَةَ، ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَرْكَبَاتُ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ.

---

1. شرح المفردات:

● الأبطح: مكان معروف بمكة، وهو موضع واسع معبَّر بالحصباء.
● قبة له حمراء: خيمة صغيرة لسكناه صلى الله عليه وسلم.
● من أدم: أي من جلد مدبوغ، والأدم: الجلد المدبوغ الذي يُتخذ منه النعال وغيره.
● بلال بوضوئه: أي خرج بلال رضي الله عنه ومعه الماء الذي سيتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم.
● من نائل وناضح: "النائل": هو الذي يأخذ من فضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (يتمسح به تبركاً). و"الناضح": هو الذي يسكب الماء على يديه صلى الله عليه وسلم أثناء الوضوء ليعينه.
● حلة حمراء: "الحلة": هي ثوبان، إزار ورداء. و"حمراء": ليست بالأحمر القاني، بل هي مما يصبغ بالعصفر أو غيره، فتكون مشبعة بحمرة ليست شديدة.
● بياض ساقيه: يشير إلى طول قامته صلى الله عليه وسلم وجمال منظر ساقيه.
● يحركه بفيه: أي يلفظ كلمات الأذان ويدير رأسه يميناً وشمالاً.
● العَنَزَة: عصا قصيرة أو رمح صغير كان يركزه في الأرض فيصلي إليه كسترة.
● المركبات: الإبل التي يسير عليها الركاب.

---

2. شرح الحديث:

يصف الصحابي الجليل أبو جحيفة رضي الله عنه مشهداً من مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، حيث زاره في خيمة حمراء صغيرة من جلد. يبدأ المشهد بخروج بلال رضي الله عنه ومعه ماء الوضوء، ويتسابق الناس لأخذ فضل وضوء النبي (النائل) أو لمساعدته في صب الماء (الناضح).
ثم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم مرتدياً ثوبين (إزاراً ورداءً) مصبوغين بلون مائل للحمرة، وكان صلى الله عليه وسلم طويلاً جميل الهيئة، حتى أن أبا جحيفة ينظر إلى بياض ساقيه من طوله.
بعد ذلك يتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذن بلال، ويلاحظ أبو جحيفة كيف كان بلال يدير رأسه يميناً وشمالاً أثناء الأذان. ثم يدخل بلال ويخرج بعنزة (عصا) يركزها النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض فيصلي إليها (لتكون سترة له من المارة).
ويختم أبو جحيفة وصفه بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة السفر (القصر) حيث صلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين، وكانت الإبل والمركبات تمر أمامه وهو يصلي، والعنزة كافية لسترته.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- بساطة النبي صلى الله عليه وسلم وتواضعه: حيث كان يسكن في خيمة من جلد في مكة، ولم يكن في قصور أو بيوت فاخرة.
2- محبة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتبركهم بآثاره: حيث كانوا يتسابقون لأخذ فضل وضوئه.
3- جواز لبس الثياب المصبوغة بالحمرة الخفيفة (المشبعة) للرجال، إذا لم تكن صارخة أو تشبه لبس النساء.
4- مشروعية استقبال السترة في الصلاة: وهي سنة مؤكدة، ويكفي الشيء اليسير كالعصا أو العمود.
5- مشروعية القصر والجمع في السفر: حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم الرباعية ركعتين.
6- صفة الأذان المشروعة: وهي تحريك الرأس يميناً وشمالاً عند قول "حي على الصلاة" و "حي على الفلاح".
7- جواز مرور المرأة والحيوان أمام المصلي إذا كان له سترة: كما مرت المركبات بين يديه صلى الله عليه وسلم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● السترة: يسن للمصلي أن يجعل بين يديه شيء كالعنزة أو طرف سجادته أو حقيبته، ليمنع المرور بين يديه ويحفظ خشوعه.
● لبس الأحمر: اختلف العلماء في حكمه، والراج