إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء صلصلة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، وصححه الألباني، يصف لنا مشهدًا جليلاً من مشاهد نزول الوحي من الله تعالى إلى سماء الدنيا، وكيفية تلقي الملائكة له.

---

شرح المفردات:

● تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالوَحْيِ: أي حين يُنزِل الله تعالى وحيه وأمره.
● أَهْلُ السَّمَاءِ: هم الملائكة الكرام الساكنون في السماوات.
● صَلْصَلَةً: صوتًا شديدًا فيه حدة ورنين، كصوت الحديد.
● كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَا: يشبه الصوت صوت جر السلسلة (وهي الحلقات المعدنية المتصلة) على حجر أملس صلب (الصفا).
● يُصْعَقُونَ: يغشى عليهم من شدة الهيبة والخوف.
● فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ: أُزيل الفزع والخوف من قلوبهم.

---

المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عندما يتكلم الله تعالى بالوحي وينزله، يسمع سكان السماء من الملائكة صوتًا شديدًا مهيبًا، يشبه صوت جر السلسلة المعدنية على صخرة ملساء. هذا الصوت الهائل يسبب لهم من الهيبة والخوف ما يوقعهم في غشية (إغماء من شدة الخوف والرهبة). ويبقون على هذه الحالة من الذهول والغشية حتى يأتيهم جبريل عليه السلام بالوحي. فمجيء جبريل يطمئنهم ويزيل ما في قلوبهم من فزع. فيسألونه: "يا جبريل، ماذا قال ربنا؟" فيجيبهم جبريل: "قال الحق" (أي كلامًا حقًا ثابتًا لا شك فيه، وهو ما أمر به أو أخبر به). فيرددون قائلين: "الحق، الحق"، مصدقين ومؤكدين.

---

الدروس المستفادة والعبر:

1- عظمة الله وجلاله: الحديث يصور هيبة كلام الله تعالى وجلاله، حتى أن الملائكة المقربين الذين هم من خيرة خلقه يصعقون هيبة لصوت وحيه.
2- هيبة الوحي وجلالته: يجب أن يكون لمتلقي الوحي (القرآن والسنة) منا من الهيبة والتعظيم والإجلال ما يتناسب مع عظمة مصدره، وهو كلام الله تعالى.
3- طمأنينة الملائكة بقدوم جبريل: في هذا إشارة إلى مكانة جبريل عليه السلام كرسول الله الأمين إلى الأنبياء والملائكة، وأنه باعث الطمأنينة في النفوس.
4- إقرار الملائكة بالحق: سرعة تصديق الملائكة وقبولهم لكلام الله تعالى دون تردد، فهم يقرون بأنه الحق فور سماعهم له. وهذا نموذج يجب على المؤمن أن يحذو حذوه في قبول شرع الله والتسليم له.
5- أدب الملائكة مع الله تعالى: يتجلى في سؤالهم بأدب: "ماذا قال ربنا؟" ولم يقولوا "ماذا قال الله؟"، فـ "الرب" تفيد التعظيم والتبجيل، وفي ترديدهم "الحق الحق" تأكيدًا لتصديقهم.

---

معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الصوت والهيبة تكون عند نزول الوحي *إلى سماء الدنيا*، وهو غير حال نزول جبريل به على النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان يأتيه في صورة بشر أحيانًا لا يخاف منه.
- هذا الحديث يرد على من يتساهل في أمر الوحي أو يشكك فيه، فهو يبين عظمته وجلالة شأنه من لحظة نزوله من عند الله تعالى.
- فيه بيان لحال الملائكة وكونهم خلقًا عظيمًا، لكنهم مع عظمتهم يخشون الله ويهابونه حق هيبته.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا تعظيم وحيه والعمل به، وأن نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.