إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الشام وبيان علامات من علامات الساعة، وإخباره عن طائفة منصورة إلى قيام الساعة.
الراوي:
قرة بن إياس المزني، صحابي جليل، روى عنه جماعة من التابعين.
مصدر الحديث:
رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني.

---

1. شرح المفردات:

* أهل الشام: هي المنطقة التي تشمل اليوم: سوريا، الأردن، فلسطين، لبنان، وأجزاء من جنوب تركيا. وهي أرض مقدسة مباركة، فيها بيت المقدس، وكانت مقرًا للعديد من الأنبياء.
* فسد أهل الشام: أي عندما يظهر فيهم الفساد العقدي والمنهجي والأخلاقي، من ترك للجهاد، وانتشار للبدع والمنكرات، واتباع للهوى، وحكم بغير ما أنزل الله.
* لا خير فيكم: هذا تحذير شديد من النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، يفيد أن فساد هذه البقعة المباركة دليل على تفشي الشر العام ووهن الأمة كلها، لأنها حصن من حصون الإسلام وقلعته.
* طائفة من أمتي: جماعة أو فريق.
* منصورين: أي مؤيدين بنصر من الله وتأييده، بالحجة والبيان، وبالسيف والسنان في بعض الأوقات.
* لا يضرهم من خذلهم: لا يؤثر في ثباتهم ومنعتهم تخذيل التارخين لهم أو مقاطعة الناس لهم.
* حتى تقوم الساعة: إلى آخر لحظة من لحظات الدنيا، قبل قيام الساعة مباشرة.

---

2. شرح الحديث:

يخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن أمرين عظيمين:
الأول: مكانة الشام وأهلها:
جعل صلى الله عليه وسلم فساد أهل الشام علامة على ذهاب الخيرية من الأمة كلها ("فلا خير فيكم")، وهذا يدل على عظم مكانتهم ومنزلتهم في الإسلام، وأنهم حصن للأمة ودرعها. فإذا فسد هذا الحصن ووهن، أصبحت الأمة كلها عرضة للفساد والضعف. وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل الشام وأهلها، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «طوبى للشام، طوبى للشام، طوبى للشام». قالوا: ولم يا رسول الله؟ قال: «تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام».
الثاني: إخباره بالطائفة المنصورة:
يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم استمرار وجود جماعة من المسلمين على الحق ظاهرين منصورين، لا يقوى أعداؤهم على إبادتهم أو القضاء على دعوتهم، حتى يأتي أمر الله تعالى وقيام الساعة. وهذه الطائفة هي التي تستميت في الدفاع عن دين الله، قائمة بأمر الله، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، مجاهدة في سبيله.

---

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظم منزلة بلاد الشام: فهي من أفضل البقاع على الأرض، وهي معقل من معاقل الإسلام الكبرى، وفي فسادها نذير شؤم على الأمة جمعاء.
2- اليقين بنصر الله: الحديث يغرس في قلب المسلم اليقين بنصر الله لهذه الأمة، وأنها لن تنقرض أو تندثر تمامًا، بل سيبقى فيها من هو على الحق حتى قيام الساعة.
3- التمسك بالحق رغم التخاذل: من صفات هذه الطائفة أنها ثابتة لا يضرها خذلان الخاذلين أو قلة الأنصار، فهي تعتمد على نصر الله أولاً وأخيرًا.
4- الحث على الالتزام بالدين: يجب على المسلم أن يكون من أهل هذه الطائفة بحسب استطاعته، بالتمسك بالسنة، ونصرة الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الاكتراث بتكاثر أهل الباطل.
5- التفاؤل والأمل: رغم ذكر علامة شر (فساد أهل الشام)، إلا أن الحديث في مجمله يحمل بشارة وأملاً كبيراً للمسلمين باستمرار وجود الخير والمنصورين إلى آخر الزمان.

---

4. معلومات إضافية:

* اختلف العلماء في تعيين هذه الطائفة، فمنهم من قال: هم أهل العلم والحديث (أهل السنة والجماعة)، ومنهم من قال: هم أهل الجهاد، والصحيح أنهم جميع من اجتمع على الحق من العلماء والمجاهدين والعاملين للإسلام في كل زمان ومكان، وهم scattered في أنحاء العالم، وقد يجتمعون في مكان معين في فترة من الفترات.
* هذا الحديث من أحاديث أشراط الساعة الصغرى، التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من 1400 سنة، ونحن نرى بعضها يتحقق أمام أعيننا، مما يزيد المؤمن إيمانًا ويقينًا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.