أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله ﷺ حديثه

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث العظيم الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، والمتفق على صحته (أخرجه البخاري ومسلم)، يصف لنا موقفاً عظيماً من مواقف آخر الزمان، يتعلق بخروج الدجال وفتنته، وفيما يلي شرحه مفصلاً:

---

أولاً. شرح المفردات:

● محرم عليه: أي ممنوع ومنيع.
● نقاب المدينة: النقاب جمعها نقب، وهي الطرق والمسالك التي بين الجبال المؤدية إلى المدينة المنورة.
● السباخ: الأرض المالحة التي لا تنبت شيئاً، أو الأرض السبخة قليلة الخير.
● خير الناس أو من خيار الناس: المقصود بهذا الرجل هو المؤمن القوي في إيمانه، الثابت على دينه.
● أشد بصيرة: أي أعظم يقيناً وثباتاً في الإيمان.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن حدث من أحداث آخر الزمان، وهو خروج المسيح الدجال، الذي هو أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة.
● "يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة":
هذا من فضائل المدينة المنورة، التي جاءت النصوص بحرمتها وأنها محمية بحماية الله تعالى، فلا يستطيع الدجال دخولها، بل إن الملائكة تحرسها، كما ورد في الأحاديث الصحيحة. فالدجال يقترب من المدينة ولكن لا يستطيع دخولها.
● "فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة":
أي ينزل في الأراضي المجاورة للمدينة، التي هي أرض سبخة غير صالحة للزرع، مما يدل على أن فتنته مقرونة بالشر والفساد وعدم الخير.
● "فيخرج إليه يومئذ رجل وهو خير الناس - أو من خيار الناس":
هذا الرجل هو مؤمن صالح، قوي الإيمان، شجاع، يخرج لمواجهة الدجال، وهو من أفضل الناس في زمانه لثباته وجرأته في الحق.
● "فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله ﷺ حديثه":
هنا يظهر قوة إيمان هذا الرجل، حيث يواجه الدجال مباشرة ويشهد بأنه هو الدجال الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم، مما يدل على علمه بالسنن النبوية وثباته عليها.
● "فيقول الدجال: أرأيت إن قتلت هذا ثم أحييته، هل تشكون في الأمر؟":
هنا يحاول الدجال أن يفتن الناس بما أعطاه الله من القدرات الخارقة، كإحياء الموتى (وهي من الفتن العظيمة التي يختبر الله بها عباده)، فيتحدى الناس بهذه المعجزة الشيطانية.
● "فيقولون: لا":
أي يقر الناس بأنهم لن يشكوا بعد هذه المعجزة، ظناً منهم أن هذا دليل على صدق الدجال.
● "فيقتله ثم يحييه":
فيقوم الدجال بقتل هذا الرجل ثم إحيائه، وهي من الخوارق التي يُمكَّن منها ليضل الناس.
● "فيقول: والله! ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم":
هنا موطن العبرة والعظة! فبعد أن أحياه الدجال، ازداد الرجل يقيناً وإيماناً، ولم تنل منه الفتنة، بل قال له: والله ما كنت أشك فيك من قبل، ولكن بعد أن قتلتني ثم أحييتني، أيقنت يقيناً لا شك فيه أنك الدجال الكذاب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أنك ستفعل ذلك، فكانت هذه الخارقة دليلاً آخر على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وليس دليلاً على صدق الدجال.
● "فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه":
هنا تتجلى قدرة الله تعالى وحمايته لهذا المؤمن، حيث يريد الدجال أن يقتله مرة أخرى انتقاماً منه، ولكن الله تعالى يمنعه من ذلك، فلا يستطيع قتله.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة من الحديث:

1- عظمة فتنة الدجال: فهي أعظم فتنة في التاريخ، ويجب على المسلم أن يستعد لها بالإيمان والعلم.
2- فضل المدينة المنورة: وأنها محمية بحماية الله، فلا يدخلها الدجال.
3- قوة الإيمان واليقين: فالإيمان القوي واليقين الراسخ هما السلاح الأقوى against الفتن، كما ظهر من موقف ذلك الرجل.
4- أن الخوارق ليست دليلاً على الحق: فالدجال يأتي بخوارق عظيمة، ولكنها ليست دليلاً على صدقه، بل هي اختبار من الله للعباد.
5- الثبات على الحق: حتى في أصعب المواقف، يجب على المسلم أن يثبت على دينه ولا ينجر وراء الفتن.
6- حماية الله لأوليائه: فالله تعالى يحمي المؤمنين الصادقين، كما حمى هذا الرجل من القتل مرة أخرى.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- الدجال يخرج في آخر الزمان، وفتنته عظيمة، وقد حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث.
- من أعظم ما يعصم المسلم من فتنة الدجال: حفظ سورة الكهف، كما جاء في الحديث الصحيح.
- الدجال أعور العين اليمنى، ومكتوب بين عينيه "ك ف ر" يقرؤها كل مؤمن.
- ينتهي أمر الدجال بقتله على يد عيسى بن مريم عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق.
نسأل الله أن يعيذنا من فتنة الدجال، وأن يثبتنا على الإيمان حتى نلقاه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.