خيمة اللؤلؤ المجوفة في الجنة وعرضها ستون ميلا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا حديث عظيم يصور لنا جزءاً من نعيم أهل الجنة وكرامتهم، وسأشرحه لك جزءاً جزءاً بحول الله وقوته.
### أولاً. تخريج الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه (ح 4878، 4879)، والإمام مسلم في صحيحه (ح 2838) من حديث عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه، وهو صحابي جليل معروف بأبي موسى الأشعري.

### ثانياً. شرح مفردات الحديث
● خيمة: هي ما يُضرب من البيوت من غير حائط، كالفسطاط.
● من لؤلؤة مجوفة: أي مصنوعة من لؤلؤة واحدة كبيرة مفرغة من الداخل.
● عرضها ستون ميلاً: المقياس هنا بالميل المعروف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مسافة كبيرة جداً تدل على سعة الجنة وعظم نعيمها.
● في كل زاوية منها أهل: أي في كل ركن من أركان هذه الخيمة العظيمة مجموعة من أهل الجنة.
● ما يرون الآخرين: بسبب سعة الخيمة واتساعها، لا يرى من في زاوية من فيها في الزاوية الأخرى.
● يطوف عليهم المؤمنون: أي يزورهم المؤمنون من غير أهل تلك الخيمة، يتنعمون برؤيتهم وزيارتهم.
● وجنتان من فضة، آنيتهما وما فيهما: أي قصران أو بستانان عظيمان مصنوعان من الفضة، وحتى الأواني وما بداخلهما من نعيم من فضة.
● وجنتان من كذا: في بعض الروايات "من ذهب"، أي قصران من ذهب، آنيتهما وما فيهما من ذهب.
● وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه: أي أن المؤمنين في الجنة على مقربة عظيمة من رؤية الله تعالى، والحاجز الوحيد هو "رداء الكبر" الذي هو من صفات الله تعالى، وهو لا يعني العجب بل العظمة والجلال.
● في جنة عدن: هي أعلى منازل الجنة وأفضلها، وهي مكان إقامة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

### ثالثاً. شرح معنى الحديث
يصف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث جانباً من عظيم نعيم أهل الجنة، حيث يكون لهم خيام عظيمة من لؤلؤ واحدة مجوفة، واسعة جداً حتى أن أهل كل زاوية لا يرون من في الزوايا الأخرى لاتساعها.
وهذا يدل على:
- سعة الجنة وضخامة نعيمها، فلا يمكن لعقل بشري أن يتخيلها.
- أن الله يكرم أولياءه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
ثم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم جنات من فضة وذهب، آنيتها وما فيها من نفس material، مما يدل على شدة الفخامة والجمال.
وأعظم ما في الحديث هو قوله: "وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن".
وهذا يعني:
- أن أهل الجنة، وخاصة في جنة عدن، قريبون جداً من رؤية الله تعالى.
- أن الحاجز بينهم وبين رؤية الله هو "رداء الكبر"، وهو من صفات الله تعالى التي لا تشبه صفات المخلوقين، وهو العظمة والجلال.
- وهذا يدل على أن رؤية المؤمنين لربهم في الجنة هي أعلى نعيم وأشرفه، كما قال تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا۟ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26]، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم.

### رابعاً. الدروس المستفادة من الحديث
1- عظم نعيم الجنة: فلا يمكن لعقل بشري أن يتصوره، وهو مما يزيد الشوق إلى العمل الصالح.
2- كرامة المؤمن عند ربه: حيث يُكرم بهذه المنازل العالية، والخيام العظيمة.
3- أهمية طلب الجنة والاستعداد لها: بالعمل الصالح والإيمان بالله ورسوله.
4- أن أعلى نعيم في الجنة هو رؤية الله تعالى: وهذا يحث المسلم على طاعة الله وابتغاء مرضاته.
5- أن الجنة درجات: وأن أعلاها هي جنة عدن، وهي للأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.

---

خامساً:

فوائد إضافية
- هذا الحديث من الأحاديث التي تُعرف بـ"أحاديث الصفات"، فيجب إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تمثيل، بل نؤمن بها على الوجه الذي يليق بجلال الله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل.
- الخيمة المذكورة هي من خصوصيات كرامة الله لأهل الجنة، وليست كخيام الدنيا.
- رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة هي من أعظم عقائد أهل السنة والجماعة، وهي رؤية حقيقية لا تشبه رؤية أي شيء in الدنيا، كما قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 22-23].
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الجنة، وأن ينعم علينا برؤية وجهه الكريم في جنات النعيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.