ضالة المسلم حرق النار فلا تقربنها

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين وإمام المتقين.
أهلاً وسهلاً بك أيها السائل الكريم، وأسأل الله أن يفتح علينا أبواب فهم حديث نبيه ﷺ.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام أحمد في مسنده، وفيه درس عظيم في حفظ أموال المسلمين وأعراضهم. وإليك الشرح المفصل:

---

أولاً. شرح مفردات الحديث:

● الظَّهْر: الإبل التي يُحمل عليها المتاع في السفر.
● قِلَّة: أي قلة في العدد.
● ذُود: قطيع من الإبل، يتراوح بين العشرة إلى الأربعين.
● جُرُف: مكان مرتفع من الأرض.
● ضَالَّةُ المُسْلِم: ما فُقِد من مال المسلم وتاه عن صاحبه.
● حَرْقُ النَّار: أي تؤدي إلى النار وعذابها، كناية عن تحريم أخذها.
● اللُّقَطَة: ما يُلتقط من مال ضائع.
● تَنْشُدَنَّهَا: تطلب وتعرف صاحبها بالنداء والإعلان.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل الجارود العبدي رضي الله عنه عن موقف حصل أثناء سفر مع النبي ﷺ. كان عدد الإبل (الظهر) قليلاً لا يكفي الجميع، فتحدث القوم عن هذا النقص.
فقال الجارود للنبي ﷺ: يا رسول الله، نحن نعرف كيف نوفّر لأنفسنا الإبل الكافية (أي بطريقة غير مشروعة)، وذلك بأخذ قطيع من الإبل الضالة التي نجدها في مكان مرتفع، فنركبها لفترة ثم نتركها.
فرد عليه النبي ﷺ مستنكراً: "وما الذي يكفينا؟" (سؤال للاستفهام الإنكاري، أي أنكر عليه هذه الفكرة من أساسها).
ثم أكد النبي ﷺ التحريم بتكرار التحذير ثلاثاً قائلاً: "ضالة المسلم حرق النار، فلا تقربنها". أي أن أخذ مال المسلم الضال دون أن نعرف صاحبه ونرده إليه هو سبب لدخول النار، فاحذر أن تقترب من هذا الفعل أصلاً.
ثم أتبع النبي ﷺ هذا التحذير العام ببيان الحكم الشرعي التفصيلي للقطة (المال الضائع)، فقال:
1- "الضالة تجدها فانشدنها": إذا وجدت مالاً ضائعاً، فابحث عن صاحبه ونادِ عليه في المجالس والأماكن العامة.
2- "ولا تكتم، ولا تغيب": لا تخفيه عن الناس ولا تحجبه عن صاحبه.
3- "فإن عرفت فأدها": إذا عرفت صاحبها فأعطها له.
4- "وإلا فمال الله يؤتيه من يشاء": إذا لم تعثر على صاحبها بعد البحث والانتظار لمدة معينة (وهي سنة عند جمهور العلماء)، فهي تصبح ملكاً لك حلالاً، فهي عطاء من الله تعالى.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- حرمة أموال المسلمين: الحديث يؤكد على عظمة حرمة مال المسلم، وأن الاعتداء عليه من الكبائر التي توعّد عليها النبي ﷺ بالنار.
2- الأمانة والصدق: يجب على المسلم أن يكون أميناً حتى في أصغر الأمور، كاللقطة، فهي اختبار لأمانته.
3- تحريم التلاعب بالحاجات: لا يجوز للمسلم أن يسد حاجته بمال غيره حراماً، حتى لو كان مضطراً. فالنبي ﷺ أنكر هذه الفكرة رغم حاجتهم الشديدة للإبل في السفر.
4- التكرار للتحذير: تكرار النبي ﷺ للجملة ثلاثاً يدل على شدة التحذير وأهمية المسألة، لترسخ في الأذهان.
5- التشريع الحكيم للقطة: شرع الإسلام نظاماً دقيقاً للقطة يجمع بين حفظ حق المالك الأصلي من ناحية، ورفع الحرج عن الملتقط إذا تعذر الوصول إليه من ناحية أخرى.
6- التسليم لأمر الله: قوله ﷺ "فمال الله يؤتيه من يشاء" يعلم المسلم أن الرزق بيد الله، فيسعى له من أبوابه الحلال ويترك الحرام.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- اتفق الفقهاء على وجوب التعريف باللقطة لمدة عام كامل.
- اختلفوا في مقدار اللقطة التي يجب تعريفها، فمنهم من حددها بما له قيمة، ومنهم من لم يحدد.
- هذا الحديث أصل من أصول تحريم أكل أموال الناس بالباطل، وهو من جوامع كلمه ﷺ.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الحافظين لأمانات المسلمين، المنزهين لأموالهم وأعراضهم، وأن يرزقنا القناعة بالحلال ويبعدنا عن الحرام وشبهاته.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.