من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة

حديث: من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة

عن عبد اللَّه بن عمرو: عن النبي ﷺ: «من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما».

صحيح: رواه أحمد (٦٥٩٢) والطيالسي (٢٣٨٨) كلاهما من طريق شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو، فذكره.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
الحديث الذي طلبت شرحه: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا».
أخرجه الإمام البخاري في صحيحه.

1. شرح المفردات:

● ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ: أي انتسب ونسب نفسه إلى رجل غير والده الحقيقي، مع علمه بذلك.
● لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ: (يرح) بمعنى يشم. والمعنى: أنه لن يشم رائحة الجنة، أي لن يدخلها. وهذا من أساليب اللغة العربية في التأكيد على نفي الشيء بالكلية، كقولهم: "ما له نَصِيب" تأكيدًا لانعدام حظه منه.
● رِيحَهَا: عطرها وطيبها الفواح.
● مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا: مسافة بعيدة جدًا (سبعين عامًا سيرًا على الأقدام) للدلالة على شدة عظم هذا العطر وانتشاره، ومع ذلك فإن هذا الشخص محروم منه.

2. شرح الحديث:

يُحذِّر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تحذيرًا شديدًا من جريمة "ادعاء النسب"، وهي أن ينتسب الإنسان إلى غير أبيه الحقيقي مع علمه بذلك.
● شدة الوعيد: اقترن الوعيد في هذا الحديث بحرمانية الجنة، وهو من أشد الوعود في الإسلام، مما يدل على عظم هذه الجريمة وخطورتها عند الله تعالى. وهي من الكبائر.
● سبب الشدة: لأن في هذا الفعل عدة مفاسد عظيمة:
● قطيعة الرحم: حيث يؤدي إلى هجران الأقارب الحقيقيين وعدم البر بهم.
● ضياع الحقوق: من ميراث ونفقة وغيرها من الحقوق الشرعية التي تثبت بالنسب.
● اختلاط الأنساب: وهو من أشد الأمور التي حذر منها الإسلام، لأنه يفضي إلى ضياع الأسر وامتزاجها بغيرها، وقد يؤدي إلى نكاح المحارم من حيث لا يدري الناس.
● التعدي على الآخرين: بالدخول في نسبهم وأخذ ما ليس من حقك.
● الكذب والغش: فهو قائم على التزوير والكذب على الناس.
وقوله: «وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ عَامًا» هو للتأكيد على عظم النعمة التي حُرم منها هذا الشخص، فالجنة عظيمة ونعيمها هائل، حتى أن رائحتها الطيبة توجد من مسافة بعيدة جدًا، وهو مع ذلك محروم من دخولها بسبب هذا الذنب العظيم.

3. الدروس المستفادة والعبر:

1- حرمة انتساب الشخص إلى غير أبيه: وهو من الكبائر التي توعَّد فاعلها بأشد الوعيد.
2- الحفاظ على أنساب المسلمين: من المقاصد العظيمة للشريعة الإسلامية، فلا يجوز العبث بها أو التلاعب بها.
3- التحذير من الكذب والغش: خاصة فيما يتعلق بالأمور الخطيرة كالنسب.
4- بيان عظم نعيم الجنة: حتى أن رائحتها توجد من مسافات بعيدة، مما يحفز المسلم على الطاعة والبعد عن المعاصي.
5- العدل والصدق: يجب أن يكون المسلم صادقًا في كل أقواله وأفعاله، خاصة في الأمور الجوهرية كالنسب.

4. معلومات إضافية مهمة:
● هل الوعيد عام؟ أهل العلم على أن هذا الوعيد الشديد يخص من فعل ذلك عالمًا مختارًا، أي يعلم أن ذلك حرام ويعلم أن المنتسب إليه ليس أباه، ويفعله باختياره. أما من كان جاهلاً أو مُكرهًا أو لديه شبهة، فالله تعالى حكم عدل، وهو أعلم بالظروف والنيات.
● حالة من تبناه رجل ونشأ في بيته: لا يجوز لهذا الابن أن ينتسب إلى والد التبني قانونيًا، بل يجب أن ينتسب إلى أبيه الحقيقي. وإذا كان مجهول النسب، فينسب إلى مولاه (وليِّ أمره) أو يقول: "عبد الله" أو ما شابه من الألفاظ التي تدل على التواضع لله وعدم ادعاء نسب معين.
● الفرق بين هذا وبين "الاستلحاق": إذا ادعى رجل أن فلانًا هو ابنه وأنكرت الأم أو كان هناك نزاع، فهذه قضية أخرى ترفع إلى القضاء لفحصها وإثبات النسب بشروطه الشرعية، وهذا ليس من الادعاء المحرم بل هو طلب لحق.
نسأل الله تعالى أن يحفظ أنسابنا، ويجنبنا مواطن الزلل، ويدخلنا جنته برحمته.
والله أعلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (٦٥٩٢) والطيالسي (٢٣٨٨) كلاهما من طريق شعبة، عن الحكم، عن مجاهد، عن عبد اللَّه بن عمرو، فذكره. وإسناده صحيح.
ورواه ابن ماجه (٢٦١١) عن محمد بن الصباح، قال: أنبأنا سفيان، عن عبد الكريم، عن مجاهد به، بلفظ: «خمس مئة عام».
وعبد الكريم لم يرد منسوبا، فمن المحتمل أن يكون ابن أبي المخارق، وهو ضعيف، فإنه من شيوخ سفيان وتلاميذ مجاهد، وقيل: هو الجزري وهو ثقة.
وعلى كل حال قوله: «خمس مئة عام» غير محفوظ، وقوله: «سبعين عاما» هو المحفوظ، وهو الذي تشهد له الأحاديث الأخرى.
وأما اختلاف الروايات في ذكر الأربعين أو السبعين أو المائة فلعل ذلك يعود إلى تنوع الرائحة وقوتها وخفتها.
وقال العراقي: «الجمع بين هذه الروايات يختلف باختلاف الأشخاص بتفاوت منازلهم ودرجاتهم». (انظر: فتح الباري ١٢/ ٢٦٠).

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 34 من أصل 286 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة

📜 حديث: من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: من ادعى إلى غير أبيه لم يرح رائحة الجنة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية