لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
الحديث الشريف:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرِبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فَيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟ فَإِنَّمَا تُخْزَنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَتَهُمْ، فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ».
شرح المفردات:
* يَحْلِبَنَّ: كلمة مؤكدة بمعنى (يحلب)، والحلب هو استخراج اللبن من ضرع الحيوان.
* مَاشِيَةَ: كل ما يمشي من الحيوانات، والمقصود هنا الإبل والبقر والغنم التي تُحلب.
* مَشْرِبَتُهُ: مكان شربه، أو بيته وخزانته التي فيها طعامه وشرابه.
* خِزَانَتُهُ: موضع حفظ طعامه وماله، وهي مؤنثة (خِزانة).
* فَيُنْتَقَلَ: يُنْقَلُ ويُؤْخَذ.
* ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ: الضرع هو مكان اللبن في الحيوان (مثل الثدي في الإنسان).
شرح الحديث:
يُحذِّر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من الاعتداء على أموال الناس وأملاكهم، ويخص بذلك حلب مواشي الغير دون استئذان صاحبها.
فقد شبَّه صلى الله عليه وسلم ضرع الحيوان الذي يجمع اللبن بخزانة الطعام للإنسان، وشبَّه اللبن المخزون فيه بالطعام نفسه. فكما أن من القبيح والحرام أن يدخل إنسان إلى بيت آخر ويقتحم خزانة طعامه وينقلها إلى بيته، فكذلك هو قبيح وحرام أن يحلب أحدٌ ماشية غيره دون إذنه، لأنه يأخذ طعاماً مخزوناً ومعداً لصاحب الماشية وأولاده.
فالحديث يقرر مبدأ عظيماً وهو حرمة مال المسلم، وأنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في مال غيره، ولو كان شيئاً يسيراً كالحلب للشرب مرة واحدة، إلا أن يحصل على إذن صاحبه ورضاه.
الدروس المستفادة والعبر:
1- حرمة مال المسلم: يؤكد الحديث على عِظَم حرمة مال المسلم وأنه لا يجوز الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال، كبيراً كان أو صغيراً.
2- تحريم الغصب والاعتداء على الملكية الخاصة: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أي تصرف في ملكية الغير دون رضاه، وهذا يشمل الأموال والمنافع.
3- الحكمة من التشريع: جاء التشبيه البليغ (الخزانة والطعام) ليجسد المعنى في أذهان السامعين، وليؤكد أن هذا الفعل ليس مجرد أمر هيّن، بل هو اعتداء صريح.
4- النهي عن الاستخفاف بالصغائر: قد يرى بعض الناس أن حلب شاة مرة واحدة أمر بسيط، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنه اعتداء على الملكية، وأن الصغائر قد تجر إلى الكبائر.
5- التربية على الاستئذان واحترام الآخرين: يعلمنا الحديث أدب الاستئذان في كل شيء يتعلق بالغير، واحترام خصوصيات الناس وأملاكهم.
معلومات إضافية مفيدة:
* هذا الحديث أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
* يستدل الفقهاء بهذا الحديث على تحريم الانتفاع بمال الغير دون إذنه، سواء كان المال نفسه (كاللبن المسروق) أو منفعته (كحلبها لشرب اللبن فقط).
* يدخل في عموم هذا الحديث كل أنواع الاعتداء على الملكيات، كالسرقة والغش والغصب والاحتكار الضار وغيرها.
* الحديث يربي في المسلم ضميراً يقظاً وورعاً يمنعه من التعدي على حقوق الآخرين، حتى لو أمن من العقوبة الدنيوية.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.