اذهب فهو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين. هذا الحديث الذي ذكر هو أثر صحيح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو موجود في مصنف عبد الرزاق وغيره، وفيه حكم عظيم من أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة باللقطة والضوال، وخاصة ما يتعلق بالطفل الضال أو المجهول النسب.

---

أولاً. شرح المفردات:

● سِنين أبي جميلة: هو راوي القصة، وهو من بني سليم، وكان معروفاً بالصلاح.
● منبوذًا: المقصود هنا طفل صغير متروك أو ضال، لا يُعرف له أهل.
● عريفه: العريف هو المسؤول عن القبيلة أو الجماعة، الذي يعرف أحوالهم ويشهد لهم.
● النسمة: تطلق على النفس أو الروح، وهنا يقصد بها الطفل الضعيف.
● ولاؤه: الولاء هنا هو حق patronage، وهو نوع من التبعية القائمة على النصرة والميراث، فمن أعتق عبداً أو وجد لقيطة فولاؤه له.
● نفقته: ما يُنفق عليه من طعام وشراب وكسوة وسكن.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي هذا الأثر أن رجلاً صالحاً من بني سليم يُدعى سنين أبَا جميلة، وجد طفلاً صغيراً مُلقىً متروكاً لا أحد معه، فأخذه وحمله إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فسأله عمر: "ما الذي دفعك لأخذ هذا الطفل؟" فأجاب الرجل بأنه وجده ضائعاً لا كافل له، فأخره رحمة به. ثم شهد عريفه (أي رئيس قبيلته أو من يعرفه) بأنه رجل صالح. فسأله عمر: "هل هذا صحيح؟" فأكد الرجل ذلك. عندها حكم عمر رضي الله عنه بأن يذهب الرجل ويكون الطفل حراً، ويكون ولاء الطفل لهذا الرجل، وتكون النفقة على بيت المال.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في المسألة:

1- وجوب رعاية الضعفاء واليتامى: الإسلام يحث على كفالة الضعيف واليتيم، وهذا من أعظم القربات.
2- حكم اللقطة في الإنسان (اللقيط): من وجد طفلاً ضالاً مجهول النسب، يجب عليه أن يأخره ويُعنى به، ثم يعرض الأمر على الحاكم ليقرر ما يُعمل فيه.
3- حرية اللقيط: اللقيط يُحكم بحريته لأنه يُعتبر مسلماً في الأصل، ولا يُعرف عنه استرقاق.
4- الولاء لمن أنقذه أو اعتقه: من وجد لقيطاً أو أعتق عبداً، فولاؤه له، أي أنه ينتسب إليه في النصرة والميراث إذا لم يكن له وارث.
5- مسؤولية الدولة الإسلامية عن رعاية الضعفاء: هنا نرى عمر رضي الله عنه يقرر أن نفقته على بيت المال، مما يدل على أن الدولة مسؤولة عن توفير الحياة الكريمة لكل طفل أو إنسان لا معيل له.
6- الأمانة والصدق في الشهادة: شهادة العريف بالصلاح كانت سبباً في ثقة عمر بقول الرجل وقصده.

---

رابعاً. فوائد إضافية:

- هذا الأثر يدل على عدل عمر رضي الله عنه وحكمته في تطبيق شرع الله.
- فيه تأكيد على مبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام.
- يُستفاد منه أن الأصل في الإنسان الحرية، وأن الإسلام يحرص على حفظ كرامة الإنسان حتى لو كان طفلاً ضالاً.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.