حديث: ما كان فيكم رجل رشيد يقوم فيقتله

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم

عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرْح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى. فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله» فقالوا: ما ندري يا رسول الله، ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك! قال: «إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين».

صحيح: رواه أبو داود (٤٣٥٩) والنسائي (٤٠٦٧) كلاهما من حديث أحمد بن المفضل، حدثنا أسباط بن نصر، قال زعم السدي، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص فذكره.

عن سعد بن أبي وقاص قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرْح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله. فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى. فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله» فقالوا: ما ندري يا رسول الله، ما في نفسك ألا أومأت إلينا بعينك! قال: «إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا حديث عظيم له قصة عظيمة، وله دروس وعبر جليلة، سأشرحه لكم جزءًا جزءًا بإذن الله.

أولًا:

قصة الحديث وسياقه
هذا الحديث يرويه الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ويحكي قصة عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وهو أخو عثمان بن عفان رضي الله عنه من الرضاعة. وكان عبد الله هذا قد أسلم ثم ارتد وكفر، وكان من كتاب الوحي، ثم اتهم النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب وافترى على الله الكذب، فقال: (إن كان محمد صادقًا فقد أوحي إلي مثل ما أوحي إليه، وإن كان كاذبًا فقد قلت مثل ما قال). فلما كان يوم فتح مكة، اختبأ خوفًا من القتل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه، وجاء به عثمان بن عفان رضي الله عنه ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم.
### ثانيًا. شرح المفردات
● اختبأ: اختفى واختفى عن الأنظار خوفًا من القتل.
● بايع عبد الله: أي اقبل بيعته وخذ منه البيعة.
● فرفع رأسه فنظر إليه ثلاثا: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم تأخر في القبول ونظر إليه ثلاث مرات.
● كل ذلك يأبى: في كل مرة يرفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يبايعه.
● أما كان فيكم رجل رشيد: أي عاقل حكيم يفهم المراد.
● خائنة الأعين: أي الإشارة بالعين التي تخون وتغدر.
### ثالثًا. شرح الحديث
يخبر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح – وكان مرتدًا – قد اختبأ يوم فتح مكة خوفًا من القتل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أهدر دمه. فجاء به عثمان بن عفان رضي الله عنه – وكان أخاه من الرضاعة – إلى النبي صلى الله عليه وسلم طالبًا منه أن يقبل بيعته ويؤمنه.
فرفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ونظر إلى عبد الله ثلاث مرات، وفي كل مرة يمتنع عن بيعته، ثم بعد الثالثة بايعه. ثم بعد أن انصرف عبد الله، التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وقال: «أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟» يعني: لما رأيتموني أتأخر عن بيعته، كان ينبغي لأحدكم أن يفهم أني أريد قتله، فيقتله.
فأجاب الصحابة: «ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟» أي: لو أشرت إلينا بعينك لفعلنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» أي: لا يجوز للنبي أن يخون بالإشارة، بل يجب أن يكون صريحًا واضحًا.
### رابعًا. الدروس المستفادة
1- عصمة الأنبياء من الخيانة والخداع: فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يخون ولا يغدر، حتى لو كان بالإشارة، لأنه قدوة وأسوة.
2- حكمة النبي صلى الله عليه وسلم: حيث لم يقتله مباشرة، بل ترك الأمر للصحابة ليفهموا المراد، فلم يفهموا، فبايعه رحمةً وتأليفًا لقلبه.
3- فضل الصحابة وحرصهم على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم: حيث كانوا مستعدين لتنفيذ أي أمر لو فهموه.
4- أن البيعة لا تقبل من المرتد إلا بعد التوبة النصوح: ولذلك تردد النبي صلى الله عليه وسلم في بيعته حتى ظهرت توبته.
5- أن القتل حد للردة: وهذا دليل على أن المرتد يقتل إذا لم يتب.
### خامسًا. معلومات إضافية
- عبد الله بن سعد بن أبي سرح تاب توبة نصوحًا، وحسن إسلامه، وكان بعد ذلك من القادة المجاهدين، وقد ولاه عثمان رضي الله عنه على مصر، وفتح أفريقية.
- هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى أعلى درجات الصدق والأمانة، حتى في الإشارة.
- الحديث رواه أبو داود والنسائي وأحمد، وصححه الألباني.
أسأل الله أن يفقهنا في السنة، وأن يجعلنا من أهلها، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (٤٣٥٩) والنسائي (٤٠٦٧) كلاهما من حديث أحمد بن المفضل، حدثنا أسباط بن نصر، قال زعم السدي، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص فذكره. وإسناده صحيح واللفظ لأبي داود.
وأما النسائي فرواه بأبسط من هذا فقال: لما كان يوم فتح مكة آمن رسول الله ﷺ الناس إلا أربعة نفر، وامرأتين وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح».
فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمار بن ياسر. فسبق سعيدٌ عمارًا. وكان أشبّ الرجلين فقتله. وأما مقيس بن صبابة فأدركه الناس في السوق فقتلوه. وأما عكرمة فركب البحر، فأصابتهم عاصف. فقال أصحاب السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم لا غني عنكم شيئًا هاهنا.
فقال عكرمة: والله لئن لم ينجّني من البحر إلا الإخلاص لا ينجّني في البر غيره. اللهم إن لك عليّ عهدًا إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدًا حتى اضع يدي في يده. فلأجدنّه عفوا كريما. فجاء فأسلم. وأما عبد الله بن أبي السرح فإنه اختبأ عند عثمان بن عفان. فلما دعا رسول الله ﷺ الناس إلى البيعة، جاء به حتى أوقفه على النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، بايع عبد الله فذكر بقية القصة. هذه قصة ابن أبي سرْح أنه أسلم، ثم ارتد ولحق بأهل مكة، وبدأ يفتري على الله ورسوله فأمر رسول الله ﷺ بقتله.
وأما ما ذكر في كتب التفسير أنه ﷺ إذا أملى عليه: «سميعا عليمًا» فكتب عليما حكيما«وإذا قال: «عليما حكيما«كتب»سميعا عليما«فشك وكفر وقال: إن كان محمد يوحى إليه، فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله، فقد أنزلتُ مثل ما أنزل الله، قال محمد: «سميعا عليما«فقلت أنا: «عليما حكيما«فلحق بالمشركين.
ووشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي - أو لبني عبد الدار، فأخذوهم، فعُذّبوا حتى كفروا، وجدع أذن عمار يومئذ فانطلق عمار إلى النبي ﷺ، فأخبره بما لقي، والذي أعطاهم من الكفر، فأبى النبي ﷺ أن يتولاه، فأنزل الله في شأن ابن أبي سرح وعمار وأصحابه من كفر بالله من بعد إيمانه: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ [النحل: ١٠٦] فالذي أكره عمار وأصحابه، والذي شرح بالكفر صدرًا ابن أبي سرح. فهو ضعيف.
رواه ابن جرير الطبري - سورة الأنعام: آية ٩٣ - عن محمد بن الحسين قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السدي قال: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ إلى قوله: ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ [الأنعام: ٤٣] قال: نزلت في عبد الله بن سعد بن أبي سرْح، أسلم وكان يكتب للنبي ﷺ فكان إذا أملى عليه: «سميعًا عليمًا ... فذكره. وإسناده معضل. وفيه أسباط وهو ابن نصر الهمداني.
قال النسائي: «ليس بالقوي، وضعّفه أبو نعيم، وتوقف أحمد، ولكن وثّقه ابن معين»، وقال البخاري: «صدوق».
وكذلك روي نحوه من طريق ابن جريج، عن عكرمة. وابن جريج لم يسمع من عكرمة، وفيه إرسال. ونظرًا لضعف هذه الروايات لم يذكرها ابن كثير كعادته من سرد روايات ابن جرير الطبري. وأما ما رُوي عن جابر بن عبد الله قال: ارتدت امرأة عن الإسلام. فأمر رسول الله ﷺ أن يعرضوا عليها الإسلام، فإن أسلمت وإلا قُتلت. فعرض عليها الإسلام فأبت أن تُسلم، فقتلت. واسمها أم مروان. فهو ضعيف.
رواه الدارقطني (٣/ ١١٩) من وجهين عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال الحافظ ابن حجر في «التلخيص» (٤/ ٤٩): «وإسنادهما ضعيفان».
وكذلك لا يصح ما روي عن عائشة أن امرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبي ﷺ أن تُستتاب، فإن تابت وإلا قتلت. رواه الدارقطني أيضا من طريق الزهري، عن عروة، عن عائشة فذكرته.
قال الحافظ ابن حجر: «وروي من وجه آخر ضعيف عن الزهري ...».
ويستفاد من هذه الأحاديث أن المرتدة حكمها حكم المرتد. وقد ثبت أن أبا بكر قتل امرأة في خلافته ارتدت، والصحابة متواجدون، فلم ينكر ذلك عليه أحد.
وقال به ابن عمر والزهري وإبراهيم النخعي كما قال البخاري، وإليه ذهب جمهور أهل العلم:
مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم. واستدلوا أيضا بعموم قول النبي ﷺ: من بدّل دينه فاقتلوه» يدخل فيه الرجال والنساء.
ووقع في حديث معاذ أن النبي ﷺ لما أرسله إلى اليمن قال له: «أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت وإلا فاضرب عنقها» قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (١٢/ ٢٧٢)، وسنده حسن.
وقال أبو حنيفة: «تُجبر على الإسلام، ولا تُقتل. وإجبارها يكون بحبسها إلى أن تُسلم أو تموت». وتمسك أيضا بعموم النهي عن قتل النساء في الحرب «لا تقتلوا المرأة».

معلومات عن حديث: ما كان فيكم رجل رشيد يقوم فيقتله

  • 📜 حديث: ما كان فيكم رجل رشيد يقوم فيقتله

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: ما كان فيكم رجل رشيد يقوم فيقتله

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: ما كان فيكم رجل رشيد يقوم فيقتله

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: ما كان فيكم رجل رشيد يقوم فيقتله

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, December 17, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب