أجد التمرة ساقطة فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ الذي يقول فيه: «إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون من صدقة، فألقيها» حديث عظيم، يُظهر لنا جانبًا من دقة النبي ﷺ وتحرِّيه للحلال، وابتعاده عن الشبهات.

---

شرح المفردات:

● أَنْقَلِبُ: أي أرجع وأعود.
● التمرة: ثمرة النخيل.
● ساقطة: واقعة على الأرض أو الفراش.
● فأرفعها: آخذها وأحملها.
● أخْشَى: أتخوَّف وأحذر.
● فألقيها: أتركها وأرميها.

---

شرح الحديث:

يخبر النبي ﷺ في هذا الحديث أنه كان يعود إلى بيته، فيجد تمرةً سقطت على فراشه، فيأخذها ليأكلها، لكنه يتذكر أنها قد تكون من الصدقة التي حُرِّمت عليه وعلى أهل بيته، فيتركها ولا يأكلها.
والسبب في ذلك أن النبي ﷺ وأهل بيته كانوا لا يحل لهم أكل الصدقة؛ لأنها أوساخ الناس، كما جاء في الحديث: «إنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد» (رواه مسلم). فالصدقة تكون للفقراء والمحتاجين، وليست للأنبياء وأقاربهم، احترامًا لهم وتنزيهًا عن أخذ أموال الناس.

---

الدروس المستفادة من الحديث:

1- التحرِّي والبعد عن الشبهات: النبي ﷺ كان يتحرَّى الحلال ويبتعد عن كل ما يشتبه فيه، حتى لو كان شيئًا يسيرًا مثل تمرة ساقطة. وهذا تطبيق لقول النبي ﷺ: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» (رواه الترمذي والنسائي).
2- الورع والخشية من الله: النبي ﷺ يخشى أن تكون التمرة من الصدقة فيتركها، مع أنه كان يمكن أن يسأل عنها أو يتأكد، لكنه предпочел تركها احتياطًا لدينه.
3- قدوة في التواضع والزهد: النبي ﷺ كان يرفع التمرة من الأرض ليأكلها، مما يدل على تواضعه وعدم استكثاره لأكل شيء يسير.
4- تعليم الأمة: النبي ﷺ يعلّم أمته بالقول والفعل، فها هو يبيّن لهم أهمية اجتناب الشبهات، ولو في أبسط الأمور.

---

فوائد إضافية:

- هذا الحديث يدل على أن الورع خير كله، وأن المسلم يجب أن يكون حريصًا على طلب الحلال واجتناب الحرام.
- كما يدل على أن النبي ﷺ كان يعيش حياة بسيطة متواضعة، لا يتعالى على شيء، بل كان يأكل مما يجد.
- وفيه أيضًا إشارة إلى أن الصدقة محرمة على النبي ﷺ وآله، وهذا من خصائصه التي ميزه الله بها.

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الورع والتحرّي، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.