ما أجلسكم؟ جلسنا نذكر الله

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهلاً وسهلاً بك، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه والعمل بها.

---

الحديث الشريف:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله! ما أجلسنا إلا ذاك. قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله ﷺ أقل عنه حديثا مني، وإن رسول الله ﷺ خرج على حلقة من أصحابه فقال: «ما أجلسكم؟» قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومنّ به علينا. قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟» قالوا: والله! ما أجلسنا إلا ذاك. قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله عز وجل يباهي بكم الملائكة».

---

1. شرح المفردات:

● حلقة: جماعة من الناس جالسين في شكل دائري أو مجموعة.
● ما أجلسكم؟: ما السبب في جلوسكم؟
● نذكر الله: أي نذكر الله تعالى بالثناء عليه، والتسبيح، والتحميد، والتهليل، وغيرها من الأذكار.
● آلله: أداة قسم، أي "أتقسمون بالله؟".
● أستحلفكم: أطلب منكم أن تحلفوا.
● تهمة: شك أو اتهام في صدقكم.
● يباهي: يفاخر ويعظم شأنكم.

---

2. شرح الحديث:

يبدأ الحديث بأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهو خليفة المسلمين آنذاك، رأى مجموعة (حلقة) من الصحابة جالسين في المسجد، فسألهم عن سبب جلوسهم. فأجابوه أنهم يجلسون لذكر الله تعالى. ليطمئن على صدق نيتهم، سألهم مستخدماً أسلوب القسم للتأكيد: "آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟" أي "أتقسمون بالله أن ما جلسكم هنا إلا لذكر الله؟". فأقسموا بالله أن ذلك هو سبب جلوسهم الوحيد.
هنا يوضح معاوية رضي الله عنه أنه لم يسألهم بهذه الطريقة لأنه يشك فيهم، بل ليقص عليهم قصة مماثلة حدثت مع النبي صلى الله عليه وسلم. فهو يذكر أنه من أكثر الصحابة رواية للحديث، ويعلم الكثير عن سنته.
ثم يحكي معاوية القصة الأصلية: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة على حلقة من أصحابه وسألهم نفس السؤال: "ما أجلسكم؟". فأجابوه أنهم يجلسون لذكر الله وحمده على نعمة الإسلام والهداية. فاستخدم النبي نفس أسلوب التأكيد بالسؤال: "آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟". فأقسموا بالله أن ذلك هو هدفهم الوحيد.
عندها أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يسألهم لأنه يشك فيهم، بل لأن جبريل عليه السلام قد أتاه وأخبره بأن الله تعالى يباهي بهم الملائكة، أي يفاخر بهم ويعظم شأنهم أمام ملائكته الكرام.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- فضل مجالس الذكر: الحديث يظهر المكانة العظيمة لمن يجلسون في المسجد يذكرون الله تعالى. ففضلهم كبير لدرجة أن الله تعالى يفاخر بهم أمام الملائكة.
2- إخلاص النية: سبب هذا الفضل العظيم هو إخلاص هؤلاء الصحابة في عبادة الله، حيث كان جلوسهم خالصاً لذكر الله دون أي غرض دنيوي.
3- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم: فعل معاوية رضي الله وسلمه يدل على حرص الصحابة على تطبيق سنة النبي وتذكير الناس بها، حتى في أساليب التربية والتعليم.
4- اطمئنان القلب على صدق المؤمنين: لم يكن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم أو معاوية نابعاً من سوء الظن، بل كان للتأكيد وبيان الفضل، وهو أسلوب تربوي لتعظيم أجر هذا العمل في نفوسهم.
5- علو منزلة الأمة المحمدية: أن الله تعالى يباهي بهذه الأمة الصالحة أمام الملائكة، وهذه من أعظم المناقب التي تشرف بها أمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من أصح الكتب بعد القرآن الكريم.
● الذكر يشمل جميع أنواع الطاعات القولية التي تقرب إلى الله، مثل التسبيح (سبحان الله)، والتحميد (الحمد لله)، والتهليل (لا إله إلا الله)، والتكبير (الله أكبر)، وقراءة القرآن، ودعاء الله تعالى.
- الحديث يحثنا على المحافظة على مجالس الذكر في المساجد والبيوت، والحرص على إخلاص النية لله تعالى فيها.
- فيه تربية على حسن الظن بالمسلمين، فمعاوية بدأ كلامه بنفي التهمة عنهم حتى لا يجرح مشاعرهم.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذاكرين الله كثيراً، وأن يتقبل منا صالح الأعمال. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.