كيفية نزول الوحي على رسول الله

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
حياكم الله و بياكم أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم حديث نبيه ﷺ، وأن يرزقنا العمل به.
هذا الحديث العظيم الذي روتْه أمُّنا عائشة رضي الله عنها يصف لنا جانبًا من كيفية نزول الوحي على قلب سيد المرسلين ﷺ، وهو من الأحاديث التي تبين عظمة هذه الرسالة وجهد النبي ﷺ في تبليغها.

---

أولاً. شرح المفردات:

● يأتيك الوحي: ينزل عليك الوحي من الله تعالى.
● مثل صلصلة الجرس: الصلصلة هي الصوت القوي المُدَوِّي الذي يصدر من الجرس عند تحريكه. وشبّه النبي ﷺ صوت الوحي في بعض أحواله بهذا الصوت القوي.
● وهو أشد عليَّ: أي هذا النوع من الوحي هو الأصعب والأثقل على النبي ﷺ.
● فيفصم عني: "يفصم" بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد، من الفَصْم، وهو القطع والفك. والمعنى: ينقطع عني ويزول ذلك الثقل والعناء.
● وقد وعيت عنه ما قال: أي حفظت وفهمت كل ما قاله الملك عن الله تعالى.
● يتمثّل لي الملك رجلاً: أي يتشكل جبريل عليه السلام في صورة رجلٍ فيخاطبني.
● فأعي ما يقول: أفهم وأحفظ ما يلقيه علي.
● يتفصّد عرقاً: أي يَفيضُ ويَنْسَابُ عرقاً غزيراً. والتفصيد: الانصباب والتدفق.

---

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر النبي ﷺ في هذا الحديث عن حالين رئيسيين كان يأتيه فيهما الوحي:
1- الحال الأولى (الأشد): أن يأتيه الوحي مثل صلصلة الجرس، وهو صوت قوي ومفاجئ، فيكون هذا النوع شديداً ثقيلاً على النبي ﷺ جسدياً ونفسياً، حتى إنه ليتفصد جبينه الشريف عرقاً من شدة ما يجد، حتى ينقطع عنه الوحي فيزول ذلك الثقل، ويكون قد حفظ تماماً ما أوحي إليه.
2- الحال الثانية (الأخف): أن يتجلى له المَلَكُ جبريل عليه السلام في صورة رجلٍ فيخاطبه بكلام واضح، فيعي النبي ﷺ ما يقول له بدون ذلك الثقل والعناء الشديد الذي يصاحب الحالة الأولى.
وتؤكد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هذه الشدة التي كانت تلمسها، فحتى في اليوم الشديد البرد كان العرق يتفصد من جبينه الكريم ﷺ عند نزول الوحي بهذه الكيفية الشديدة.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظمة الوحي وثقل مسؤولية التبليغ: يبين الحديث الجهد الجسدي والنفسي الهائل الذي كان يبذله النبي ﷺ في سبيل تولي مسؤلية الوحي وتبليغه، مما يدل على عظمة هذه الرسالة وثقل الأمانة التي حملها.
2- صدق النبي ﷺ وأمانته: فلو كان الأمر من عنده لما كان لهذا الجهد والعناء معنى، فهو ﷺ يبلغ ما يوحي إليه ربه بكل أمانة وصدق، ويتحمل في ذلك ما يتحمله.
3- بشرية النبي ﷺ: الحديث يظهر الجانب البشري للنبي ﷺ، فهو يتأثر بنزول الوحي جسديا كأي إنسان، مما ينفي أي ادعاء بالألوهية أو الخصائص الغيبية التي لا تليق بمخلوق.
4- تفاضل طرق نزول الوحي: للوحي طرق مختلفة في النزول، منها ما هو شديد ثقيل، ومنها ما هو أخف، وهذا من حكمة الله تعالى.
5- ضبط الوحي وحفظه: قوله ﷺ: «وقد وعيت عنه ما قال» دليل على أن الله تعالى يضمن حفظ وحيه وتبليغه كما أنزل، دون زيادة أو نقصان.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل من الأصول في معرفة كيفية نزول الوحي، وهو من الأحاديث المتعلقة بصفات النبوة.
- الحديث متفق عليه، أي رواه الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحيهما، مما يجعله في أعلى درجات الصحة والثبوت.
- حالة النبي ﷺ عند نزول الوحي كانت معروفة لدى أصحابه، فكانوا يعرفون أنه يوحى إليه من خلال التغير الذي يظهر عليه، فيسكتون ويتباعدون عنه حتى ينقضي الوحي.
- هذه الشدة التي كان يجدها النبي ﷺ دليل على أن الوحي كان قوة خارجية تنزل عليه، وليست أفكاراً داخلية أو إلهاماً ذاتياً.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا حب نبيه ﷺ واتباع سنته، وأن يفقهنا في ديننا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.