يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف

حديث: يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف

عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العواف - يريد عوافي السباع والطير - وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما».

متفق عليه: رواه البخاري في فضائل المدينة (١٨٧٤)، ومسلم في الحج (١٣٩٨: ٤٩٩) كلاهما من طريق الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة قال: فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف رواه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب فضائل المدينة، باب لا يدخل الدجال المدينة)، ومسلم في صحيحه، عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه. وهو يتناول جانباً من أشراط الساعة وعلامات قرب القيامة، ويخص بذلك حال المدينة المنورة في آخر الزمان.

أولاً. شرح المفردات:

● يتركون المدينة: أي يهجر الناس المدينة المنورة ويتركوا سكناها.
● على خير ما كانت: أي في أحسن أحوالها وأطهرها، خالية من المنافقين وأهل الشر.
● لا يغشاها إلا العواف: (يغشاها) أي يزورها أو يدخلها. (العواف) جمع عافٍ، وهو المفترس من السباع والطير الجارح. وقيل: هو كل طير أو سبع يعاف الشيء أي يطلبه. والمعنى: أن لا يسكنها إلا هذه الحيوانات.
● عوافي السباع والطير: تأكيد وتوضيح للمقصود بـ "العواف"، وهي السباع مثل الذئاب والأسود، والطير الجوارح مثل الصقور والنسور.
● آخر من يحشر راعيان من مزينة: (مزينة) اسم قبيلة عربية. (يحشر) أي يخرج من المدينة أو يُقبض عليه عند هلاكها.
● ينعقان بغنمهما: (ينعقان) أي يصوتان لها لقيادتها. والنعيق هو صوت الراعي للغنم.
● فيجدانها وحشاً: (وحشاً) أي خالية من البشر،变成了 كالبرية.
● ثنية الوداع: هي مكان مرتفع معروف على طريق المدينة إلى مكة، كان المسافرون يودعون منها المدينة.
● خرا على وجوههما: (خرا) أي سقطا. أي سقطا على وجوههما ميتين.

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن حالة ستحدث للمدينة المنورة في آخر الزمان، حيث سيتركها الناس ويهجروها بعد أن كانت عامرة بالسكان، ولكنها ستكون في ذلك الوقت في أفضل حالاتها طهراً ونقاءً من الشرور والمنكرات وأهل النفاق.
ولن يكون فيها أحد من البشر، بل ستكون خالية إلا من السباع والطيور الجارحة التي تتخذها موطناً لها.
ثم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن آخر شخصين يغادران المدينة أو يموتان فيها هما راعيان من قبيلة مزينة، سيخرجان بغنمهما من المدينة ويصوتان لها كما يفعل الرعاة. وعندما يلتفتان إلى المدينة يجدانها قد خلت تماماً من أي إنسان، وأصبحت كالأرض الموحشة. وحينما يصلان إلى مكان يسمى "ثنية الوداع" – وهو مكان مرتفع كانت تُرى منه المدينة – يسقطان ميتين على وجوههما فجأة.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظم منزلة المدينة المنورة: الحديث يبرز المكانة الخاصة للمدينة المنورة في الإسلام، وأن الله تعالى سيحفظها حتى في آخر الزمان لتكون على خير حال.
2- تحقق نبوءات النبي صلى الله عليه وسلم: هذا الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم التي أخبر بها عن الغيب، وهي علامة على صدق نبوته.
3- علامة من علامات الساعة: هجرة الناس من المدينة وخرابها من الأشراط الكبرى التي تدل على قرب القيامة.
4- الهلاك المفاجئ: موت الراعيين بشكل مفاجئ هو دليل على أن الموت يمكن أن يأتي بغتة، مما يحث المسلم على الاستعداد الدائم له بلزوم طاعة الله.
5- انقلاب الأحوال: هذا المشهد يدل على أن الدنيا دار فناء، وأن العمران والازدهار الحالي سينقلب إلى خراب ووحشة، مما يذكر بالآخرة ويزهد في الدنيا.

رابعاً. معلومات إضافية:

- يشير كثير من العلماء إلى أن هجرة الناس من المدينة ستكون بسبب أحداث عظيمة وكوارث في آخر الزمان، كخروج الدجال ونزول المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، حيث سيأمر عيسى الناس بالخروج إلى الشام لأرض المحشر والمنعة من الفتن.
- الحديث لا يتناقض مع الأحاديث الأخرى التي تذكر أن المدينة ستحفظ من الطاعون والدجال، فهذا الحفظ يكون في زمن معين، وأما خرابها فهو علامة لاحقة وقريبة من القيامة.
- "ثنية الوداع" مكان تاريخي معروف، وهو يذكرنا بمشاعر الصحابة رضي الله عنهم عندما كانوا يودعون المدينة ويشعرون بحزن الفراق لها، مما يعلمنا حب هذا البلد الطاهر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في فضائل المدينة (١٨٧٤)، ومسلم في الحج (١٣٩٨: ٤٩٩) كلاهما من طريق الزهري، قال: أخبرني سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة قال: فذكره.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 75 من أصل 136 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف

📜 حديث: يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العواف

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية