عبد خيره الله بين زهرة الدنيا وما عنده

حديث: عبد خيره الله بين زهرة الدنيا وما عنده

عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله ﷺ جلس على المنبر، فقال: «إن عبدا خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده»، فبكى أبو بكر، وقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فعجبنا له، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله ﷺ عن عبد خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، فكان رسول الله ﷺ هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا به، وقال رسول الله ﷺ: «إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر إلا خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر».

متفق عليه: رواه البخاري في المناقب (٣٩٠٤) ومسلم في الفضائل (٢٣٨٢) كلاهما من حديث مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه، وفيه منقبة عظيمة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وإليك الشرح المفصل:

أولاً. شرح المفردات:

● خيره الله: أعطاه الله الخِيَرة، أي الاختيار بين أمرين.
● زهرة الدنيا: نَضَارتها وحُسنها ومتاعها الزائل.
● ما عنده: ما عند الله من الثواب الدائم والنعيم المقيم في الجنة.
● فبكى أبو بكر: بكى لعلمه بأن النبي ﷺ هو ذلك العبد المخيَّر.
● فديناك بآبائنا وأمهاتنا: أي نفديك بأنفسنا وآبائنا وأمهاتنا، وهي كلمة تفدية وتعظيم.
● المخير: هو الذي خُيّر بين الأمرين.
● خوخة: باب صغير أو نافذة في الجدار.

ثانياً. شرح الحديث:

يخبر النبي ﷺ الصحابة قائلاً: إن الله تعالى قد خيَّر عبداً من عباده بين أن يعطيه متاع الدنيا وزينتها، وبين ما أعده له في الآخرة من النعيم المقيم، فاختار ذلك العبد ما عند الله على زهرة الدنيا.
ففهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه من فوره أن النبي ﷺ هو ذلك العبد المخيَّر، وأن الاختيار كان بين متاع الدنيا وبقاء النبي ﷺ بينهم، أو بين الرحيل إلى الرفيق الأعلى والأجر العظيم، فبكى أبو بكر حزناً على فراق النبي ﷺ، وقال: "فديناك بآبائنا وأمهاتنا"، أي نُفديك بأنفسنا ونحب أن نبقيك بيننا.
تعجب الصحابة من بكاء أبي بكر وتفديه للنبي ﷺ، ولم يفهموا في البداية أن النبي ﷺ هو الذي يُخبِر عن نفسه، حتى تبين لهم ذلك لاحقاً، فكانت هذه من فضائل أبي بكر ودلائل فراسته وفهمه العميق.
ثم أثنى النبي ﷺ على أبي بكر ثناءً عظيماً، فقال: "إن من أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبا بكر"، أي أكثر الناس إحساناً في صحبته وبذله ماله في سبيل الله ونصرة الإسلام.
ثم قال ﷺ: "ولو كنت متخذًا خليلا من أمتي لاتخذت أبا بكر"، والخليل هو الصديق الذي بلغ أعلى درجات المحبة والصداقة، ولكن النبي ﷺ لم يتخذ خليلاً من البشر؛ لأن خُلَّته كانت لله تعالى، كما قال الله في القرآن: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء: 125].
وقوله: "إلا خلة الإسلام" أي أن صداقة أبي بكر كانت في الله ولله، لا للدنيا ولا للغرض الشخصي.
وأمر النبي ﷺ أن يُغلق كل باب أو نافذة (خوخة) تفتح في المسجد إلا باب أبي بكر، تكريماً له وتشريفاً، وهذا يدل على مكانته العظيمة.

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1- فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه: فهو أعلم الصحابة بالنبي ﷺ، وأكثرهم إيماناً وصدقاً، وأعظمهم منزلة بعد الأنبياء.
2- اختيار الآخرة على الدنيا: النبي ﷺ فضل ما عند الله على متاع الدنيا، وهو قدوة للمؤمنين في الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
3- الفطنة والفراسة: أبو بكر كان سريع الفهم، وفطن من أول وهلة أن النبي ﷺ هو المخيَّر، وهذا يدل على قرب قلبه من النبي ﷺ.
4- محبة النبي ﷺ: بكاء أبي بكر وتفديه للنبي ﷺ يدل على شدة محبته له، وهي محبة في الله ولله.
5- الصداقة في الله: أعلى أنواع الصداقة هي التي تكون خالصة لله، لا لغرض دنيوي.

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تثبت فضل أبي بكر الصديق ومكانته عند النبي ﷺ.
- كان أبو بكر أول الخلفاء الراشدين، وأول من آمن من الرجال، وصاحب النبي ﷺ في الهجرة، وهو الذي ثبت يوم موت النبي ﷺ فهدأ الناس وذكرهم بالثبات على الإسلام.
أسأل الله أن يرزقنا حب نبيه ﷺ وحب أصحابه، وأن نقتدي بهم في إيثار الآخرة على الدنيا.
والله أعلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في المناقب (٣٩٠٤) ومسلم في الفضائل (٢٣٨٢) كلاهما من حديث مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد، فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 828 من أصل 1279 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: عبد خيره الله بين زهرة الدنيا وما عنده

📜 حديث: عبد خيره الله بين زهرة الدنيا وما عنده

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: عبد خيره الله بين زهرة الدنيا وما عنده

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: عبد خيره الله بين زهرة الدنيا وما عنده

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: عبد خيره الله بين زهرة الدنيا وما عنده

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية