لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه (رقم 2431) ومسلم في صحيحه (رقم 1071) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

---

أولاً. شرح المفردات:

● مر: سار واجتاز.
● تمرة: ثمرة النخلة الواحدة.
● لولا: أداة شرط تفيد الامتناع، أي: لولا خوفي لأكلتها.
● أخاف: أتوقَّع وأحذر.
● من الصدقة: أي من أموال الزكاة المفروضة أو الصدقات التطوعية المحرَّمة على النبي ﷺ وآل بيته.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما كان يسير في طريق من طرق المدينة، رأى تمرة ساقطة على الأرض، فتوقَّف عنها ولم يأكلها، معللاً ذلك بقوله: «لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها».
ومعنى هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن أكل هذه التمرة مع حاجته إليها، وخوفاً من أن تكون من أموال الصدقة (الزكاة) التي حرّمها الله تعالى عليه وعلى أهل بيته، تكريماً لهم و صوناً لهم من أكل أموال الناس، وليكونوا قدوة في التحرّز من الشبهات.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الورع والتحرز من الشبهات: يعلّمنا النبي ﷺ أعلى درجات الورع، حيث ترك شيئاً مباحاً في الأصل (أكل التمرة الساقطة) خوفاً من أن يكون داخلاً في المحظور. وهذا تطبيق عملي لقوله ﷺ: «فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه».
2- التزام النبي ﷺ بالتحريم الخاص به وبآل بيته: فقد حرّم الله عليه الصدقة تكريماً له، فالتزم بهذا الحكم وعلّمه لأمته.
3- عدم إضاعة المال: لو لم تكن من الصدقة لكان في أكلها إحياء للمال وإكرام للنعمة وعدم إضاعتها.
4- القدوة العملية: النبي ﷺ لا يكتفي بالأمر والنهي، بل يترجم الأقوال إلى أفعال، فيكون قدوة عملية لأمته في الورع والتحرّي.
5- التعليم بالأسلوب العملي: أراد ﷺ أن يعلّم أصحابه ومن بعدهم أهمية السؤال عن حلال الأمور وحرامها، وعدم التهاون في أمر الشبهات.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

● حكمة تحريم الصدقة على النبي ﷺ وآل بيته: تكريماً لهم، لئلا تكون عليهم ذلةً أو أوساخ أموال الناس، ولتكون أيديهم دائماً هي العالية المعطية لا الآخذة.
● الفرق بين الصدقة والهدية: الصدقة (الزكاة) حرام على النبي وآل بيته، أما الهدية فحلال لهم، كما جاء في الحديث: «إنها لهم صدقة وهي لنا هدية».
● الحديث يدل على أن الأصل في الأشياء الإباحة، لكن النبي ﷺ تركها لاحتمال التحريم، وهذا من最高 درجات الورع.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يقتدي بنبيه ﷺ في ورعه وتقواه، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.