من آوى ضالة فهو ضال ما لم يعرفها

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث شريف رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ آوَى ضَالَّةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا».

---

أولاً. شرح المفردات:

● آوَى: من الإيواء، أي: آخذ الشيء وأضافه إلى نفسه وجعله في مأواه ومكانه.
● ضَالَّةً: هي كل مال ضاع من صاحبه، سواء كان حيواناً أو متاعاً أو غير ذلك، مما له قيمة.
● ضَالٌّ: أي آثم، واقع في الضلال عن الحق والصواب في هذه المسألة.
● مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا: أي ما لم يعلن عنها ويعرف الناس بها ليعود إلى صاحبها.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث عن حكم شرعي مهم وأدب إسلامي رفيع يتعلق بالأمانة. فإذا وجد الإنسان مالاً ضاع من صاحبه (كحيوان أو محفظة أو هاتف أو غير ذلك)، فإنه لا يجوز له أن يأخذه ويضمه إلى ماله وينسبه إلى نفسه. بل يجب عليه أن يعلن عن هذا الشيء الضائع ويعرفه الناس، إما بالنداء في مكان عالٍ، أو بالإعلان في المساجد أو وسائل التواصل في زماننا، أو بإخبار الجهات المختصة، ليصل الخبر إلى صاحبه فيسترده.
فمن أخذه ولم يعرفه، فهو ضال عن الطريق المستقيم، آثم بفعله هذا، لأنه أخذ ما ليس له بحق، وقصر في أداء الأمانة، وشابه فعل الضالين عن الحق.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الحث على الأمانة: الحديث يؤكد على خلق الأمانة العظيم، ويحذر من خيانتها، حتى في الأمور التي يظنها الناس صغيرة.
2- تحريم أكل أموال الناس بالباطل: أخذ الضالة دون تعريفها هو نوع من أكل مال الآخرين بغير حق، وهو من الكبائر.
3- الشفافية والإعلان: الإسلام يحث على الشفافية وعدم إخفاء ما قد يكون فيه حق للغير، حتى يزول الشبهة ويحصل الحق لأهله.
4- رحمة الإسلام وعدله: شرع الإسلام هذا الحكم حفظاً لأموال الناس، وصيانة لها من الضياع والاستغلال، مما ينشر الثقة والأمان في المجتمع.
5- التقوى في السر والعلن: المسلم يتقي الله حتى في الأمور التي لا يراه فيها أحد، لأنه يعلم أن الله مطّلع عليه.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يدخل في باب اللقطة، وقد بين الفقهاء تفصيلاتها، كأنواعها (التي تُعرف والتي لا تُعرف)، ومدة تعريفها، وما يفعل بها بعد ذلك.
- الفقهاء استنبطوا من هذا الحديث أن الإثم يزول بالتعريف، فإذا عرفها الإنسان وأعلن عنها، فقد برئت ذمته حتى لو لم يجد صاحبها.
- هذا الحكم ينطبق على كل ما له قيمة، أما الأشياء التافهة التي لا يهتم الناس بها عادة، فلها أحكام أخرى.
نسأل الله أن يجعلنا من الحافظين للأمانات، الآخذين بالحق، الواقفين عند حدود الله.
والله أعلم.