نهى رسول الله ﷺ عن لقطة الحاج

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع:

---

الحديث:

عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الحَاجِّ».
(رواه مسلم في صحيحه)

---

1. شرح المفردات:

* نهى: أي حَرَّمَ وأمر بالترك.
* لُقَطَةِ: اللقطة في اللغة: هي الشيء الملتقط، وهو المال الضائع من صاحبه يلتقطه غيره.
* الحاجِّ: هو الشخص الذي يؤدي فريضة الحج.

---

2. شرح الحديث:

معنى الحديث النبوي الشريف أن رسول الله ﷺ حرَّم على الناس أن يلتقطوا ما يسقط من أمتعة الحجاج وأموالهم أثناء أدائهم للمناسك، ثم يتملكوه لأنفسهم.
والحكمة من هذا النهي العظيم:
أن الحاج يكون في حالة شغل بالٍ وعبادة وتوجه كامل إلى الله تعالى، وقد يسهو عن متاعه أو قد يسقط منه شيء دون أن يشعر، خاصة في زحام المشاعر المقدسة مثل عرفة ومزدلفة ومنى. فلو أبيح للناس التقاط هذه الأشياء والاستيلاء عليها، لتعرض الحجاج للضرر والحرمان، ولحصلت عليهم مشقة عظيمة تضر بأمنهم وطمأنينتهم، وتنافي المقصد العظيم من الحج وهو الطمأنينة والعبادة.
فجاء هذا النهي النبوي الكريم لسد هذه الذريعة، وصيانة لأموال المسلمين، وحفاظًا على أخوة الإيمان، وتيسيرًا للحجاج ليتفرغوا تمامًا لعبادة ربهم.
ماذا يفعل من وجد لقطة؟
إذا وجد الإنسان شيئًا من متاع الحجاج، فإن الواجب عليه أن يرفعه ويحفظه وينادي عليه في المجامع (مثل في المخيمات أو عند الجمرات) ليعرف صاحبه ويردها إليه. فهو أمانة في عنقه يجب عليه أداؤها لأصحابها.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- الحرص على أموال المسلمين وحرماتهم: يبين الحديث العناية الفائقة التي جاء بها الإسلام للمحافظة على أموال الناس وأعراضهم، وخصوصًا في أوقات العبادة وأماكنها.
2- التيسير على العباد ورفع الحرج عنهم: الشريعة الإسلامية جاءت لتسهيل أمور الناس وليس لتضييقها، وهذا النهي يمنع حدوث ضرر ومشقة للحجاج.
3- الأمانة والورع: الحديث يربي في المسلم خلق الأمانة والورع عن أموال الناس، حتى لو وجدها ضائعة في مكان عام.
4- سد الذرائع: وهو أصل عظيم في الشريعة، حيث يمنع شيء مباح أو محتمل خشية أن يكون ذريعة إلى أمر محرم. فالتقاط اللقطة قد يكون ذريعة للسرقة أو الاستيلاء على أموال الناس بالباطل.
5- الحفاظ على روح الأخوة والتعاون: في الحج يتجلى معنى المساواة والأخوة بين المسلمين، وهذا النهي يعزز هذه المعاني بأن يكون المسلم عونًا لأخيه لا سبَبًا في ضياع حاجته.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا النهي خاص بلقطة الحاج في أثناء أداء المناسك وفي أماكن الحج (مشاعر مكة ومنى وعرفة ومزدلفة). أما اللقطة في غير مكان الحج أو لغير الحاج، فلها أحكام أخرى مفصلة في كتب الفقه، منها ما يجب تعريفه سنة ثم يتملكه من وجده إذا لم يظهر صاحبه.
* يشمل النهي كل ما يضيع من الحاج، سواء كان مالاً كثيرًا أو قليلاً، متاعًا أو طعامًا أو غير ذلك.
* هذا الحديث من جوامع كلمه ﷺ، حيث جمع بكلمات قليلة معاني عظيمة في حفظ الحقوق والمصالح.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.