ساقطتها لا تحل إلا لمنشد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث شريف رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه بيان لحكم شرعي مهم يتعلق بغنائم الحرب واللقطة في أرض المعركة. وإليك الشرح الوافي للحديث:

---

1. شرح المفردات:

● فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَكَّةَ: أي أنعم الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بفتح مكة دون قتال كبير، وكان ذلك في السنة الثامنة للهجرة.
● سَاقِطَتُهَا: أي الأشياء التي تسقط من الناس أو تضيع منهم، سواء في حال السلم أو الحرب، والمقصود هنا ما يُترك في أرض المعركة من متاع أو أموال.
● لِمُنْشِدٍ: أي للشخص الذي يبحث عن صاحبها ويعلن عنها ليعرفها أهلها. والمنشد هو الذي ينشد الضالة ويذكرها بين الناس ليعود حقها إلى صاحبها.

---

2. شرح الحديث:

بعد أن منَّ الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بفتح مكة، وخطب في الناس، بين لهم حكم ما يُوجد في أرض المعركة من أموال أو متاع قد سقط من أصحابه. فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أخذ هذه الأشياء دون بحث عن مالكها الحقيقي، وأخبر أنها لا تحل لأحد إلا إذا كان منشداً لها، أي يبحث عن صاحبها ويعلن عنها حتى يصل الحق إلى أهله.
وهذا الحكم يشمل ما يسقط في أرض المعركة من أسلحة أو دواب أو أمتعة، فلا يجوز لأحد أن يأخذها لنفسه مباشرة، بل يجب عليه أن يبحث عن صاحبها، فإن عرفه دفعها إليه، وإن لم يعرفه فإنه يعلن عنها حتى يجد صاحبها، فإن طال الوقت ولم يُعرف صاحبها، فله أن ينتفع بها بحسب التفصيلات الفقهية في أحكام اللقطة.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● الحرص على حفظ الأمانات وإعادة الحقوق إلى أصحابها: حتى في حال الحرب والفتح، فإن الإسلام يحرم الغلول وأخذ أموال الناس بغير حق.
● العدل والرحمة في الإسلام: فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن في أخذ أموال الناس حتى في لحظة الانتصار، بل أمر بردها إلى أصحابها.
● التأكيد على الأخلاق الحميدة: حتى في أشد الظروف، فإن المسلم مأمور بالصدق والأمانة والعدل.
● بيان سماحة الإسلام: حيث لم يُبح أخذ أموال الآخرين حتى ولو كانوا قد حاربوا المسلمين، بل أمر بردها إن عُرف صاحبها.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث يدخل في باب "اللقطة" وأحكامها، وقد بين الفقهاء تفصيلات كثيرة في كيفية التعامل مع الأشياء الضائعة.
- الفتح الذي حصل في مكة كان فتحاً عظيماً، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجاً، وكان من أسباب ذلك الأخلاق العالية التي أظهرها النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته.
- هذا الحديث يظهر أيضاً أن الإسلام لا يبيح الفوضى أو النهب حتى في حال الانتصار في الحرب، بل يضع ضوابط دقيقة تحفظ الحقوق وتدعو إلى النظام والعدل.
نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يردنا إلى الحق رداً جميلاً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.