قائمة السور | مواضيع القرآن الكريم مرتبة حسب الآيات :آيات القرآن الكريم مقسمة حسب كل موضوع و فئة | لقراءة سورة كاملة اختر من : فهرس القرآن | - للاستماع للقراء : القرآن الكريم mp3
آيات قرآنية عن الإنفاق في القرآن الكريم
✅ مواضيع القرآن الكريم
﴿ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3]
ليس الفضل والمزيَّة في الإيمان بما تشاهده بعينيك فحسبُ، ولكن في الإيمان بما لا تُدركه حواسُّك ممَّا أخبر به الوحيُ. ألا ترى أن المتَّقين قد مُدحوا بإقامة الصلاة لا بمجرَّد أدائها؟ إن في إقامتها معنى المحافظة عليها، والوفاء بحقوقها. فيا أيها المؤمنُ، صلاتُك صِلتُك بربِّك، فأحسن الصِّلة! لو استحضرنا فضلَ الله علينا وعظيمَ بِرِّه بنا وجميلَ إحسانه إلينا، لكان ذلك دافعًا لنا إلى البِرِّ بعباده الضعفاء، والإحسان إلى المحتاجين والفقراء. مَن أيقن بالخلَف من الله الرزَّاق جادت نفسُه بالبذل والعطاء، فلا تبخل بما آتاك، وأنفِق يُنفَق عليك. شيوع النفقة في المجتمع المسلم يجعل الحياةَ مجالَ تعاونٍ وتراحُم، لا مُعترَكَ تطاحُنٍ وتزاحُم، ويُشعر العاجزين والضعفاء أنهم يعيشون بين قلوبٍ ونفوس، لا بين أنيابٍ ومخالب! أيها المؤمن، لا يطلُب الله تعالى منك أن تتصدَّق بكلِّ ما رزقك، بل يدعوك إلى أن تنفقَ ممَّا وهبك، فلا تبخل بالإنفاق في مَحابِّ مَن أعطاك. |
﴿۞ لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّـۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]
أوَّل خِصال البِرِّ ورأسها الإيمانُ بالله، ومَن فاته هذا البِرُّ فقد فاته أعظمُ مقصود. الإيمان باليوم الآخر يبعث في النفس الطُّمَأنينةَ بحصول العدل التامِّ، وبأن الحياة على هذه الأرض ليست سُدًى، ولا فوضى بغير حساب. عظَّم الله الإيمانَ بالملائكة فنظَمَه في سِلك المسائل الكبار، فلنؤمن بهم، ولنستحضِر عظمةَ الله في خلقهم. الإيمان بالكتاب والنبيِّين يعني الإيمانَ بالرسالات جميعًا، ويؤكِّد في يقين المؤمن أن للبشر كافَّةً إلهًا واحدًا، وغايةً واحدة. الإنفاق على ذوي القُربى من خِصال البِرِّ، وفيه تحقيقٌ لمروءة النفس، وصيانةٌ لكرامة الأسرة، وقيامٌ بصِلة الرَّحِم. الصدقة لليتامى تعويضٌ عن فِقدانهم الرعايةَ الأبويَّة، وحمايةٌ لهم وللأمَّة من الانحراف والضياع والنقمة على مجتمعٍ لم يرعَهُم. من رحمة الله بمَن أضعفَته الحاجة، وأذلَّته الفاقة، أنه أوجب في المال حقًّا له يحفظ كرامتَه، ويُقيل عَثرتَه. في إيجاب الصَّدقة للمنقطِع عن ماله وأهله إشعارٌ له أن كلَّ مسلم أخٌ له، وكلَّ بلاد المسلمين وطنُه، فيتسلَّى عن أهلٍ بأهل، وعن مالٍ بمال، وعن ديارٍ بديار. الصَّدقة للسَّائلين إسعافٌ لحاجتهم، وكفٌّ لهم عن المسألة، وذلك من إحسان الله إلى عباده. |
﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا تُلۡقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى ٱلتَّهۡلُكَةِ وَأَحۡسِنُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]
الإمساك عن الإنفاق في سبيل الله تعالى تَهلُكةٌ للنفس بالشحِّ، وتهلُكةٌ للجماعة بالعجز والضعف، وإغراءٌ للعدوِّ بالتسلُّط. كتب الله الإحسانَ في كلِّ شيءٍ حتى في الإنفاق وفي القتال؛ لتكونَ الأمَّة المسلمة أمَّةَ الإحسان التامِّ، على مدار العصور، وتعاقُب الدهور. |
﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا وَيَسۡخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۘ وَٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَٱللَّهُ يَرۡزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيۡرِ حِسَابٖ ﴾ [البقرة: 212]
المفتونُ مَن فتنَته الحياة الدنيا بزينتها، فغدَت ملذَّاتها كلُّها أثيرةً لديه، غيرَ عابئٍ بما كان منها حرامًا. مَن وجد في نفسه تعظيمًا لزخرُف الحياة الدنيا، وازدراءً لأهل التقوى الزاهدين فيها، فإنه على خطرٍ من الذلَّة والمهانة يوم القيامة. أيها المؤمن، اثبُت على إيمانك، ولا يُزعزِعكَ استهزاءُ الكافرين، ولا سخريَّةُ العاصين؛ فإنهم إن علَوكَ في متاع دنيا، فدرجتُك عند الله في الآخرة أعلى وأرقى. هو الوهَّاب سبحانه يرزق مَن يشاء من المؤمنين والكافرين في هذه الحياة الدنيا، له الحكمةُ البالغة والمشيئةُ النافذة، وما عنده لعباده المؤمنين في الآخرة خيرٌ وأبقى. |
﴿۞ يَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلِ ٱلۡعَفۡوَۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219]
اشتمال بعض المحرَّمات على بعض المنافع لا يسوِّغ ارتكابَها والتشغيبَ على تحريمها، والتغاضي عن شرورها وعظيم مفاسدها، فهذه الخمر رأسُ الآثام لا تخلو من منفعة. الإسلام دين يُسرٍ وسماحة، لا يُرهق أتباعَه ولا يكلِّفهم من أمرهم عُسرًا، فمَن فَضَل من ماله شيءٌ وزاد عن حاجته فليُنفقه في طاعة ربِّه، ولا يكلِّف الله نفسًا إلَّا وسعَها. التفكُّر في مقاصد الشريعة واستنباط أحكامها هو الغايةُ من تبيين الآيات؛ للأخذ بالأصلح النافع، واجتناب المفسد الضارِّ. تأمَّل أيها الداعيةُ في الحكمة من التدرُّج في تحريم المسكِر والقِمار، ولو شاء الله أن يحرِّمَهما ابتداءً لفعل، ولكنَّ في ذلك إرشادًا إلى ضرورة مراعاة أحوال المدعوِّين وتقدير ظروفهم. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خُلَّةٞ وَلَا شَفَٰعَةٞۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ﴾ [البقرة: 254]
إن مَن يدعوك إلى الإنفاق هو الرزَّاق الذي أعطاك، فهلَّا جُدتَّ على عباده ببعض ما جاد به عليك؟ افتَدِ نفسك اليومَ من عذاب الآخرة ببعض ما رزقك الله، من قبل أن يأتيَ يومٌ تتمنَّى فيه أن تفديَها بمِلء الأرض ذهبًا، ولا فداء. يدعوهم سبحانه للتجارة الرابحة قبل فواتها، ويحضُّهم على اغتنام الخيرات قبل رحيلها، ما أكثرَ الفُرَصَ اليوم، وما أشدَّ غَبنَ الغافلين! الظالم خاسرٌ مخذول، لا خليلَ ينفعه، ولا ناصرَ ينقذه، فاحذر الظلمَ فإنه ظلماتٌ يوم القيامة. |
﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَةٖ مِّاْئَةُ حَبَّةٖۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]
حتى يثمرَ البَذرُ لا بدَّ أن يكونَ صالحًا، في أرضٍ خِصبة، يتولَّاه غيثٌ نافع. وكذا النفقةُ لا بدَّ أن تكونَ بنيَّةٍ صالحة، موضوعةً في مصارفها الشرعيَّة، مَصونةً عمَّا يمنع إثمارها، حتى يُغيثَها الله بالقَبول. أخلص نيَّتك لله، ولا تحقِر من المعروف شيئًا، فإن الله يربِّي صدَقاتك ويُنمِّيها كما ينمو الزَّرع في الأرض الطيِّبة. إنما تتضاعف الأجورُ بحسب حال المتصدِّق والمتصدَّق عليه، وبقَدر الإخلاص ومحبَّة الخير والإيثار على النفس، وبحسَب الزمان والمكان. إن الله ﴿واسعٌ﴾ لا يتعاظمُه شيء، ولا يَنقُصه العطاء على كثرته، ﴿عليمٌ﴾ بنيَّة المنفِق ومقدار إنفاقه، ومَن يستحقُّ مضاعفةَ الأجر ومَن لا يستحقُّها. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا كَسَبۡتُمۡ وَمِمَّآ أَخۡرَجۡنَا لَكُم مِّنَ ٱلۡأَرۡضِۖ وَلَا تَيَمَّمُواْ ٱلۡخَبِيثَ مِنۡهُ تُنفِقُونَ وَلَسۡتُم بِـَٔاخِذِيهِ إِلَّآ أَن تُغۡمِضُواْ فِيهِۚ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267]
إن الخبيث لا يكفِّر الخبيث، فإذا خبُث كسب العبد لم تكفِّر نفقتُه من ذنوبه شيئًا، وإذا طاب كسبُه زكت نفقتُه فكفَّرت خطاياه كأنها لم تكن. كيف يبذل المرء لربِّه ما لا يَرضى ببذله لنفسه، أوَ يُهدي إلى الله ما لا يَرضى من صاحبه أن يُهديَه إليه؟! إذا أعطيتَ فليكن عطاؤك طيِّبًا من نفسٍ طيِّبة، فإن بَذلَكَ لنفسك، والله غنيٌّ عنك. |
﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِنۡ أَنصَارٍ ﴾ [البقرة: 270]
مَن أحسن في عمله فليَرجُ الثواب، ومَن أساء فلا يستنكر العقاب، ومَن أخذ عزًّا بغير حقٍّ أورثه الله ذلًّا بحق، ومَن جمع مالًا بظلم أورثه الله فقرًا بغير ظلم. يقين العبد أن الله مطَّلعٌ على قلبه، دافعٌ له إلى الحياء من أن يَهجِسَ في خاطره هاجسُ رياء، أو هاجسُ بخل، أو هاجسُ خوفٍ من فقر. في وعيد الله للظالم بأنه لن يجدَ لنفسه نصيرًا، أملٌ بأنه سبحانه وتعالى ناصرٌ المؤمن الكريم، آخذٌ بيده، ومُقيلٌ عثرته. |
﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274]
ما أحراكَ أن تبادرَ إلى الإنفاق في كلِّ حين؛ فلا تؤخِّر نفقةَ الليل إلى النهار، ولا نفقةَ النهار إلى الليل، ولا تنتظر بنفقة العلانية وقتَ السرِّ، ولا بنفقة السرِّ وقتَ العلانية! إن رُمتَ انشراحَ صدرك، وذهابَ همِّك وغمِّك، فعليك بنجدة الملهوف، وإغاثة المحتاج، فإنها تجلو الهمَّ والحزَن عن القلب كما يجلو ضوء الصُّبح ظلمةَ الليل. |
﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٞ ﴾ [آل عمران: 92]
أنفق ممَّا تحبُّ، ليس من المال فحسب، ولكن من كلِّ ما تحبُّ من جاهٍ وعلم ووقت، والجودُ بالنفس أقصى غاية الجود. تخيَّر لله أنفسَ ما عندك، وأنفقه خالصًا له، فإنه سبحانه عالمٌ بمنزلته من نفسك، وعالمٌ بنيَّتك في إنفاقه. |
﴿مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَثَلِ رِيحٖ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتۡ حَرۡثَ قَوۡمٖ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَأَهۡلَكَتۡهُۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ ٱللَّهُ وَلَٰكِنۡ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 117]
ما لم يُحَط العملُ بسياج الإيمان اقتلعَته ريحُ الكفر العاتية، وما لم يُسقَ بماء الإخلاص لم يُثمر إلا الحُطام. سنَّة الله جاريةٌ أن الظلم مُؤذِنٌ بهلاك الأمم، ماحقٌ للبركة للأفراد والدول، وهو يومَ الجزاء ظلماتٌ بعضُها فوق بعض. جعل الله نفسَك أمانةً عندك، فزكِّها بالإخلاص والطاعات، ولا تظلمها بالمعاصي والسيِّئات. |
﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134]
المؤمنون الصادقون هم الملتزمون بمَنهج الله في جميع أحوالهم، لا تُبطِرهم السرَّاء فتُلهيهم، ولا تُضجِرهم الضرَّاء فتُنسيهم. الإنفاق في سبيل الله من صفات المتَّقين الذين يرِثون جنَّة النعيم، وهو من أرجى ما تُطلب به الجنَّة، ويُتوسَّل به إلى المغفرة. المؤمنُ التَّقيُّ هو مَن يحبس غيظَه مع قدرته على إنفاذه؛ ابتغاء رحمة الله، ثم يرتقي بنفسه فيعفو ويصفَح؛ طلبًا لعفو الله. |
﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٞ لِّلۡغَيۡبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُۚ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهۡجُرُوهُنَّ فِي ٱلۡمَضَاجِعِ وَٱضۡرِبُوهُنَّۖ فَإِنۡ أَطَعۡنَكُمۡ فَلَا تَبۡغُواْ عَلَيۡهِنَّ سَبِيلًاۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّٗا كَبِيرٗا ﴾ [النساء: 34]
قيام الرجل على المرأة وشؤونها ليس قيامَ تسلُّط وتحكُّم، ولكنَّه مسؤوليَّةٌ مردُّها إلى اختلاف القدُرات وتبايُن الفِطرة. من سِمات المؤمنة الصالحة أن تكونَ مطيعةً لله عن إرادةٍ وتوجُّه، لا عن قَسْرٍ وإرغام، فليس المنقادُ عن رضًا واختيار، كالمنقاد عن كُرهٍ وإجبار. المرأة الصالحة توفَّق لأن تحفظَ حرمةَ ما بينها وبين زوجها في غَيبته، بحيث توقِف نظَراتها وحركاتها ودلالها وحسنَ نبَراتها على من استأمنها على نفسها. الكلمة الطيِّبة هي أُولى خطوات علاج الخلاف الزوجيِّ، فإن لم تعالِج الكلمةُ الداء، فقد يكون السكوت هو الدواء. يُشعِر الزوجُ زوجَه بكراهيته بعضَ شأنها بأن يُعرِضَ عنها في المكان والزمان اللذين اعتادت أن يؤانسَها فيهما، بحيث تحسُّ بذنبها وتراجعُ نفسها، فقطعُ معهودِ الجميل قد يكون علاجًا. التأديبُ الذي يُقصَد منه صيانةُ الأسرة يُقدَّر بما يحقِّق ذلك الهدف، فلا يكون انتقامًا، ولا إهانةً ولا تعذيبًا، كما لا يُشرَع به إلا بعد استنفادِ ما سلف من الدواء دون نتيجة. قيامك على زوجك تكليفٌ، فلا تحملنَّك هذه الوظيفةُ على الاستعلاء والظلم؛ فإن العليَّ الكبير سبحانه ينتقم من الظالم وينتصف للمظلوم. |
﴿وَٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۗ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَهُۥ قَرِينٗا فَسَآءَ قَرِينٗا ﴾ [النساء: 38]
مَن يبخلُ بالإحسان شُحًّا، ومَن يجودُ به رياء، هما سِيَّان؛ فكلاهما وإن اختلف مذهبُهما في البذل والعطاء، قد اتَّفَقا على تقديم حظِّ النفس على حقِّ الله بالبذل الخالص لوجهه سبحانه. الشيطان واعظُ سوء؛ فإمَّا أن يعظَ بإمساك المال، وإمَّا أن ينصحَ بإنفاقه رياءً وسمعة، فيَحرِم المرءَ في الأولى أجرَ البذل، ويجمع له في الثانية خسارةَ المال والثواب. |
﴿وَمَاذَا عَلَيۡهِمۡ لَوۡ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِمۡ عَلِيمًا ﴾ [النساء: 39]
يحرِّض القرآن الفكرَ على البحث عن مواضع المنفعة: الإيمان والإنفاق، فلا مرضَ أشدُّ من الكفر والجهل، ولا داءَ أدوأُ من الشحِّ والبخل. متى اعتقد العبدُ أن الله عليمٌ ببواطن الأمور عِلمَه بظاهرها ارتدعَ عن ظاهر الإثم وباطنِه. |
﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةٗۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيمٗا ﴾ [النساء: 95]
الجنَّة درجاتٌ بعضُها فوق بعض، يرتقي المسلم فيها بحسَب ما يبذُله من نفسه وماله في سبيل الله، ومَن قُدِرَ عليه رزقُه أو قعَد به سقَمُه، فبحسَب نيَّته وشوقِ طويَّته. لا يُمنع أجرُ الجهاد عمَّن نواه صادقًا فأقعدَه عنه ضررُه، وحبسَه عذرُه، قال رسولُ الله ﷺ: «إذا مرضَ العبدُ أو سافر كُتبَ له من العمل ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا». أكرمَ الله المجاهدين في سبيله بفضلين: فضلِ الدنيا بالغنيمة والظَّفَر والذِّكر الجميل، وفضلِ الآخرة بالدرجات العالية والمنازل السامية، فما أعظمَه من فضل! التفضيل لا يعني ازدراءَ المفضَّل عليه، ولكنَّه يعني ظهورَ الزيادة لدى المفضَّل؛ لأنهما قد يتَّفقان في النهاية، وإن تفاوتا في المنزلة. |
﴿وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ﴾ [المائدة: 64]
الشغَف بالحياة الدنيا يولِّد في الطبع البخلَ والجشع، والحرصَ والطمع، ولليهود في ذلك القِدحُ المُعلَّى، والحظُّ الأوفى، ولقد كانوا من أغنى الناس؛ لكن غُلَّت أيديهم عن البذل. سبحان ربِّنا من إلهٍ كريم، يجود على عباده بما لا يُحصى، ويتفضَّل عليهم بما لا يُعدُّ، فمَن ذا الذي يستطيع حصرَ ما أعطى، أو إحصاءَ ما أولى؟! إنفاق اللهِ تابعٌ لمشيئته المبنيَّةِ على حكمته، فمتى شاء أعطى، ومتى شاء منع، فله الفضلُ في العطاء، والحكمةُ في المنع. النفوس التي مَرَدت على العصيان، وطُبعَت على الخبث والطغيان، لا يزيدها الوحيُ إلا شرًّا إلى شرِّها، ومرضًا إلى مرضها. ببُغض أهل الكتاب للمؤمنين عُوقبوا بزرع الكراهية المتأصِّلة فيما بينهم، ولولا المصالحُ الدنيوية التي تجمعهم، وعداوتُهم المشتركة للمسلمين لطالت حربُهم، وامتدَّ اقتتالهم. لو استطاع اليهود القضاءَ على المسلمين لفعلوا، غير أنهم يجتهدون في مشاريع الإفساد اجتهادَ الساعي، لا تريُّثَ الماشي، ولكنَّ الله مطفئٌ نارَ كلِّ حربٍ أضرموها، ومصلحٌ ما أفسدوه. |
﴿ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [الأنفال: 3]
لا بدَّ للإيمان من صورةٍ عمليَّة واقعيَّة يتجلَّى فيها، ليُثبَتَ حضورُه ويُكشفَ عن حقيقته. اقتران الصلاة بالزكاة، والثناءُ على فاعليهما، دليلٌ على أن قيام مصالح الدارَين عليهما، وأنه لا فلاحَ لمَن أخلَّ بهما. المال مالُ الله، فمَن أنفقَ منه فمن رزق ربِّه بذَل، ومن نعمتِه أعطى، فليس له حينئذٍ أن يُعجَب ويَمُنَّ. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36]
لا يزالُ الذين كفروا في كلِّ زمان يبذُلون من أموالهم ما يصُدُّون به عن الحقِّ، وينشرون به باطلَهم. أليس المؤمنون أولى ببَذل أموالهم وأنفسِهم في سبيل الله، وهم يعلمون ما لهم بها من سعادة الدارَين؟ العمل الذي يُراد به معاداةُ الله تعالى، والصدُّ عن سبيله؛ مهما أُتيحَ له من مقوِّمات النجاح في الدنيا فمآلُه إلى الإخفاق والخسار. على الذي يُنفِق مالَه في محاربة دين الله أن يتفكَّرَ أن ما يفعله سيجلب له الخيبةَ والعذاب، ولن يصلَ إلى غاية هدفه مهما بذل. |
﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡءٖ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60]
لا ينبغي للأمَّة المسلمة أن تقعدَ عن سببٍ من أسباب القوَّة يدخل في طاقتها، بل عليها أن تبذُلَ في تحقيقه كلَّ ما في وُسعها. لو شاء اللهُ لهزم الأعداءَ دون تدخُّلٍ من البشر، لكنَّها حكمتُه تعالى في ابتلائه؛ ولذا أمر عباده بالإعداد، ووعد الصابرين والمتَّقين بالإمداد. لكلِّ زمانٍ عُدَّتُه وقوَّتُه التي تُرهبُ العدو، فالخيل قوَّةُ الأمس، والعلم والصناعة والتِّقانة قوَّةُ اليوم. إنما كان الاستعدادُ للحرب ليَرهبَ الأعداءُ والمتربِّصون، فيكُفُّوا شرَّهم عن الإسلام وأهله، وليكونَ المسلمُ مع غيره في سلام، لكنَّه سلامُ عزٍّ لا ذلٍّ. الإنفاق في إعداد القوَّة الإسلاميَّة إنفاقٌ في سبيل الله، ولا يمكن الوصولُ إلى تحقيق القوَّة المرجُوَّة إلا بإنفاق الكثير من المال، وذلك الإنفاقُ في ميزان حسناتِ أصحابه. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَٰيَتِهِم مِّن شَيۡءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْۚ وَإِنِ ٱسۡتَنصَرُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيۡكُمُ ٱلنَّصۡرُ إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۭ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ﴾ [الأنفال: 72]
القرب من الله والعملُ الصالح ميزانٌ يوالى من أجله الناسُ، فبمقدار نصيبهم من ذلك اجعل نصيبَهم من وَلايتك ومحبَّتك. الأموال قِوامُ النفوس وعُدَّة الحياة، فمَن بذل نفيسَ مالِه في سبيل الله سهُلَ عليه أن يجودَ بنفسه بعد ذلك. تفتح أرضُ الإسلام ذراعَيها لكلِّ راغبٍ في الدين، وتخوِّلُه حقوقَ أصحاب الأرض، وتمنحُه مقتضَيات الوَلاية والنصرة. الإسلام دينُ الوفاء مع المسلمين ومع الكافرين، فللمسلمِ على أخيه حقُّ النصرة، وللميثاق الصحيح مع الكافر لزومُ الأداء. ألا يدعوك علمُك بأن الله يبصرُ عملَك إلى فعل ما حثَّك عليه، وتحرِّي رضوان الله فيه، من الإيمان والهجرة، والجهاد والنصرة، والبذل والإنفاق؟ |
﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَآئِزُونَ ﴾ [التوبة: 20]
أعمال البِرِّ ليست في درجةٍ واحدة، فالإيمانُ بالله والهجرة والجهاد في سبيله أعظمُ الأعمال وأعلاها، وأصحابُها هم السابقون الفائزون. |
﴿۞ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ﴾ [التوبة: 34]
قال سفيان بن عُيَينة: (مَن فسد من علمائنا كان فيه شَبهٌ من اليهود، ومن فسد من عُبَّادنا كان فيه شبهٌ من النصارى). ما أسوأَ حالَ الناس إذا ضلَّ هداتُهم، وصاروا يلهثون خلف شهواتهم! إذا حرَص العالمُ على المال ورياسة الدنيا وجاهها أُصيبت مقاتلُه، وأفسد علمَه وديانتَه، فيا ويلَه ويا ويلَ الناس منه! كما أن من فتن المال أن يُطلبَ بالباطل، فإن من فتنته أيضًا ألا يُصرفَ في وجوه الحقِّ. لو علم الناسُ حقَّ العلم أن كنزهم الحقيقيَّ هو ما أنفقوه في مراضي الله لما بخِلوا، ولما أنفقوا الأموالَ في الحرام والسرَف. إن كان المال يُجمَع ليكونَ سببَ سعادةٍ وهناء، فيا خسارةَ مَن عاد عليه بالعذاب والشقاء! |
﴿لَا يَسۡتَـٔۡذِنُكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أَن يُجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 44]
مَن آمن بالله واليوم الآخر حقَّ الإيمان، قاتل من أجل دينه، وهان عليه الموتُ في سبيله؛ لما يرجوه من النعيم، والنجاةِ من العذاب الأليم. التقوى لا تَخفى على الذي يعلم السرَّ والنجوى، فهنيئًا للمتَّقين. |
﴿قُلۡ أَنفِقُواْ طَوۡعًا أَوۡ كَرۡهٗا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمۡ إِنَّكُمۡ كُنتُمۡ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ ﴾ [التوبة: 53]
الفسق الأكبر وهو الكفر مانعٌ من قَبول العمل، لا ينتفعُ معه صاحبُه بصدقة، ولا يُحمَد على عمل بِرٍّ. |
﴿وَمَا مَنَعَهُمۡ أَن تُقۡبَلَ مِنۡهُمۡ نَفَقَٰتُهُمۡ إِلَّآ أَنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِۦ وَلَا يَأۡتُونَ ٱلصَّلَوٰةَ إِلَّا وَهُمۡ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمۡ كَٰرِهُونَ ﴾ [التوبة: 54]
الإيمان بالله ورسوله معراجُ قَبول الأعمال، فلا صُعودَ لها إلى الله تعالى إلا عليه. خسرَ أولئك الطائعون من دون غرضِ العبوديَّة لله تعالى والانقيادِ له، فلو آمنوا وجعلوها لله وحدَه لربحوا خيرَ الدنيا والآخرة. كيف يُنفِق عن إخلاصٍ ورغبةٍ مَن يتهاون بالصلاة التي هي أعظمُ عبادة؟! الصلاة والصدقة عبادتان عظيمتان، ينبغي للعبد ألا يأتيَ إليهما إلا مُحبًّا لهما، نشيطًا للإقبال عليهما، يرجو ذُخرَهما، وثوابَهما من الله وحدَه. قال محمَّد بنُ الفضل: (مَن لم يَعرفِ الآمرَ قام إلى الأمر على حدِّ الكسل، ومَن عرف الآمرَ قام إلى الأمر على حدِّ الاستغنام والاسترواح). |
﴿لَٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴾ [التوبة: 88]
إذا تخلَّفَ المنافقون عن الجهاد، فإن الله سيغني عنهم بقومٍ من صالحي العباد، اختصَّهم بفضله، يحبُّهم ويحبُّونه. ما بخِلَ رسول الله ﷺ بنفسه فقعد عن الجهاد، وحياتُه أغلى حياةٍ للدعوة وللناس، ولا بخِلَ بماله عن النفقة في سبيل الله؛ مع كثرة مَن يَعُول. إن الذين امتلأت قلوبُهم بحبِّ الله تعالى، فآثروه على كلِّ ما في الوجود، ورضُوا بالمشقة في سبيله مهما اشتدَّت؛ حازوا منازلَ الرِّفعة. الجهادُ مفتاحُ الخيرات، وسُلَّمُ الدرجات العاليات، ومَدرَج العواقب الحميدة التي تُرغِّبُ المتخلِّفين عن هذه السبيل الرشيدة. |
﴿لَّيۡسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرۡضَىٰ وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡسِنِينَ مِن سَبِيلٖۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [التوبة: 91]
قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (لمَّا رأى اللهُ حرصَهم على محبَّته ومحبَّة رسوله، أنزل عُذرَهم في كتابه). مَن أحسنَ فيما يقدرُ عليه من النصح سقطَ عنه ما لا يقدرُ عليه من الجهاد. للمغفرةِ والرحمة أهلونَ من الناس، ليس أهلَ الكذب الذين لا يُبالون بالشرع، وإنما هم الناصحون إن عَجَزوا، والمحسنون إن قصَّروا. |
﴿وَلَا عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوۡكَ لِتَحۡمِلَهُمۡ قُلۡتَ لَآ أَجِدُ مَآ أَحۡمِلُكُمۡ عَلَيۡهِ تَوَلَّواْ وَّأَعۡيُنُهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ ﴾ [التوبة: 92]
المؤمنُ يحزنُ على فوات الطاعات، والمنافقُ يفرحُ بتخلُّفِه عنها. إذا لم يجدِ المسلمُ في قلبه حزنًا على ترك طاعة، أو فعلِ معصية، أو فواتِ عمل صالح فليتدارك قلبَه. شتانَ بين مَن يبكي فقْدَ رواحلَ يُحملُ فيها إلى الموت، ومن يبكي فقْدَ لُعاعةٍ من الدنيا ذهبت عنه، أو يَخشى عليها الفوت. |
﴿وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغۡرَمٗا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَآئِرَۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ ﴾ [التوبة: 98]
ما في القلبِ هو الذي يَحكمُ على غاياتِ الأفعال، فالمؤمنُ يرى النفقةَ في وجوه البِرِّ مَغنَما، والمنافقُ وضعيفُ الإيمان يريانِها مَغرَما. لمَّا كان تربُّصُ المتربِّصين بالمسلمين السُّوءَ متكرِّرًا متجدِّدًا؛ جَعلَ اللهُ السوءَ دائرًا عليهم، ومحيطًا بهم على الدوام. إن من يَسمعُ ما يُقال، ويَعلمُ ما يُضمَر، لقادرٌ على مجازاة كلِّ قائل بما قال، وكلِّ فاعل بما فعَل. الله مطَّلِعٌ على باطن المنفِقِ يَرى إخلاصَه من غيره، ومُطَّلِع على مقاله إن كان حامدًا لإنفاقه أو ساخطًا. |
﴿وَمِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مَن يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَٰتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَٰتِ ٱلرَّسُولِۚ أَلَآ إِنَّهَا قُرۡبَةٞ لَّهُمۡۚ سَيُدۡخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحۡمَتِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [التوبة: 99]
الإيمانُ بالله واليوم الآخرِ هو ما يبعثُ المؤمنَ على الإنفاق في مراضي الله، وليس خوفُ الناس ولا الرغبةُ في مديحهم. إذا عدَّ بعضُ الناسِ النفقةَ في سبيل الله خَسارة، فهناك من عِباد الله من يَعدُّها أربحَ تجارة. ليس من أدب القرآن تعميمُ الناسِ بالأحكام بلا دليل، ولكنَّ منهم من يَشمَلُه الحُكم، ومنهم من ليس كذلك، فما أجملَ الإنصاف! ما أعظمَ بشرى المؤمنين المتصدِّقين المخلصين بأن رحمةَ اللهِ ستغمرُهم، وتحيطُ بهم من كلِّ جانب! |
﴿وَٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عُقۡبَى ٱلدَّارِ ﴾ [الرعد: 22]
لا يُحمَدُ على الصبرِ عند اللهِ مَن لم يكن صبرُه في سبيلِه، وابتغاء وجهِه تعالى. مَن صبرَ على مصيبته كانت نعمةً في حقِّه؛ لأن الصبرَ شفاءٌ لنفسه، وزيادةٌ في حسناته، ومَن جزعَ جمعَ مصيبتين: مرارةَ المصيبة، وذهابَ الأجر وحصولَ الإثم. صبرًا على فعلِ العبادات، وعلى بذلِ المالِ في الطاعات، فمَن صبرَ فبعقبى الدارِ ظَفِر. مَن يقابل المسيءَ بالإحسان؛ فيعطي مَن حَرَمه، ويعفو عمَّن ظلمَه، ويَصلُ مَن قَطعَه، فكيف سيعامِلُ مَن أحسنَ إليه؟! |
﴿قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡمٞ لَّا بَيۡعٞ فِيهِ وَلَا خِلَٰلٌ ﴾ [إبراهيم: 31]
إذا تمتَّعَ الكافرون في حياتهم بما يشتهون من الحرام فإن أهلَ الإيمان متمتعون بالقرب من الله بفعلِ طاعاته، فيَسعَدون بصلتهم من الخالق، ومن المخلوقين، وبذلك يغنمون الدنيا والآخرة. جميلٌ بك أيها المُنفِقُ أن تصونَ كرامةَ الفقراء حين تُنفقُ عليهم سرًّا، وأن تكون قدوةً طيبة للمجتمع حين تنفقُ علانيةً، فانظر المصلحة وقدِّرها. إذا كنتَ تريدُ الاتِّجارَ في سوقِ الآخرة فتعامل مع الله، وإن كنتَ تُحبُّ بقاءَ الألفة، فأحبَّ في الله ولله. |
﴿۞ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا عَبۡدٗا مَّمۡلُوكٗا لَّا يَقۡدِرُ عَلَىٰ شَيۡءٖ وَمَن رَّزَقۡنَٰهُ مِنَّا رِزۡقًا حَسَنٗا فَهُوَ يُنفِقُ مِنۡهُ سِرّٗا وَجَهۡرًاۖ هَلۡ يَسۡتَوُۥنَۚ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ ﴾ [النحل: 75]
ضربُ الأمثالِ يُقرِّبُ للعقول المقال، ويختصرُ جُملًا من الكلام بقول موجز. إن كان لا يستوي العبد الحرُّ الغنيُّ مع العبد المملوك العاجز، أفيستوي خالقُ العباد مالكُ الملكِ مع أحدٍ من عبيده؟! أيُّ ثناءٍ على الله تعالى أبلغُ من ثنائه سبحانه على نفسه؟! ومَن ذا يستحقُّ كمالَ الحمد سواه؟! غاية العلم ومُنتهاه عبادةُ الله المستحقُّ لكلِّ حمدٍ وثناء، فيا خيبةَ مَن لم يعلم الغاية! |
﴿ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمۡ وَٱلۡمُقِيمِي ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [الحج: 35]
من صفات المُخبِتين الوجَل عند ذكر الله عزَّ وجل، وذلك يقتضي معرفتَهم بعظيم شأنه، واستشعارهم تقصيرَهم في جنبه، وبُعدهم عن العُجب بما هم عليه. إذا أردتَّ البشرى فأحسن ببارئك الظنون، ولا تتبرَّم من أقداره فيك؛ فإنه بحكمته يبتليك فيصطفيك. حين لم يتمكَّن حبُّ الدنيا من قلوب المخبتين ظلُّوا بين العباد منفقين، غيرَ بخلاء بما رُزقوا؛ لعلمهم أن المال ماله، والفضل فضله. |
﴿وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱلَّذِينَ يَبۡتَغُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِمَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ فَكَاتِبُوهُمۡ إِنۡ عَلِمۡتُمۡ فِيهِمۡ خَيۡرٗاۖ وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ وَلَا تُكۡرِهُواْ فَتَيَٰتِكُمۡ عَلَى ٱلۡبِغَآءِ إِنۡ أَرَدۡنَ تَحَصُّنٗا لِّتَبۡتَغُواْ عَرَضَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۚ وَمَن يُكۡرِههُّنَّ فَإِنَّ ٱللَّهَ مِنۢ بَعۡدِ إِكۡرَٰهِهِنَّ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ﴾ [النور: 33]
أبشروا معاشرَ المستعفين وأمِّلوا خيرًا؛ فقد وعد الله تعالى بالتفضل عليكم، فأنتم من أولى الناس بفضله؛ لحرصكم على العفة والصيانة. حين تأمر الشريعة السادةَ بالاستجابة لطلب عبيدهم في المكاتبة، وتحقيق حاجتهم في الزواج؛ فإنما تُعين الأمَة على الحرية، وتربِّيها على العفَّة. المال مالُ الله تعالى، وهو الذي ييسِّر للعباد أسبابه، فمَن تصدَّق منه فقد شكر معطيَه، ومَن منعه فقد جحد نعمتَه، والجحود من أسباب الحرمان، وأولى الناس بمالك مَن تحت يدك. يريد الإسلام للبيئة المؤمنة الطهارةَ من كلِّ رجس، وإغلاقَ كلِّ باب للمتعة المحرَّمة؛ حتى يبحثَ الناس عن الطريق الواحد النظيف. من رحمة الله تعالى بعباده أنه لا يؤاخذهم بأفعالهم القائمة على الإكراه المُلجِئ الذي يخلو من الاختيار والرضا. |
﴿وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا ﴾ [الفرقان: 67]
عباد الرحمن عقلاءُ حكماء في الإنفاق، لا يتأثَّرون بدوافع البذل من أهواءٍ وعواطفَ فيُسرفوا، ولا يتأثَّرون بدوافع الإمساك من بخلٍ وخوف من الفقر فيقتِّروا. |
﴿يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ ﴾ [الشعراء: 88]
يوم القيامة لا مالٌ ينفع، ولا ولدٌ من العذاب يَدفع، فكيف سينفع المرءَ ما دون ذلك؟ |
﴿إِلَّا مَنۡ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ ﴾ [الشعراء: 89]
أجمع السائرون إلى الله على أن القلوب لا تُعطى مُناها حتى تصلَ إلى مولاها، ولا تصلُ إليه حتى تكون طاهرةً من الشبُهات والشهَوات. |
﴿أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِٱلۡحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [القصص: 54]
ما أعظمَ ثوابَ الكتابيِّ حين ينتصر على هواه وبيئته الفاسدة وتقليده لقومه، ثم يُقبل على الإسلام منقادًا محِبًّا! علت نفوسُهم حتى صبرت على الأذى، وتحمَّلت في سبيل التمسُّك بالحقِّ صنوفَ البلوى، فدفعت السيِّئةَ بالحسنى. حين يستعلي المرءُ على شهَوات النفس، ويعتزُّ بقيمةٍ هي أكبر من قيَم الأرض، فإنه يعوِّد بذلك نفسه أن تكون سمحةً بالمال كما كانت سمحة بالإحسان. |
﴿فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَصۡحَٰبَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلۡنَٰهَآ ءَايَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ﴾ [العنكبوت: 15]
كلَّما ركبتَ البحر فاذكر أن السفينة كانت يومًا مَنجى المؤمنين، وأن البحر كان مَهلَك الطغاة والظالمين. |
﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفٗا وَطَمَعٗا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16]
ينتظر المحبُّ ساعات الليل ليخلوَ عن شواغل الدنيا كلِّها بربِّه، ويتفرَّغَ للأنس به، وتذوُّق حلاوة مناجاته والتنعُّم بقربه، مغتنمًا سعادةً لا يعرفها إلا مَن هجر فراشه لعبادة خالقه. مهما أغرت المضاجع قومًا بالرقود والراحة ولذيذ المنام، فإن قومًا آخرين يقاومون تلك الإغراءات طمعًا بما هو خير لهم وأطيب. كم من تقصير للعبد يوجب عليه الخوف من عواقبه، ويدعوه إلى تلمُّس الفضل من الله تعالى والطمع بما عنده! لم يغتروا بعملهم ويَركَنوا إلى ركعاتهم والناس في سباتهم، بل جمعوا إلى العمل العظيم الخوفَ من الله وعقابه، والرجاء في قبوله وفضله. إن دعتك نفسك إلى النوم فادعُها إلى لذَّة القيام والمناجاة، وإن أغرَتك بجمع المال فعرِّفها لذَّة الإنفاق. |
﴿قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]
يا صاحبَ المال، أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقلالًا، فإن الرزق بيده يوسعه ويضيِّقه، ولن يُفقرَك إنفاقك في سبيله وبَذلُك في مرضاته. لا يُبسَط الرزق لامرئٍ لذكائه وكرامته، ولا يُضيَّق عليه لغبائه وهوانه، بل ذلك يرجع إلى علم الله وحكمته؛ فكم من ذكيٍّ يعيش في أحضان الفقر، وسواه في أثواب الغنى مختال. المؤمن بربِّه، الموقن بوعده، المصدِّق بكلامه، لا يبخل عن الإنفاق وقد أخبره الله بأن ما أنفقه من أجله فإنه سيعوِّضه في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالثواب. ما أهونَ الإنفاق على مَن يعلم أن الله تعالى يرضى عنه ما تصدق، ويخلف عليه نفقته عاجلًا أو آجلًا! خالق الرزق وخالق أسبابه التي ينتفع بها المرزوق هو مَن بيده رزق عباده، فاطلب الرزق منه وحده، ولا يتعلق قلبك بسواه. يرزق الله تعالى مَن يطيعه ومن يعصيه، ولا يَشغَله فيه أحدٌ عن أحد. |
﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ﴾ [فاطر: 29]
محافظة المرء على تلاوة القرآن، وتتابع قراءته له، تثمر ثناء الله تعالى على صاحبه. إن التجارة الرابحة أن يداومَ المسلم على تلاوة القرآن، وإقامة الصلاة التي يظهر أثرُها في القلب والجوارح، وإنفاق المال فيما يحب الله تعالى في السرِّ والعلانية. مَن أراد الخير من ربِّه فليُخلص له عمله ويوجِّه إليه قصده في قراءته وصلاته وإنفاقه وسائر أعماله الصالحة، فذلك الذي يبيع لله، فما أعظمَ ربحَه! |
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥٓ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ﴾ [يس: 47]
علامَ يقبِض المرء يدَه عن الإنفاق في سبيل الله؟ أما علم أن المال مالُ الله أودعَه عنده لينظرَ فيما يُنفقه؟! لا يكتفي أهل الباطل بالمضيِّ قدُمًا في باطلهم حتى يزوِّروا الحقائق، ويَصِموا المصلحين المخلصين بالضلال المبين! فليصبروا وليحتسبوا. |
﴿وَٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِرَبِّهِمۡ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَمۡرُهُمۡ شُورَىٰ بَيۡنَهُمۡ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ﴾ [الشورى: 38]
الاستجابة لله إنما هي ثمرةٌ من ثمرات العبوديَّة لربِّ العالمين، واليقين بأنه سبحانه لا يأمر عباده إلا بما فيه صلاحُهم وفلاحهم. الصلاة مشهدٌ عظيم من مشاهد اجتماع القلوب، ولن يرتفعَ للأمَّة شأنٌ وتجتمعَ على رأي، حتى تقيمَها على خير وجه. من مظاهر الأمَّة الراشدة أنها لا يستأثر فيها أحدٌ برأيه، ولكن يتداولون الرأيَ ويتشاورون فيه، ليكونوا على قلب رجلٍ واحد. |
﴿هَٰٓأَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَٱللَّهُ ٱلۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم ﴾ [محمد: 38]
لا يَكمُل إيمانُ عبد حتى يقدِّم مَحابَّ الله على مَحابِّه، ويقدِّم داعيَ ربِّه على داعي قلبه. مَن بَخِل فإنما يَبخَل عن نفسه، ومَن بذل فقد أراد الخير لها، وما تُنفقه اليوم تجده غدًا. الله غنيٌّ عن عباده، وما أعطاهم فقدَّموا منه فيما يحبُّ فهو لهم ذُخر مُدَّخر لديه سبحانه. إن الفقير إذا انحاز للغنيِّ سَعِد به، وناله من حظِّه، فكيف بمَن جعل تجارته مع ربِّه أفلا يَسعَد ويَهنأ؟ لم يعلِّق الله نصرة دينه على قوم بعينهم، بل جعل ذلك اصطفاءً واجتباءً يكرم به من شاء من عباده. ﴿يستبدل قومًا غيركم﴾ تحذير يصعق القلوب الغافلة، ويحرك الأجساد التي خلدت إلى الأرض، لتعاود مسيرها لنصرة دين ربها. |
﴿وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ ﴾ [الذاريات: 19]
يا لها من مرتبةٍ رفيعة؛ أن يفرضَ المرء على نفسه البذلَ عن طيب خاطر؛ رجاءَ ما عند الله! من كمال الكرم والسَّخاء، تحرِّي الفقيرَ المتعفِّفَ الذي لا يسأل الناسَ لشدَّة الحياء. |
﴿ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡرٞ كَبِيرٞ ﴾ [الحديد: 7]
من ثمرات الإيمان الصحيح الصادق الإنفاقُ في سبيل الله، فهو يحملُ صاحبَه على السَّخاء والعطاء، ليقينه أنَّ ما عند الله خيرٌ وأبقى. كيف لك أن تبخلَ أيها المسلم، وما بيدك من مالٍ ومتاع هو لله تعالى وصائرٌ بعدك إلى من يرثُك؟ فادَّخِر منه لآخرتك تسلَم. ما أكرمَكَ ربَّنا وأجزلَ فضلَك! مننتَ علينا بالمال من لدُنْك، وحثَثتَنا على الإنفاق منه في سبيلك، ثم كافأتنا عظيمَ المكافأة على إنفاقه، وما هو إلا منكَ وإليك. |
﴿وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَةٗ مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّٗا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ ﴾ [الحديد: 10]
يوقنُ ذوو الألباب أنهم لن يصطحبوا إلى قبورهم شيئًا من مالهم، فتراهم يُنفقونه بسخاء نفسٍ وطِيب خاطرٍ في أوجه الخير والصَّلاح. إذا كان الإنفاقُ في الخيرات فضيلة، فإنَّ السَّبقَ في الإنفاق تمامُ الفضيلة، وخصوصًا في أوقات العَوَز والضِّيق. الشدائدُ والمِحَن هي المِحَكُّ الحقيقيُّ لمعادن الرجال، الكاشفُ عن صدق الإيمان وقوَّة اليقين؛ فمَن كان فيها جَسورًا صَبورًا استحقَّ الرِّفعةَ في الدنيا والكرامةَ في الآخرة. من حقِّ المحسن أن يُكافأَ ويُشادَ بعمله، ولو كان دونَ غيره في الإحسان؛ فإنَّ ذلك أدعى لبذله مَزيدًا من الجُهد في اللَّحاق بسابقيه. |
﴿لِلۡفُقَرَآءِ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأَمۡوَٰلِهِمۡ يَبۡتَغُونَ فَضۡلٗا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَٰنٗا وَيَنصُرُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلصَّٰدِقُونَ ﴾ [الحشر: 8]
لمَّا هجرَ المهاجرون لذَّاتِ الدنيا، وتحمَّلوا شدائدَها ابتغاء رضا الله ونصرةً لدينه، ظهر صدقُهم، وأشرق بِرُّهم، فاستحقُّوا التكريمَ في الدنيا والآخرة. منزلةُ الصِّدق رفيعةٌ عليَّة، لا تُنال إلا بالصبر والتضحية، وإيثار الآخرة على الدنيا. مَن كان ولاؤه وهواه لدينه مقدَّمًا على ولائه وهواه لعشيرته وداره ومالِه، رضي الله عنه وآتاه من واسع فضلِه. معيارُ ما لديك من صدق وإخلاص هو مقدارُ نصرتك لله ولرسوله ﷺ ولدينه، وصبرك على الابتلاء في سبيله. |
﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَٱمۡتَحِنُوهُنَّۖ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ ٱللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ﴾ [الممتحنة: 10]
إنما يُحكم على الناس بظاهر ما يكونُ منهم، والله وحدَه يتولَّى السرائر. إيَّاك وسوءَ الظنِّ بعباد الله، فإنك لن تكشفَ عمَّا في قلوبهم وصدورهم، وحسبُك منهم ظاهرُ قولهم وفعلهم. الخير كلُّ الخير في التسليم لحُكم الله تعالى والرضا بشريعته، فإن الله سبحانه عليمٌ بما يُصلح عباده، حكيمٌ في جميع أقواله وأفعاله. |
﴿وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ ﴾ [الممتحنة: 11]
الإيمان الصحيحُ يبعث على التقوى ومخافة الله، وممَّا يزداد به الإيمانُ كثرةُ التفكُّر في آلاء الله، وتدبُّر آياته. كلُّ امرئ يعمل على شاكلته؛ أمَّا الكفَّار فدأبُهم ظلمُ المسلمين وقهر المتَّقين، وأمَّا المسلمون فيعدِلون ويُنصفون، وذلك مقتضى الإيمان والتقوى. |
﴿هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنۡ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْۗ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَا يَفۡقَهُونَ ﴾ [المنافقون: 7]
لا تطيب نفسُ المنافق بالعَداء لدين الله وأهل الحقِّ بنفسه، حتى يستعديَ عليهم غيرَه ويحثَّهم على إيذائهم. لا تُبالِ أيها المؤمنُ بإرجاف المنافقين؛ فإن لله خزائنَ السماوات والأرض يؤتي الرزقَ مَن يشاء، ويمنعه مَن يشاء. دَيدَنُ المنافقين الحضُّ على منع الإنفاق في وجوه الخير والبر؛ لما يعلمون من أهميَّة المال وأثره في انتشار الدعوة التي تُبغضها قلوبهُم، وتشمئزُّ منها نفوسهُم. تضاءلت فهومُ المنافقين فانحصرَت في الحياة الدنيا، ظانِّين لقمةَ العيش هي كلَّ شيء، فتواصَوا بينهم بتجويع المؤمنين الصالحين، على اختلاف الزمان والمكان. |
﴿وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلۡمَوۡتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ﴾ [المنافقون: 10]
قال ابنُ عبَّاس رضي الله عنهما: (تصدَّقوا قبل أن ينزلَ عليكم سلطانُ الموت فلا تُقبَل توبةٌ ولا ينفع عمل). أدِم ذِكرَ هاذم اللذَّات، فإنه أحرى أن يشجِّعَكَ على الإنفاق في سبيل الله تعالى؛ إذ ليس للإنسان إلا ما تركَ من صالحات. لولا عِظَمُ الصدقة ومكانتُها عند الله لما كان أولَ ما يرجو العبدُ لو أُتيح له الرجعةُ إلى الدنيا أن يتصدَّق. كل يوم تُشرق عليك فيه الشمس وأنت حيٌّ هو منحةٌ جديدة لك لاستدراك ما فاتَك، والتوبة عمَّا اجترحَت يداك، فهل من مُعتبر؟! مَن ذا الذي يعلم يقينًا ماذا بقيَ له من عمُر وعمل؟ فلا تقعد مهما تقدَّمَت بك السنُّ أو غلبك الضعفُ والمرض عن عملٍ صالح تُلاقي به مولاك. |
﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ وَٱسۡمَعُواْ وَأَطِيعُواْ وَأَنفِقُواْ خَيۡرٗا لِّأَنفُسِكُمۡۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴾ [التغابن: 16]
يتجلَّى لطفُ الله بعباده في أنه لا يشقُّ عليهم ولا يُعنتهم، ويرضى منهم ما يُطيقون من عمل في طاعته وتقواه. مَن تلقَّى أوامرَ الله تعالى ورسوله ﷺ باهتمام وتعظيم، كانت طاعتُه على بصيرة، وعن حبٍّ وانشراح صدر. حين يتيقَّن المسلم أنَّ ما يُنفقه في وجوه البِرِّ إنما هو إنفاقٌ لنفسه لا لغيره، فإنَّ ذلك يَحفِزُه إلى بذل المزيد؛ ليكونَ من الفائزين. يا لها من مرتبةٍ رفيعة؛ مرتبة التحرُّر من الأثَرة والبُخل، وتربية النفس على السَّخاء والبَذل، بأريحيَّة ونُبل. |
﴿لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا ﴾ [الطلاق: 7]
ما أحوجَنا إلى امتثال توجيهات الله تعالى وأوامره، ومنها قناعةُ المرء بما يُنفَقُ عليه، دون تكليف المُنفِق ما ليس في طَوقه وقدرته. لمَّا كان الأمر كلُّه بيد الله وحدَه؛ فهو الذي يعطي ويمنع، ويبسُط ويقبض، وبيده الضِّيق والفرَج، والشدَّة والرَّخاء، وجبَ أن نُفردَه بالطَّلب والالتجاء. إن العُسر لا بدَّ أن يعقبَه يُسر، والمشقَّة يعقبها راحة، ولكن لكلٍّ وقتٌ معلوم، وما عليك إلا أن تتفاءلَ وتترقَّبَ الفرَج. مهما اشتدَّ بك الأسى، وأظلمَت عليك الدنيا، وسُدَّت في وجهك الآفاق، فإن الخلاص آتٍ آت، فتسلَّح بالأمَل؛ ليكونَ قائدَك إلى الصبر والعمَل. |
﴿وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ ﴾ [المعارج: 24]
شعورُك أيها المسلمُ أن للمحتاجين حقًّا في مالك هو شعورٌ بفضل الله عليك من جهة، وشعورٌ بآصرة الأخوَّة الإنسانيَّة من جهة أخرى. ليس كالإنفاق في سبيل الله أمرٌ يحرِّر النفسَ من رِبقة البخل، فضلًا عن أن يكونَ ضمانةً اجتماعيَّة لتكافُل الأمَّة وتعاونها. |
مواضيع أخرى في القرآن الكريم
موالاة المؤمنين شديد العذاب عقوبات جزائية الزارعة البيع ابراهيم ليس يهوديا ولا مسيحيا اسم الله البارئ اللغات التي كان يتكلم بها الأنبياء يوم الحشر كيفية الدعاء
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Friday, December 27, 2024
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب