حديث: الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في فترة الوحي

عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: قال رسول اللَّه ﷺ وهو يحدّث عن فترة الوحي-: «فيينا أنا أمشي سمعتُ صوتًا من السّماء، فرفعتُ رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسًا على كرسي بين السماء والأرض» قال رسول اللَّه ﷺ: «فَجُئْثْتُ منه فرقًا، فرجعتُ فقلت: زمِّلوني زمِّلوني، فدثَّروني، فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [سورة المدثر: ١ - ٥] وهي الأوثان، قال: ثم تتابع الوحي».

متفق عليه: رواه البخاريّ في بدء الخلق (٣٢٣٨)، ومسلم في الإيمان (١٦١) كلاهما من حديث اللّيث قال: حدثني عُقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنّ جابر بن عبد اللَّه قال.

عن جابر بن عبد اللَّه الأنصاري قال: قال رسول اللَّه ﷺ وهو يحدّث عن فترة الوحي-: «فيينا أنا أمشي سمعتُ صوتًا من السّماء، فرفعتُ رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسًا على كرسي بين السماء والأرض» قال رسول اللَّه ﷺ: «فَجُئْثْتُ منه فرقًا، فرجعتُ فقلت: زمِّلوني زمِّلوني، فدثَّروني، فأنزل اللَّه ﵎: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [سورة المدثر: ١ - ٥] وهي الأوثان، قال: ثم تتابع الوحي».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المرسلين.
أما بعد، فسأقوم بشرح هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، شرحًا وافيًا مستندًا إلى كلام أهل العلم والتفاسير المعتمدة.

أولاً. شرح المفردات:


● فترة الوحي: الانقطاع المؤقت للوحي بعد نزوله أول مرة في غار حراء.
● زمِّلوني: التلفظ بلفظ "زمِّلوني" من الزَّمْل، وهو التغطية واللف بالثياب. (ومعناه: غطوني أو البسوا عليَّ شيئًا لأستتر به).
● دثَّروني: من التدثّر، وهو التغطية بثوبٍ أو لِحاف. (ومعناه: غطوني بأغطية ثقيلة).
● فَجُئْثْتُ: أي فُزِعْتُ وانهالت عليَّ من الخوف والرهبة.
● الرُّجْز: هو الأوثان والآلهة الباطلة، وقيل: هو كل معصية أو دنس.


ثانيًا. المعنى الإجمالي للحديث:


يصف النبي ﷺ في هذا الحديث اللحظات الأولى بعد انقطاع الوحي لفترةٍ بعد نزول أول آيات القرآن في غار حراء، حيث سمع صوتًا من السماء، فنظر فإذا بالملك جبريل – عليه السلام – الذي جاءه سابقًا في حراء جالسًا على كرسي بين السماء والأرض بشكل مهيب، فامتلأ قلبه ﷺ خوفًا ورهبةً من عظمة المنظر، فعاد إلى بيته طالبًا من زوجته خديجة وأصحابه أن يغطُّوه ويدثَّروه – أي يلفُّوه بالثياب – ليستتر ويهدأ من روعه. وفي هذه اللحظة نزلت عليه سورة المدثر، والتي كانت بمثابة بداية مرحلة جديدة من الدعوة، وهي مرحلة الإنذار والقيام بأمر الله تعالى.


ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:


1- بشريَّة النبي ﷺ: الحديث يظهر أن النبي ﷺ بشرٌ يخاف مثلما يخاف البشر، وهذا من أعظم الأدلة على صدقه، حيث لم يُدَّعِ الألوهية أو القوة الخارقة، بل كان عبدًا رسولًا.
2- بداية مرحلة الجهر بالدعوة: نزول سورة المدثر كان إيذانًا ببدء مرحلة جديدة، وهي الدعوة الجهرية والإنذار، بعد أن كانت الدعوة سرية في بدايتها.
3- التدرج في التكليف: لم يُكلَّف النبي ﷺ بالدعوة مرة واحدة، بل كان هناك تدرجٌ في نزول الوحي والتكليف، مما يدل على حكمة الله تعالى في تشريعه.
4- الاستعانة بالله عند الخوف: فعل النبي ﷺ يدل على أن اللجوء إلى الله والاستعانة به عند الشدائد هو السمة الأولى للمؤمن.
5- عظمة المَلَكِ جبريل ومهابته: مما يدل على جلالة مقام الملائكة وعظم خلقهم.


رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:


- هذا الحديث من الأحاديث التي تُعدُّ من أسباب النزول لسورة المدثر.
- السورة التي نزلت (سورة المدثر) تحوي أوامر مباشرة للنبي ﷺ بالقيام بالدعوة وتكبير الله وتطهير النفس والابتعاد عن الرجز (الأوثان والآثام).
- الفترة بين نزول أول آيات القرآن في غار حراء (أوائل سورة العلق) ونزول سورة المدثر كانت فترة انقطاع الوحي، والتي اشتد فيها شوق النبي ﷺ للوحي وبلغ منه الحزن مبلغًا عظيمًا.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا فهم سنة نبيه ﷺ والعمل بها، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في بدء الخلق (٣٢٣٨)، ومسلم في الإيمان (١٦١) كلاهما من حديث اللّيث قال: حدثني عُقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن، أنّ جابر بن عبد اللَّه قال. . . فذكره. واللّفظ لمسلم، ولفظ البخاريّ سواء.
وفي رواية عندهما: «ثم حمي الوحي وتتابع».
وقوله: «فترة الوحي» يعني احتباسه وعدم تتابعه وتواليه في النزول، ورد عن ابن عباس أنّها دامت أربعين يومًا، ولكن ذهب السهيليّ في «الرّوض الأنف» (٢/ ٤٣٣) إلى أن مدّة الفترة سنتان ونصف، انظر للمزيد فتح الباري (١/ ٢٧).
وأما ما ذكره البخاريّ في كتاب التعبير (٦٩٨٢) من طريق معمر، عن الزهريّ قال: حزن النبي ﷺ فيما بلغنا حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلَّما أوفَى بذروة جبل لكي يُلقي منه نفسَه تبدَّى له جبريل فقال: يا محمّد إنّك رسول اللَّه حقًّا فيسكن لذلك جأشُه وتقر تفسُه فيرجع. . . الخ. فهو من بلاغات الزهري غير موصول. وسيأتي الكلام عليه في السيرة النبوية.
وقد رواه ابن سعد (١/ ١٩٦) موصولًا من وجه آخر قال: أخبرنا محمد بن عمر، قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن أبي موسى، عن داود بن الحصين، عن أبي غطفان بن طريف، عن ابن عباس قال: لما نزل عليه الوحي بحراء، مكث أيامًا لا يرى جبريل، فحزن حُزنًا شديدًا، حتى كان يغدو إلى ثبير مرةً، وإلى حراء مرةً يريد أن يلقي نفسه منه، فبينا رسول اللَّه ﷺ كذلك عامدًا لبعض تلك الجبال إلى أن سمع صوتا من السماء فوقف رسول اللَّه ﷺ صعقا للصوت، ثم رفع رأسَه فإذا جبريل على كرسي بين السماء والأرض متربِّعًا عليه يقول: يا محمد! أنت رسولُ اللَّه حقًّا وأنا جبريل. قال: فانصرف رسول اللَّه ﷺ وقد أقرَّ اللَّه عينه ورَبَط جأشه ثم تتابع الوحي بعد وحَمِي.
ومحمد بن عمر هو الواقديّ متهم بالوضع، وفي التقريب: «متروك مع سعة علمه».
وإبراهيم بن محمد بن أبي موسى أشدّ ضعفًا منه، وقد كذّبه ابن المديني وغيره، وهو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، ولعلّ الواقديّ دلَّسه فجعله إبراهيم بن محمد بن أبي موسى أو تحرّف على الناسخ.
والخلاصة: أن هذه القصة مختلفة، لا ينبغي التحديث بها إلّا لكشف حالها من الوضع؛ لأنه لا يليق بالنبيّ ﷺ وهو معصوم أن يحاول قتل نفسه بالتردي من الجبل مهما كان الدّافع له على ذلك، فيجب الإنكار على هذه القصة المختلفة والموضوعة وباللَّه التوفيق.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب

معلومات عن حديث: الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض

  • 📜 حديث: الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب