اغسل أثر الصفرة واخلع جبتك في عمرتك

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يزيدنا وإياك فهماً لسنة نبيه ﷺ. هذا حديث عظيم فيه مشهد من مشاهد نزول الوحي على النبي ﷺ، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بحسب الطلب.

---

أولاً. شرح المفردات:

● الجِعْرَانَة: مكان بين مكة والطائف، كان النبي ﷺ فيه بعد غزوة حنين وقسمة الغنائم.
● جُبَّة: ثوب واسع يشبه العباءة أو الرداء، يُلبس فوق الثياب.
● خَلُوق (وفي الرواية: خُلُوف أو أَثَر صُفْرَة): نوع من الطيب فيه زعفران يصبغ الثوب بلون أصفر أو له رائحة.
● سُتِرَ بثوب: غُطّي بثوب أو كساء لحظة نزول الوحي عليه.
● غَطِيط: صوت يشبه صوت النائم من شدة ثقل الوحي عليه ﷺ.
● كغطيط البَكْر: البكر هو الفتي من الإبل، وصوته قوي. شبه صوت النبي ﷺ عند نزول الوحي بذلك الصوت.
● سُرِّيَ عنه: انكشف عنه ثقل الوحي وارتفع.

---

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا يعلى بن أمية رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ وهو في مكان يسمى "الجعرانة" بعد غزوة حنين، وكان هذا الرجل يلبس جبة عليها أثر طيب (صبغة صفراء أو رائحة). فسأل النبي ﷺ عن كيفية أداء العمرة. وفي لحظة سؤاله، نزل الوحي على النبي ﷺ، فغطي بثوب بسبب هيبة المشهد. وكان يعلى يتمنى رؤية النبي ﷺ في هذه اللحظة العظيمة، فسأله عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن كان يريد ذلك، ثم رفع طرف الثوب فرأى النبي ﷺ يُصدر صوتاً قوياً كصوت الجمل الفتي من شدة ثقل الوحي. فلما انتهى نزول الوحي وانكشف عنه ذلك الثقل، سأل النبي ﷺ عن السائل، وأمره بأن يغسل أثر الطيب من ثوبه، ويخلع الجبة، ويؤدي العمرة كما يؤدي الحج من حيث المناسك والإحرام.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- هيبة نزول الوحي: الحديث يصور لنا هيبة وحالة النبي ﷺ عند نزول الوحي عليه، مما يزيدنا يقيناً بأن القرآن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق.
2- حرص الصحابة على العلم: حرص الرجل السائل على سؤال النبي ﷺ، وحرص يعلى بن أمية على رؤية مشهد الوحي، يدل على شوق الصحابة لمعرفة الدين ومشاهدة علامات النبوة.
3- التجرد من الزينة والإسراف في الطيب أثناء الإحرام: أمر النبي ﷺ الرجل بغسل أثر الصفرة (الطيب) وخلع الجبة، لأن المحرم ممنوع من الطيب ولبس المخيط (كالجباب) عند جمهور العلماء، وهذا من تمام التجرد لله تعالى في النسك.
4- أن عمرة المفرد غير المقترنة بالحج لها أحكام مستقلة: ولكن النبي ﷺ في هذا الموقف أمره أن يصنع في عمرته ما يصنع في حجته، لأنه كان في نسك، فدل على أن من أحرم بعمرة فمناسكها كمناسك الحج إلا في الهدي والطواف وغير ذلك من الفروق.
5- أدب الصحابة مع النبي ﷺ: حيث لم يكشفوا الثوب إلا بعد إذن ضمني بقول عمر: "أيسرك أن تنظر إلى النبي ﷺ وقد نزل عليه الوحي؟".

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن.
- الحكمة من تغطية النبي ﷺ عند نزول الوحي: لحماية الصحابة من رؤية الهيبة العظيمة التي قد لا يحتملونها، ولتكريم النبي ﷺ في هذه اللحظة الجليلة.
- قوله ﷺ: "واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك" يعني: أقم على إحرامك وأتمم عمرتك كما تؤدي مناسك الحج من الطواف والسعي وغيرها، لكن بدون وقوف بعرفة ولا رمي جمار.
- يستفاد منه أن الطيب في الثوب إذا كان له أثر فإنه يجب غسله قبل الإحرام، وإلا فالإحرام صحيح مع الكراهة عند بعض العلماء.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، ويجعلنا من أهل السنة والاتباع، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.