ذو وفرة بها ردع من حناء

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أهلاً بك، هذا حديث شريف ورد في سنن الترمذي وغيره، وإليك شرحه الوافي بحسب منهج أهل السنة والجماعة:

---

نص الحديث:

عن أبي رمثة رضي الله عنه قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو ذو وفرة، بها ردع من حناء، وعليه بردان أخضران.

---

1. شرح المفردات:

* أبو رمثة: هو صحابي جليل، واسمه تيمية بن رفاعة، وابنه رمثة هو الراوي عن أبيه.
* ذو وفرة: الوفرة هي الشعر الذي بلغ شحمة الأذن أو كاد يصل إلى الأكتاف. أي أن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان طويلاً إلى حد ما، ليس بالقصير جداً ولا بالطويل المفرط.
* ردع من حناء: الردع (بفتح الراء والدال) يعني أثر اللون أو الطلاء. أي أن في شعره أثر الحناء، وهو نبات معروف يصبغ باللون الأحمر، وكان صلى الله عليه وسلم يطيبه ويزينه.
* بردان أخضران: البرد (جمع أبراد) هو الكساء أو الرداء الذي يُلتحف به. وقوله "أخضران" لا يعني اللون الأخضر القاتم الذي نعرفه اليوم، بل هو من صفات العرب أنهم يسمون ما فيه سواد أو كدرة إلى السواد (أي ما يميل إلى السواد أو الخضرة الداكنة) أخضر، وقيل أنهما كانا من العباءتين اليمانيتين المعروفتين باللون المخطط الذي تجتمع فيه ألوان منها السواد.

---

2. شرح الحديث:

يصف الصحابي الجليل أبو رمثة رضي الله عنه هيئة النبي صلى الله عليه وسلم حينما رآه مع أبيه. وهذا الوصف يتضمن ثلاثة أمور:
* وصف شعره: كان صلى الله عليه وسلم "ذو وفرة"، وهذا يدل على حسن هيئته وتنظفه، وكان هديه في الشعر ألا يتركه أشعث مهملاً، ولا يطوله أكثر من اللازم، بل كان معتدلاً يصل إلى منكبيه أحياناً أو إلى شحمة أذنيه أحياناً أخرى. وهذا خلافاً لمن يظن أن تقصير الشعر جداً هو من كمال الزهد، بل الزهد الحقيقي هو في القلب مع إظهار نعمة الله وحسن الهيئة.
* وصف طيب شعره وتزيينه: كان في شعره "ردع من حناء"، أي أثر طيب ورائحة زكية ولون جميل. وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان يتطيب ويهتم بنظافة بدنه وشعره، مما يبعث الراحة في نفس من يجالسه ويحادثه. وكان الحناء معروفاً بفوائده في تقوية الشعر بالإضافة إلى تطييبه.
* وصف لباسه: كان عليه "بردان أخضران"، أي رداءان. وهذا يدل على:
* الاعتدال في اللباس: لم يكن لباسه فاخراً يُعرف به، ولا رثاً يُحتقر لأجله، بل كان لَبِساً معتدلاً يناسب مقامه كإمام وقائد.
* جواز لبس الأخضر: الحديث أصل في جواز لبس الثياب التي فيها لون أخضر (بالمعنى الذي فسره العلماء كما سبق)، وهو من الألوان المحببة إلى النفوس.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- الاهتمام بالنظافة وحسن الهيئة: من السنة أن يهتم المسلم بنظافة بدنه وثيابه وشعره، وأن يظهر بمظهر لائق، فهذا من الكمال الذي يحبه الله ورسوله، وهو من شكر نعمة الله.
2- التطيب والتزين: استحباب التطيب للرجال، وخاصة عند لقاء الناس، فهو من الأخلاق الكريمة التي تدخل السرور على النفس وتُحبب المرء إلى الآخرين.
3- الاعتدال في المظهر: نهج النبي صلى الله عليه وسلم هو الاعتدال، فلا إسراف ولا مخيلة في اللباس، ولا إهمال وتقصير في النظافة. فهو وسط بين الإفراط والتفريط.
4- جواز اتخاذ الشعر الطول المعتدل: لا حرج على الرجل في إطالة شعره إذا اعتني به ونظفه، ما لم يشبه بالنساء أو الكفار.
5- جواز استعمال الحناء للرجال: الحناء ليس خاصاً بالنساء، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيب به لحيته وشعره، فيجوز للرجل أن يفعله.
6- حب الرسول صلى الله عليه وسلم ومعرفة هيئته: مثل هذه الأحاديث تزيد المؤمن حباً لرسوله صلى الله عليه وسلم، حيث يتخيل هيئته الكريمة وهيئة وقاره وجماله، مما يورث القلب تعظيماً له واقتداءً به.

---

4. معلومات إضافية:

* هذا الحديث من الأحاديث التي اهتم بها العلماء في كتب "الشمائل المحمدية"، التي تشرح أخلاق وصفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية.
* الحديث رواه الترمذي وقال عنه: "حديث حسن صحيح".
* كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتني بشعره ويمشطه ويدهنه، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كنت أُرجِّل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض»، أي تمشط شعره.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.